أيها الطلبة المتظاهرون: إنني معجب بتعاطفكم مع سكان غزة، وقلقكم على العالم، وطموحكم الأخلاقي إلى إحداث تغيير، ولكنني أشعر بالقلق من تحوّل الاحتجاجات السلمية إلى احتلال للمباني، ومخاطر تتهدد حفلات التخرج، وما أراه تسامحاً لا مبرر له مع معاداة السامية والفوضى والتخريب والتطرف. وأخشى أن هذه الأعمال الأكثر عدوانية قد تضر بسكان غزة الذين تحاولون مساعدتهم. والواقع أن تفكيري متأثر باحتجاجات حرب فيتنام في الستينيات.

فالطلبة الذين احتجوا وقتئذ كانوا على حق بخصوص المسوغات الموضوعية: ذلك أن الحرب كانت غير قابلة للانتصار وجرت بطرق متهورة وغير أخلاقية، غير أن أولئك الطلبة لم يقصّروا أمد تلك الحرب الفظيعة، بل أطالوه على الأرجح. ذلك أن النشطاء اليساريين في 1968 لم يحققوا هدفهم المتمثل في انتخاب مرشح السلام «جين مكارثي»، والاضطرابات والاحتجاجات الأكثر عنفاً ساعدت على انتخاب ريتشارد نيكسون الذي تعهد باستعادة النظام - ثم قام بعد ذلك بإطالة أمد الحرب وتوسيعها في كمبوديا. وأعتقدُ أن هذا التاريخ يستحق أن نتذكره اليوم. فالنوايا الحسنة لا تكفي، والتعاطف لا يكفي، وأنا على يقين بأننا جميعاً متفقون على أن النتائج هي الأهم. ولهذا فإن السؤال الذي أطلب منكم أن تطرحوه على أنفسكم هو: هل اعتصاماتكم وتضحياتكم - أكثر من ألف متظاهر تم اعتقالهم حتى الآن، وأعداد غير معروفة منهم تم تعليقها أو طردها - تساعد سكان غزة بالفعل؟ الواقع أنه منذ الخريف الماضي وأنا أنتقد بشدة سلوك إسرائيل في قطاع غزة ودعم الرئيس جو بايدن غير المشروط للحرب.

ولهذا، فإذا كان قلبي مع هذه القضية، فإنه يبدو لي أن الاضطرابات التي تشهدها الجامعات الأميركية تصرف الانتباه عن الأزمة في غزة، بدلاً من أن تلفت الانتباه إليها. فعلى كل حال، عما نتحدث الآن؟ إننا لا نتحدث عن الجوع في غزة. ولا عن غزو محتمل لرفح، والذي قال عنه منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة هذا الأسبوع إنه سيكون «مأساة تفوق الوصف»، بل نتحدث عن الزعيم الطلابي في جامعة كولومبيا الذي قال في يناير الماضي «إن الصهاينة لا يستحقون العيش». لقد كان استثناء واعتذر عما بدر منه لاحقاً - ولكنه أساء إلى سمعة القضية كثيراً. فالاحتجاج في حد ذاته أمر جيد: إذ يمكن للطلبة كتابة رسائل إلى المحرر، وتعميم العرائض، وتنظيم مسيرات سلمية، والاتصال بأعضاء الكونجرس (أو إغراق قسم التعليقات في هذا العمود بالانتقادات والتعقيبات!). فأنا مع المطالبة بمزيد من المساعدات الإنسانية لغزة، وتعليق نقل الأسلحة الهجومية إلى إسرائيل إلى أن تلتزم بالقانون الإنساني، بالإضافة إلى الضغط بشكل كبير من أجل إقامة دولة فلسطينية. وفي الختام، اسمحوا لي أن أقدّم اقتراحين ملموسين حول كيف يمكننا أن نساعد الفلسطينيين بشكل حقيقي لا يشمل احتلال الحرم الجامعي والطرد من الجامعة والمخاطرة بإطالة أمد الحرب. الاقتراح الأول هو جمع التبرعات للمنظمات التي تعمل على مساعدة سكان غزة، مثل منظمة «أنقذوا الطفولة» أو منظمة «غيشا» أو «لجنة الإنقاذ الدولية».

قد يبدو ذلك عملاً متواضعاً، ولكنه سيساعد أشخاصاً حقيقيين في حاجة ماسة للمساعدة. أما الاقتراح الثاني، فيتمثل في جمع تبرعات مالية لإرسال أكبر عدد ممكن من زعماء الطلبة هذا الصيف للعيش في الضفة الغربية والتعلم من الفلسطينيين هناك (مع التعامل في الوقت نفسه مع الإسرائيليين أثناء الدخول إلى هناك أو الخروج منه)؟ مراقبون في الضفة الغربية يقولون إن التضييق الإسرائيلي الأخير مع الأجانب الذين يساعدون الفلسطينيين، من خلال منعهم من الدخول إليها أو ترحيلهم منها، جعل هذا الأمر أكثر صعوبة ولكنه ليس مستحيلاً.

وعليه، فإن الطلبة الزائرين مطالَبون بتوخي الحيطة والحذر، ولكن يمكنهم دراسة اللغة العربية وتعليم اللغة الإنجليزية والتطوع مع منظمات حقوق الإنسان على الميدان، ولا سيما في وقت يعيش فيه الفلسطينيون في أجزاء من الضفة الغربية تحت الحصار، ويتعرضون لهجمات دورية من قبل المستوطنين، ويحتاجون إلى مراقبين ومناصرين دوليين. والأكيد أنه سيصبح لدى هؤلاء الطلبة حين يعودون في نهاية الصيف فهم أعمق بكثير للقضايا وسبل تقديم المساعدة. وستكون تجربة مفيدة ومغيّرة للحياة، وتعليماً غنياً كأي تعليم يحصل عليه الطالب داخل الجامعة. كما سيشكّل ذلك تطوعاً ونضالاً ميدانياً غير استعراضي ولكن يمكنه أن يساعد الفلسطينيين على عيش حياة أفضل وأكثر أماناً.

*كاتب أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»