الجمعة 17 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«أيتام الامبراطورية»... ذكريات من يدفع ثمنها؟!

18 نوفمبر 2009 21:54
اعتذر رئيس الحكومة الأسترالية "كيفين رود" يوم الإثنين الماضي لمئات الآلاف من الأطفال الذين أسيئت معاملتهم وتعرضوا للإهمال من قبل مؤسسات الدولة بمن فيهم سبعة آلاف طفل بريطاني تم نقلهم إلى أستراليا بعد الحرب العالمية الثانية، فيما بات يعرف بـ"أيتام الإمبراطورية"، حيث تلقوا اعتذاراً رسمياً بعد عقود من مطالبتهم بالاعتراف؛ وعلى غرار باقي الاعتذارات السابقة التي تقدمت بها الحكومة رحب العديد من الضحايا بالخطوة الحكومية، فيما عبر آخرون عن رغبتهم في رؤية إجراءات عملية تساعدهم على تجاوز المعاناة التي عاشوها في الماضي. فقد اجتمع حوالي 900 من الأطفال المهاجرين الذين أرسلوا إلى أستراليا في مبنى البرلمان بالعاصمة "كامبيرا" لسماع رئيس الحكومة "كيفين رود" يعبر عن أسفه عما حدث قبل سنوات عديدة، حيث قال "لقد جئنا إلى هذا المكان لتقديم اعتذارنا، ولنقول لكم، للأستراليين المنسيين، ولهؤلاء الذين أُرسلوا إلى أرضنا وهم أطفال دون رضاهم وتعرضوا في الكثير من الأحيان لسوء المعاملة وأهدرت حقوقهم، نقول لهم نأسف على انتزاعهم من عائلاتهم ووضعهم في مؤسسات انتُهكت فيها حقوقهم، كما نأسف على المعاناة الجسدية، والحرمان النفسي، وافتقاد الحب والحنان والرعاية، لذا نأسف على المأساة التي لحقت بهم، وعلى الطفولة الضائعة". ومن بين الحاضرين ممن سمعوا الاعتذار، والذي جاء بعد اعتذار آخر تقدم به رئيس الوزراء في السنة الماضية إلى أطفال السكان الأصليين في أستراليا، "ميك سنيل"، الذي يحمل ذكريات تعيسة ترجع إلى الفترة التي أمضاها في مؤسسة تابعة لكنيسة بروتستانتية بسيدني. فقد وصل "سنيل" إلى أستراليا بموجب خطة صيغت بعد الحرب العالمية الثانية تهدف إلى إفراغ ملاجئ الأيتام البريطانية ونقل الأطفال إلى المستعمرة السابقة في أستراليا لملئها بالسكان البيض، وبالنسبة للأطفال الذي نُقلوا بين 1947 و1967 اعتقد العديد منهم أن آباءهم ماتوا وهو ما لم يكن صحيحاً في جميع الحالات، فقد أرغمت والدة "سنيل" غير المتزوجة على التخلي عن رضيعها، الأمر الذي ينطبق على العديد من الحالات فيما وضع الباقي في الملاجئ بسبب فقر العائلات وعجزها عن إعالة أبنائها. وبعد التحقيقات التي أجرتها لجان برلمانية متخصصة في العقود الأخيرة تبين أن هؤلاء الأطفال تعرضوا لانتهاكات جسدية وجنسية "على نطاق واسع وعلى نحو منهجي" في المؤسسات التي استضافتهم لدى وصولهم إلى أستراليا، لا سيما المؤسسات التي كانت تحت إشراف الهيئات الكاثوليكية مثل "الأخوة المسيحية" و"أخوات الرحمة"، بل إن العديد من هؤلاء الأطفال الذين هم اليوم في الستين، أو السبعين من عمرهم مازالوا يعيشون الذكريات الأليمة التي تستمر في التأثير على حياتهم. وبالنسبة للعديد من الضحايا يشكل الاعتذار الرسمي لرئيس الحكومة خطوة إلى الأمام، وهو ما عبر عنه "سنيل" بقوله "كل ما أريده من الدوائر الرسمية الاعتراف بالأخطاء والتجاوزات التي جرت، وأن يفهمني أبنائي على نحو جيد"، لكن بالنسبة للبعض الآخر جاءت الخطوة متأخرة مثل "جان كوستيلو" التي تقول: "أتساءل كيف يمكن لاعتذار أن يصحح الأخطاء التي ارتكبت في الماضي"، ولم تكن السيدة "كوستيلو" تتجاوز السابعة من عمرها عندما أُرسلت إلى ملجأ للأيتام بأستراليا، مضيفة أنها عندما غادرت بريطانيا اعتقدت أنها ستجد "بلداً تنط فيها الحيوانات في الشارع"، لتفاجأ بواقع مختلف تماماً إذا تتذكر "كوستيلو" أن الوضع كان "صعباً وكانت الأجواء فاترة وتعلمنا منذ الوهلة الأولى أنه من الأفضل الالتزام بالقواعد بدل التمرد عليها، كما أن الأخوات في المؤسسة لم يكن يترددن في إنزال العقوبات الجسدية". والحقيقة أن جبر الضرر الذي كان ينتظره الضحايا جاء بطيئاً ومتدرجاً، حيث اعتذرت العديد من الحكومات المحلية في الولايات التي تشكل أستراليا كل بطريقتها الخاصة، هذا ناهيك عن اعتذار الكنيسة الكاثوليكية، وفيما منحت بعض الولايات تعويضات مادية وخدمات استشارية للضحايا، اكتفى البعض الآخر بالاعتذار دون تقديم خدمات، هذا في الوقت الذي خصصت فيه الحكومتان البريطانية والأسترالية أموالا لمساعدة الأشخاص على السفر إلى بريطانيا لتعقب عائلاتهم والبحث عن جذورهم. وفي بعض الحالات اكتشف الضحايا الذين أرغموا وهم أطفال على مغادرة بريطانيا أن عائلاتهم بحثت عنهم لفترة طويلة دون جدوى إما لأن أسماءهم تغيرت عندما وصلوا إلى أستراليا، أو لأن السلطات البريطانية أخبرت الآباء بأن أبناءهم توفوا، أو فقدوا. غير أنه من جهة أخرى تُظهر السجلات التاريخية أن عملية إرسال أطفال الملاجئ من بريطانيا إلى أستراليا كانت تحركها دوافع إنسانية، فقد اعتقدت السلطات البريطانية أن الأطفال سيعيشون في ظروف أفضل مما لو ظلوا في الملاجئ البريطانية التي تعاني من صعوبات مادية هذا في الوقت الذي كانت فيه أستراليا تسعى إلى إعادة إعمار البلاد وتوطين السكان بعد الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدتها خلال الحرب العالمية الثانية، وكان من السهل استضافة الأطفال وتهيئتهم ليصبحوا مصدراً جاهزاً للعمل، وهو ما دفعها للترحيب بالأطفال البيض في ظل الخوف المتنامي من اكتساح المهاجرين الآسيويين لأستراليا. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
المصدر: سيدني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©