الثلاثاء 28 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أطباء جزائريون يتبعون أساليب «مشبوهة» لتحويل مرضى إلى عياداتهم الخاصة

أطباء جزائريون يتبعون أساليب «مشبوهة» لتحويل مرضى إلى عياداتهم الخاصة
6 فبراير 2011 20:55
شرعت وزارة الصحة الجزائرية منذ أسابيع في إجراء تحقيق ميداني “معمق” في ممارسات 150 عيادة خاصة في مختلف أنحاء البلاد، للتحقق من مدى التزامها ببنود “دفتر الشروط” الذي وقعت عليه مقابل منحها ترخيصاً بممارسة نشاطاتها الطبية الخاصة. لاسيما وأن الجزائريين كانوا يرون في العيادات الخاصة بديلاً ناجعاً يلجأون إليه ولاسيما بالنسبة لذوي المداخيل المتوسطة القادرين على الدفع.شكلت العيادات الجراحية الخاصة بديلاً للكثير من الجزائريين الذين سئموا تفشي الإهمال والتسيب في المستشفيات العامة، وطالما اشتكوا من ممارسات البيروقراطية والتنفير والمعاملات غير الإنسانية في المستشفيات، فضلاً عن ضعف الرعاية الصحية ولامبالاة الطاقم الطبي بمعاناتهم وآلامهم، غير أن تجاوزات رصدت في أداء بعضها دفعت وزارة الصحة إلى فتح تحقيق “معمق” للوقوف على حجمها وتاليا اتخاذ الإجراءات المناسبة في حق المخالفين. قال وزير الصحة جمال ولد عباس إن نتائج التحقيق ستُسلم له بعد أسابيع قليلة، وستتخذ في ضوئها القرارات المناسبة بحق العيادات التي ارتكبت تجاوزات، وقد تصل العقوبات إلى حدِّ الغلق كما حدث مؤخراً مع عيادتين خاصتين. وبدأت الشكاوى ضد هذه العيادات تتزايد في الســنوات الأخيرة بعد أن تبين أن هناك ممارسات “مشبوهة” يقوم بها أطباءٌ وممرضون ومختصون في التشخيص والتصوير الطبي بالمسـتشفيات، حيث اتِّهموا بـ”تحويل” المرضى من المسـتشفيات العامـة إلى عيادات خاصة يشتغلون فيها مقابل نسبة معينة من “الأرباح” يتقاضونها من تلك العيادات. واعترف وزير الصحة السابق السعيد بركات بقضية “تحويل المرضى” حينما استجوبه نوابٌ في البرلمان بشأنها، وأعلن غلق عيادتين خاصتين في عام 2008 بعد أن أثبتت التحقيقات تورُّطها. كما أوقف أطباء عامِّين تورطوا بدورهم في “تحويل” المرضى إلى عيادات يشتغلون فيها. إلى ذلك، قال البروفيسور محمد بركان، رئيس عمادة الأطباء الجزائريين، إن “هناك أطباء وعاملين في المستشفيات تواطأوا مع عيادات خاصة لتحويل المرضى إليها لإجراء عمليات جراحية”. وهو الأمر الذي يؤكده الياس مرابط، رئيس نقابة أسلاك الصحة العمومية بالجزائر، حيث قال إن “بعض الأطباء الجراحين يوجهون مرضاهم إلى عيادات خاصة يحددون عناوينها بدقة بغرض الخضوع لعمليات جراحية هناك، لأنهم يشتغلون فيها أيضاً أو شركاء مع مالكيها”. ويضيف مرابط أن الأمر لا يقتصر على الأطباء بل يشمل أيضاً المختصين في التصوير والأشعة وقطاعات طبية أخرى، وهؤلاء يتلقون أجوراً أعلى بكثير مما يتلقونه في المستشفيات العامة. حيل مختلفة يروي مواطنون جزائريون “حيلاً” عديدة عن كيفية “تحويل” المرضى من المستشفيات إلى العيادات الخاصة ومنها عبارة شهيرة يرددها أطباء ومختصون في التصوير والأشعة وهي أن جهاز “السكانير” أو أي جهاز آخر في التصوير الطبي “في حالة عطب” في المستشفى، ثم يُطلب من المريض التوجه إلى “العيادة الفلانية بالعنوان الفلاني” لأنها تتوفر على تجهيزات مماثلة، وهو ما يرهق ميزانيات ذوي الدخل المحدود منهم. في هذا السياق، قالت نصيرة بوزورين “اتجهتُ إلى مستشفى المدينة لإجراء فحوص ضرورية فطُلب مني التوجه إلى إحدى العيادات الخاصة القريبة منه لإجراء فحص بأشعة التصوير المقطعي لأن الجهاز في المستشفى معطل، وسعر الصورة لدى العيادات الخاصة لا يقل عن 10 آلاف دينار (130 دولاراً)، وأنا أرملة وأم لطفلين، فكيف يمكنني توفــير هذا المبلغ؟ وأخشـى أن يقرر الأطباء إخضاعي للجـراحة، وأن يرسـلوني إلى عيادة خاصة أيضاً وأنا لا أملك بما أعيل به طفليَّ”، معلقة “المفروض أن تتحلى المسـتشفيات بالإنسـانية وتكف عن الانتهازية ومصِّ دمائنا عبر إجبارنا على التوجه إلى العيادات الخاصة”. ويعتقد بعض المرضى أن هناك تخريباً متعمداً لبعض الأجهزة بالمستشفيات قصد تبرير تحويل المرضى، أما الأدهى من ذلك فهو الرقم المهول الذي كشف عنه وزير الصحة جمال ولد عباس منذ نحو شهر، حيث صرح بأن “أكثر من 10 آلاف جهاز طبي من بين 73 ألف جهاز، غير مستغل في المستشفيات العمومية وأن 5 آلاف جهاز آخر معطل تماماً”. مشاعر اليأس يشكو جزائريون من أنهم عادة ما يصطدمون بالصدّ والتنفير والتهميش في المستشفيات العامة قصد تنفيرهم وبث مشاعر اليأس في نفوسهم لدفعهم إلى العيادات الخاصة، كما يخبرهم القطاع الطبي هناك أنه يتوجب عليهم الخضوع لعمليات جراحية “معقدة” والمستشفيات تفتقر إلى الإمكانات اللازمة لإجرائها عكس ما هو موجود في العيادات الخاصة. ويستنجد هؤلاء بوزارة الصحة للتدخل العاجل ووضع حدٍّ لهذه الممارسات “المشبوهة” عبر التحقيق في عدة مسائل وفي مقدمتها “تحويل” المرضى، وعمل الكثير من أطباء وجراحي المستشفيات في العيادات الخاصة وتواطؤهم معها، وافتقار المستشفيات إلى التجهيزات والأدوية الضرورية وتوفرها في العيادات. ويطالب مرضى بإصلاح حال المستشفيات والحزم في تسييرها وضمان الخدمة الطبية العمومية لكل جزائري طبقا للدستور الذي ينص على أن العلاج المجاني حق للجميع، ومعاقبة كل من يلتفّ على هذا الحق بطرق وممارسات مشبوهة قصد تحقيق أرباح كبيرة على حساب ملايين الفقراء الذين يرهقهم العلاج في العيادات الخاصة التي من المفروض أن تكون موجّهة فقط للقادرين على الدفع مقابل خدماتها الراقية. وكان أطباء وعاملون في القطاعات الطبية دخلوا في إضرابات متتالية في السنوات الأخيرة قصد رفع أجورهم، وردد هؤلاء مراراً أن “تدني أجورهم يعد سبباً رئيساً في لجوء الكثير منهم إلى العمل الموازي في العيادات الخاصة”، مع أن قانون الصحة يمنع الجمع بينهما. إنذار وإغلاق تعترف وزارة الصحة بشرعية مطالب الأطباء، وقررت مؤخراً مضاعفتها لتتراوح بين 750 و200 ألف دينار جزائري (بين ألف إلى 2500 دولار)، بقصد حمل هؤلاء على البقاء في المستشفيات العامة وتوفير خدمات طبية أفضل للمرضى، ووضع حد لنزيف “هروبهم” إلى القطاع الطبي الخاص، وفي الوقت نفسه وعدت الوزارة بتقويم اعوجاج العيادات الخاصة بعد تسلم تقرير اللجنة الخاصة بالتحقيق في ممارساتها حيث سيتعرض عددٌ منها للإغلاق، وأخرى للإنذار مع منح مهلة لها لإصلاح أوضاعها وفي مقدمتها توظيف عمالة طبية بشكل دائم، والكف عن “التعاقد” مع الأطباء والقطاعات الصحية العاملة في المستشفيات للعمل الموازي لديها، لوضع حد لمسألة “تحويل” المرضى بطرق مشبوهة للعلاج فيها، لتبقى المسألة اختيارية حيث يذهب إليها فقط الذين يرغبون بتلقي خدمات صحية للقادرين على الدفع.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©