الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بؤس الرأسمالية...

بؤس الرأسمالية...
28 ديسمبر 2011 22:59
يقول كاينز إن فلاسفة الاقتصاد والسياسة، عندما يكونون على خطأ أو على صواب، هم أكثر تأثيراً مما يعتقد الكثيرون. ويقول أيضاً إنهم يحكمون العالم. فالرجال الذين يعتقدون أنهم خارج تأثيرهم النظري، يكونون عادة عبيداً لاقتصاد ميت. هناك الكثير من الحقيقة في هذا القول، فقد حكمت نظريات كاينز العالم الرأسمالي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى بداية الثمانينات من القرن الماضي، وتم بناء دول الرفاهية في المراكز الرأسمالية في ظل هذا الفكر. القيادة الفكرية لا تكون دائماً للذين يستشرفون المستقبل، ويتخطون بأفكارهم علاقات الإنتاج السائدة وبناها الفوقية الحقوقية والقيمية، بل تكون في كثير من الأحيان للذين يطرحون حلولاً تواكب متغيرات الاقتصاد، تفسرها وتبررها، وتعبّر عن مصالح الطبقات الحاكمة في معالجة أزماتها البنيوية وتخطيها لهذه الأزمات. فقد استطاع النظام الرأسمالي حتى الآن أن يتجاوز أزماته، وأن يطور بناء الفكرية والقانونية وكذلك ثقافته وقيمه، أي ثقافة وقيم الطبقة السائدة، التي يتم تعميمها وسيادتها في المجتمع. بل إن النظام الرأسمالي طرح حلولاً متباينة لأزماته. فقد أنبت الفكر الاشتراكي العلمي الذي وجد حلولاً لأزمات الرأسمالية في تخطيها كنظام، ليحرر الإنسان من التشوهات التي ألصقت به عبر عصور الظلم والاستبداد، كما تقول الماركسية، وكما أفرز الفاشية التي تقدس العنف والقوة، وتخضع الفرد لطغيان الأمة، العرق والدولة، كمنظم للتاريخ والحياة. فقد كانت الفاشية أحد التعابير عن أزمة الرأسمالية في ذلك الحين، كما أن الليبرالية الجديدة تعبير عن أزمة الرأسمالية في مرحلتها المعولمة والأكثر احتكارية. فقد رفضت الفاشية الاتجاهات الفلسفية الأساسية للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر ورفعت شعار (لنؤمن، لنطيع، لنقاتل) في وجه شعارات (الحرية والمساواة والإخاء). ويبدو أن الفاشية تنهض من رمادها في هذا العصر. يقول موسوليني: الحرب وحدها توصل عطاءات الإنسان إلى أقصاها، لخوضها باسم النبالة. والفاشية تدخل الصراع اللاسلمي إلى حياة الأفراد، هي ثقافة من أجل القتال. والحرب مثل الأمومة للمرأة. أنا لا أؤمن بالسلام الأبدي وليس فقط لا أؤمن به ولكن أراه مثيراً للكآبة، وهو نفي لكل فضائل الإنسان. وفي ظل حكم المحافظين الجدد وبمبادىء الليبرالية الجديدة، يتم تجديد الفاشية بشكل ما. يقول بوش: أنا رئيس حرب اتخذ القرارات والحرب في ذهني إدارة الحرب والانتصار. ويؤمن بخرافة شعب الله المختار- الأنغلوساكسون البروتستانت البيض – العبرانيون الجدد، وحقهم في شن حروب وقائية استباقية لديمومة سيطرتهم. كما أن موقف الولايات المتحدة من قضايا الإنسان والمجتمعات في العالم الثالث لا تقل عن ممارسات الفاشية. تشكّل النقلة الفكرية من الكاينزية الى الليبرالية الجديدة حدثاً مهماً في تاريخ الرأسمالية وتطورها. بدأت أزمة النظام الرأسمالي العالمي، الذي قادته الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في أواسط الستينات من القرن الماضي. وظهرت أزمة النظام بعد إعادة بناء اقتصادات أوروبا الغربية واليابان بشكل خاص. فقد استطاعت هذه الدول، وخاصة المانيا، إعادة بناء قدراتها الإنتاجية، والصناعية بشكل خاص، وكذلك اليابان، بفعل سياسات حمائية لأسواقها السلعية والخدماتية، وفي ظل قيود على الأسواق المالية وحركة رؤوس الأموال. وبذلك استعادت هذه الدول قدراتها التنافسية في وجه الاقتصاد الأميركي، وفي ظل المظلة النووية الأميركية أيضاً، إبان سنوات الحرب الباردة مع المعسكر الأشتراكي. الشركات المجوَّفة يشير المؤلف الى العولمة كيف نقلت بعض الصناعات الى بلدان العالم الثالث سعياً وراء اليد العاملة الرخيصة، ولكن ذلك لم يسبب ارتفاع الأجور في هذه الدول، ولم ينتج عنه أي تراكم لرؤوس الأموال أو دفع للتنمية، بل ولّد الشركات المجوفة، أو الشركات ما بعد الصناعة، التي تركت الصناعة وراءها واختارت لنفسها مستقبلاً أكثر نظافة، يعتمد على معالجة المعلومات، الاتصالات، التسويق، والسمسرة. وهذه الشركات يمكنها أن تنتقل بسرعة مع متغيرات أذواق المستهلكين. ويذكر المؤلف كيف برزت شرعة حقوق الإنسان كقضية أخلاقية ذات قبول شامل، في النصف الثاني من القرن الماضي، وكانت نتيجة أحداث ونضالات تاريخية، أهمها نضالات الطبقة العاملة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ونتيجة الثورة البلشفية التي رفعت بديل الاشتراكية في وجه النظام الرأسمالي، ونتيجة الركود في أواخر العشرينات وآوائل الثلاثينات من القرن الماضي، ونتيجة ظهور وسقوط الفاشية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكذلك نتيجة ظهور حركات التحرر الوطني في دول العالم الثالث. تمّ القبول العالمي بمبادىء حقوق الإنسان في النصف الثاني من القرن العشرين. وتتزايد الاعتداءات والتجاوزات لحقوق الإنسان من قبل أكثر الدول تشدقاً بهذه الحقوق، وخاصة منذ ثمانينات القرن الماضي بعد وصول المحافظين الجدد إلى السلطة في بريطانيا وأميركا. يعرض المؤلف كيف يمكن تقسيم حقوق الإنسان إلى ثلاثة أجيال. الجيل الأول ويمثل الحقوق المدنية السياسية المرتبطة بأفكار الثورتين الفرنسية والأميركية، المتداخلة مع الفلسفات السياسية للفردية ومبادىء التجارة الحرة والتي تنظر إلى حقوق الإنسان من الناحية السلبية، أي الحرية بدل الحق، وتدعو الى امتناع الحكومات عن التدخل، في سعيها لتحقيق كرامة الإنسان وحريته. ركود فأزمات فحروب ومع بداية هذا القرن، بدأ العالم دخول مرحلة تاريخية شديدة الاضطراب والمخاطر. فقد كثرت الحروب ونمت الصراعات في مناطق عديدة من العالم، كما ازدادت الاغتيالات وعمليات الإرهاب، رغم كل الإنفاق العسكري لكبحه، والذي بلغ في سنة 2005 حوالي 191 ملياراً لمؤسسة HSRC الأميركية. ويعرض المؤلف كيف مرّ النظام الاقتصادي العالمي خلال القرن العشرين بمراحل متتالية من الازدهار والركود. نتيجة عوامل أهمها: تراكم كبير في رؤوس الأموال، وفي القدرات الإنتاجية التي لا تتلاءم مع نمو قدرات الاستهلاك، حيث يتخلف الطلب على العرض. ونتيجة ذلك تظهر المؤشرات الأساسية للأزمة، والمتمثلة بانخفاض مردود رؤوس الأموال، وارتفاع نسبة الطاقة الإنتاجية المعطلة، وتراكم الديون وارتقائها الى مستويات خطرة جداً، واتساع الفروقات الطبقية. وترتفع مع اعادة اقتسام القيمة المضافة لمصلحة رؤوس الأموال، وعلى حساب القوى العاملة. فمرحلة الركود الاقتصادي العالمي التي بدأت في 1901 أدت بعد 13 سنة الى الحرب العالمية الأولى. والأزمة الاقتصادية العالمية الثانية في القرن العشرين والتي بدأت في سنة 1929 أدت بعد 10 سنوات الى الحرب العالمية الثانية. أما أزمة 1965 التي بدأت بعد اتمام إعادة بناء اقتصادات أوروبا الغربية واليابان، وانخفاض القدرة التنافسية للولايات المتحدة وتسجيل عجوزات كبيرة في موازناتها الخارجية، فلم تنتج حرباً عالمية جديدة. فكان العالم في تلك الفترة من الركود الذي استمر حتى سنة 1982 يعيش مرحلة الحرب الباردة وتوازن الرعب في القطبين العالميين، ولكن الولايات المتحدة خاضت حروباً إقليمية عديدة، أهمها حرب فيتنام ذات الكلفة المادية والبشرية المرتفعة. وقد انعكست الليبرالية الجديدة على الأقطار العربية وشكل الوطن العربي بكامله هدفاً للإمبريالية الأميركية منذ الحرب العالمية الأولى. فقد سعت أميركا الى المشاركة في اقتسام المشرق العربي عند نهاية تلك الحرب، وارسلت بعثة كينغ كراين لهذا الهدف.وفي الكتاب دراسات كانت تفرض تكراراً محدوداً لبعض المفاهيم والأرقام، كما بعض التقنيات الاقتصادية. والاقتصاد هو في أساس السياسة، وقد بسّط المؤلف بعض المفاهيم الاقتصادية ليتمكن القارىء ربطها بالمتغيرات السياسية والاجتماعية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©