الإثنين 20 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النصّ المسرحي مُحاكائياً لا حكائياً

النصّ المسرحي مُحاكائياً لا حكائياً
28 ديسمبر 2011 22:59
النص السردي على نقيض كل أنماط النصوص، يهدف إلى حكي قصة، وينقل وضعية تتحول أحداثا مترابطة منطقياً, وتدور هذه الأحداث في مدة محددة، وتستدعي شخوصا بشرية, أو ذات سلوكيات/ تصرفات بشرية. أما السرد في المسرح فإنّ مفهوم السرد: كلمة Narration مشتقة من الفعل اللاتيني Narrare الناتجة عن فعل السرد والرواية، ويقابلهما في اللغة العربية السرد والقص والراوي. تضمن كتاب بيداء محيي الدين الدوسكي “سردية النصّ المسرحي العربي” الصادر عن دار الشؤون الثقافية العامة بوزارة الثقافة العراقية، بصفحاته الــ “312”، ثلاثة فصول قسم كل واحد إلى ثلاثة مباحث فضلاً عن المقدمة ومدخل البحث” وخاتمة الكتاب والمصادر والمراجع التي اعتمدتها المؤلفة، يذكر أنّ المؤلفة عبر فصول ومباحث كتابها قد استشهدت بنماذج لنصوص مسرحية عديدة لدعم رأيها أثناء عرض المادة. استهلت الدوسكي كتابها بمقدمته أشارت فيها إلى أن “البحث في سردية النصّ المسرحي العربي مثير للنقاش والجدل، لكون النصّ المسرحي نصاً محاكائياً أكثر منه نصاً حكائياً. وهذا هو الالتباس وسوء الفهم الذي قد يقع فيه بحثنا، لأننا لا نعني بالسردية كما من السرد في النصّ المسرحي، وهنا ننقاد إلى قضية تداخل الأجناس، فهذه ليست الغاية المتوخاة من البحث بل السردية في كونها العلم الذي يمكن مقاربته مع أي نصّ لفظي لساني الأمر الذي نلمسه في النصّ المسرحي الذي يضم مستويات حكائية متعددة بتعدد نصّ المؤلف، ونصّ الشخصية- السارد، ونصّ الراوي- في المسرحية الملحمية- إلى جانب مقومات بنائية أخرى. التبئير بدأت الدوسكي الفصل الأول بالإشارة إلى أنه لم تنل اي من مقولات السرد الأدبي الحظوة التي نالتها مقولة “وجهة النظر/ التبئير” بوصفها التقنية الأكثر فعالية في تحليل العلاقة بين الراوي/ السارد، وأحداث قصته من جانب وبينها وبين القارئ من جانب آخر مُحققة بذلك فعل التواصل. وأضافت قائلة: “ومن هنا فإنّ تقنية التبئير ذات أهمية مميزة في الخطاب الأدبي وبين الدراما/ الخطاب المسرحي والأدب ثمة متشابهات كبيرة من حيث التأليف، كما يذهب إليه أوسبنسكي”. وزعت المؤلفة مادة الفصل الأول إلى ثلاثة مباحث، أولها “التبئير في المسرحية – الكلاسيكية” حيث أشارت إلى أنه تتناوب الشخصيات في الدراما الحكي من خلال الحوار الذي تتوزعه شخصيات المسرحية- الكلاسيكية بحسب ما يتطلبه المشهد أو الموقف وبحسب موقعها/ صوتها من الواقع/ الأحداث، ويمثل كل منها مصدراً للكلام”. ثم أردفت قائلة: إنّ ما يصدق على المسرحية- الكلاسيكية- في هذا المجال- يصدق تماماً على النصوص المسرحية المتفقة معها في الأطر العامة التي تحدد أجناسها، والقوانين البنائية التي تحكمها، ونعني” النص المسرحي- الملحمي- والمسرحية- المونودرامية”. أما” التبئير في المسرحية- الملحمية”، فهو المبحث الثاني حيث ترى الدوسكي أنه هذا النمط من البناء المسرحي يمتاز عن سابقه- الكلاسيكية- بتقنيات إنشائية مُبتكرة أهمها تقنية (الراوي) في اللفظ الصريح للكلمة، الذي يتوخى منه إحداث التغريب البريختي، ففيه دعوة للمتلقي إلى أن يتوقف بإزاء الأحداث مُعيداً النظر فيها فاعلاً، ومُغيراً. ثم أنّ تقنية الراوي الذي يقوم بدور الوسيط بين شخصيات المسرحية والمتلقين قد انفردت بوظائف عدّة أهمها: امتلاكها تأملات خاصة تسعى من ورائها إلى إلغاء عنصر الإيهام من ذهن القارئ وهي وسيلة من الوسائل التي تولد الدهشة والغرابة، كما تزود المتلقي بخلفية للأحداث، وتصف أفكار الشخصيات ودوافعها؛ لتتيح للقارئ فرصة التفكير والحكم... وفيما يتعلق بـ “ التبئير في المسرحية- المونودرامية” ففي هذا النمط من البناء المسرحي كما تقول بيداء لا نجد سوى التبئير الداخلي- الذاتي، إذ يُدعى السارد بالصيغة الشخصية للحكاية، أو السارد المتماهي بمرويه فالفاعل الذاتي/ الشخصية - السارد هو الراوي المُبئر تبئيراً داخلياً في سرد ذاتي، إلى جانب رؤية المؤلف الضمني الموضوعية المتجسدة في الإرشادات المسرحية. خصصت بيداء الدوسكي الفصل الثاني لـ “الصيغة” الذي وزعته إلى أربعة مباحث، وأشارت فيه إلى إنّ مفهومنا للصيغة سيتحدد بالكيفية التي يعرض بها السارد الحكاية ويقدمها، ولتمظهر السارد في عدة مواقع/ مراكز وانشغاله تبعاً لذلك بوظائف متعددة ضمن الخطاب المسرحي، فإنّ صيغ الخطاب قد شهدت تنوعاً داخلياً بحسب تبدلات الحكي. واستشهدت المؤلفة بقول “جينيت” من أنّ المرء يستطيع فعلاً أن يروي كثيراً أو قليلاً مما يرى، وأن يرويه من وجهة النظر هذه أو تلك، وهذه القدرة، وأشكال ممارستها بالضبط، هي التي تشير إليها مقولة الصيغة السردية... كما رأت في مبحث “الخطاب المباشر” أنّه يشكل من الخطاب الدعامة الأساسية التي يرتكز عليها النصّ المسرحي في عرض أحداث قصته إبّان الحوار. في حين وجدت في مبحث “الخطاب الذاتي المباشر” أنّ هذا الأسلوب يقترب في صيغته من الأسلوب المباشر المعروض الذي لا يكاد نصّ مسرحي يخلو منه، إذ تربطهما وشائج عدّة أهمها: المباشرة في الحكي، والآنيّة- أي الزمن الحاضر- بيد أنّه يتمايز عنه بذاتيته، فيمكننا عبره أن ننصت إلى ما يجول في ذهن الشخصية من أفكار بصوت مسوع... وفي مبحث “الخطاب المسرود” ضمن هذا الفصل فإنّ النصّ المسرحي يعتمد في إنشائيته على الخطاب المباشر في صيغة العرض، لا يعني بالضرورة انتقاء حكائية أخرى تتم بوساطة صيغة السرد. ورأت المؤلفة في المبحث الأخير “الخطاب الذاتي المسرود” أنّ هذا النمط من الخطاب يرمي إلى استكناه ذاتية السارد، وسبر أغوار باطنه الداخلي، فإذا كان الخطاب الذاتي المباشر رهين الزمن الحاضر واللحظة الآنية التي تعيشها الشخصية فيتبلور خطابها بما يميله عليها الموقف الآني في مناجاة فردية، فإنّ الخطاب الذاتي المسرود لا ينأى عن النمط الأول في ذاتيته. الزمن عبر ثلاثة مباحث دارت محاور الفصل الثالث من كتاب “سردية النصّ المسرحي العربي”، حيث أنّ التنافر الزمني بين زمني الخطاب والقصة من جهة، وزمني السرد والقصة من جهة ثانية في الأجناس الأدبية السردية ذات الخطاب اللفظي نلمسه في الخطاب المسرحي الأدبي- مع الفارق- أنّ زمن النصّ المسرحي زمن حاضر لاعتماده الآنية والمباشرة في عرض الوقائع. وتناولت الدوسكي في المبحث الأول”الزمن في النص المسرحي- الكلاسيكي” والذي يتبلور إبّان تقنيات عدّة من شأنها خرق ذلك التتابع الكرونولوجي الخطي للزمن المسرحي الذي لا يمثل حصّة مُقتطعة من الزمن الذي نحياه بل هو أيضاً زمن معروض، صورة لغويّة في الخيال المسرحي. كذلك نجد أنها ركزت في المبحث الثاني: “الزمن في النص المسرحي- الملحمي”، على التنافر الزمني المتمخض عن العلاقة بين الراوي بوصفه تقنية نصيّة، ومستوى أحداث المسرحية لما يخلقه من تمريرات زمنية لإحداث التغريب، أو ما يُسمى بالتبعيد، أو الأثر الخاص، بينما ختمت بيداء الدوسكي مباحث الفصل الأخير والكتاب بـ”الزمن في النص المسرحي- المونودرامي”، ذلك لأنّ الزمن في المونودرما داخلي نفسي تقبع فيه الشخصية المونودرامية خلفَ عالمها الخاص الذي يعجُّ بالهواجس الذاتية، فهو الزمن كما يبدو في الخبرة الإنسانية الذاتية، وكما تحسّه وتراهُ الشخصيات في ضوء الموقف الذي هي فيه. الكتاب: سردية النصّ المسرحي العربي المؤلف: بيداء محيي الدين الدوسكي الناشر: دار الشؤون الثقافية العامة بوزارة الثقافة العراقية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©