السبت 18 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التجسس الروسي: توتير للعلاقات مع أميركا

التجسس الروسي: توتير للعلاقات مع أميركا
2 يوليو 2010 21:40
تبذل موسكو وواشنطن جهوداً حثيثة من أجل تلافي نسف سياسة الرئيس أوباما لـ"فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية" – سياسة توصف كأعظم إنجاز دبلوماسي له – ولكن يبدو أن هذه السياسة قد تعرضت لضربات بعد أن أوقفت وزارة العدل 10 من الجواسيس الروس الـ11 المفترضين هذا الأسبوع. ويشير اكتشاف شبكة التجسس إلى أن القيادة الروسية مازالت تعيش في الماضي نظراً لأن الولايات المتحدة مازالت تمثل بالنسبة لها هدفا استخباراتياً، وليس شريكاً. ولئن لم يتم توجيه تهمة التجسس إلى هؤلاء الأفراد الموقوفين بعد، إلا أنهم كانوا يمشون كالجواسيس ويتحدثون كالجواسيس – وبالتالي فلا بد أنهم جواسيس، أليس كذلك؟ وعلى ما يبدو، فإن لدى "مكتب التحقيقات الفيدرالي" أشرطة فيديو تثبت ذلك؛ غير أن هؤلاء الأفراد لم يكونوا من المشتبه فيهم المعتادين الذين يتخفون تحت غطاء دبلوماسي، فيحاولون تجنيد أميركيين في الحفلات التي يقيمها الدبلوماسيون؛ بل يبدو أن الأشخاص العشرة جواسيس متخفون ينشطون منذ فترة طويلة. والجدير بالذكر هنا أن الاعتقالات أتت بعد فترة قصيرة على "قمة سندويتش الجبن" التي جمعت أوباما وميدفيديف الأسبوع الماضي في واشنطن. وعلى الرغم من أن البيت الأبيض ووزارة الخارجية أعلنا أن العلاقات مع روسيا لن تتأثر بهذه الاعتقالات، فإن التقليل من شأن التجسس خطأ: لأنه إذا لم يتم رفضه وزجره، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من التجسس – خاصة وأن روسيا تنحي باللائمة على الولايات المتحدة، بدلاً من أن تعتذر لها؛ حيث انتقد خبراء موسكو ووزارة الخارجية والسياسيون الاعتقالات، وقال رئيس الوزراء فلاديمير بوتين، وهو نفسه ضابط استخبارات سابق، إنه يأمل "ألا تتضرر كل المكتسبات الإيجابية التي تم تحقيقها قي علاقتنا بسبب الحادث الذي وقع مؤخرا". ولكن هذه الانتقادات في غير محلها تماماً. الاختراق طويل المدى بدأ في التسعينيات عندما كانت روسيا تستفيد من عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات الأميركية والغربية. واليوم يمكن أن يحبط التجسس – عدم القبض على الجواسيس الأجانب - سياسة أوباما لـ"فتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية". وعلاوة على ذلك، فإن هذا الإخفاق يثير السؤال حول ما إن كانت الاستخبارات الروسية تُضعف حكامها. ولكن أن تكون روسيا مستمرة في التجسس على الولايات المتحدة، مثلما تفعل دول أخرى تَعتبر أميركا تهديداً، فذاك أمر غير مفاجئ. ففي 2007، أُعلن على نطاق واسع أن عمليات التجسس الروسية (والصينية) في الولايات المتحدة قد "عادت إلى مستويات الحرب الباردة". وحسب جون نيجروبونتي، مدير الاستخبارات الوطنية حينئذ، في تقرير 2007 السنوي حول التهديدات المحدقة بالولايات المتحدة، فإن الصين وروسيا تعدان "من بين أكثر الدول نشاطا في جمع (المعلومات الاستخباراتية) حول الأهداف الأميركية الحساسة والمحمية". كما يبرز تقرير 2010 استمرار جهود روسيا في هذا المجال. ولكن للأسف، وفي ظل هيمنة الشرق الأوسط وأفغانستان- باكستان على الأجندة الاستخباراتية، فإن عمليات جميع المعلومات الاستخباراتية الأميركية حول روسيا والصين تراجعت. وحسب الشكوى التي رفعتها وزارة العدل في إطار الاعتقالات التي تمت هذا الأسبوع، فإن وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية، استعملت أساليب حديثة وقديمة. بل إن بعضها يبدو محاكاة لرواية تجسس قديمة حيث شملت تلك الأساليب تبادل الرسائل وغيرها في أماكن متفق عليها، ووسائل اتصال مشفرة، وحفظ معلومات مشفرة في مواقع إنترنت، وكلمات سر لدخول مواقع إنترنت تتألف من 27 حرفاً، وبعض الحواسيب المحمولة المعدلة. ولكن من سوء حظ العملاء أن حواسيبهم كانت تتعطل في مرات كثيرة. وقد تم تعقب العملاء الروس بسهولة من قبل جهاز محاربة التجسس التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي، وإن كان مدربوهم فشلوا في ملاحظة ذلك. وهو ما دفع بعض المخضرمين في أجهزة الاستخبارات إلى الذهاب إلى أن الشبكة ربما يكون هدفها التمويه من أجل حجب عملية تجسس أكبر وأكثر تعقيداً في الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، قال "أوليج جورديفسكي"، الرئيس السابق لمكتب "كي. جي. بي" في لندن، والذي فر إبان الحرب الباردة، إن روسيا يمكن أن يكون لديها ما قد يصل إلى 50 زوجاً من العملاء المتخفين الذين يتجسسون داخل الولايات المتحدة. الواقع أن العملية تندرج ضمن جهود بدأت قبل عشر سنوات وتروم استغلال ضعف مجتمع منفتح؛ غير أنه يبدو أن الروس استعملوا الكثير من أساليب القرن العشرين في أميركا القرن الحادي والعشرين. فخلافا للثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات، فإن موسكو اليوم لا تشكل قطب جذب إيديولوجي؛ و"ماركة" روسيا ماتت. كما يشير التلاسن بين العملاء ورؤسائهم حول النفقات، ومن ذلك دين عقاري في ضواحي نيوجيرسي، إلى أن جيوب المركز ليست عميقة مثلما قد توحي بذلك ثروة روسيا النفطية الجديدة. ومن غير الواضح أيضاً لماذا تسامحت موسكو مع شبكة يبدو أنها لم تكن تنتج الكثير؛ غير أن خبيراً بارزاً في الشؤون السياسية الروسية قال لي إن "الرؤساء" يثمنون المعلومات التي يجمعها العملاء أكثر بكثير مما يمكن أن يتم الحصول عليه من قبل محللين مدنيين متطورين يقرأون الصحف أو يتحدثون مع زملاء أو يذهبون إلى مؤتمرات. وهو ما يعكس ترسخا وتجذرا للهاجس الاستخباراتي حتى بعد زوال الاتحاد السوفييتي. إن كشف شبكة التجسس في أميركا يشير إلى أن القيادة الروسية الحالية مازالت تعيش في الماضي ومازالت تنظر إلى أميركا بخوف وتوجس، وذلك لأن موسكو مازالت تنظر إلى الولايات المتحدة كهدف استخباراتي، وليس كـ"شريك"، مثلما تقول إدارة أوباما. وعلى البيت الأبيض أن يدرك ذلك. والأكيد أن الأمر سيتطلب أكثر من سندويتش جبن وبطاطس مقلية و"كيتشب" لتغيير ذلك. آرييل كوهين باحث متخصص في الدراسات الروسية بمؤسسة "هيريتدج فاونديشن" ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©