السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكلمة الطيبة والترجمة

الكلمة الطيبة والترجمة
1 أكتوبر 2008 22:04
تعد الكلمة عنصرا أساسيا في النص، ولذا فإن المبدع يسعى جاهدا إلى أن يخرجها من ليلها العتيق وجذورها الراسخة ليدخلها في تركيب جديد خاص به· ومثل هذه الرؤية لا تفسر الإبداع فحسب، وإنما تفسر علاقاتنا بالآخر، لأننا عن طريق الكلمة نشيد جسورا من المحبة والألفة والتفاهم· إن تقاليد الثقافة العربية تقوم على الاحتفاء بالكلمة احتفاء كبيرا، هذا يظهر على سبيل المثال في واحد من المشاريع الثقافية الكبرى لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أقصد مشروع ''كلمة'' للترجمة· ويطرح هنا سؤال: لماذا تصبح الكلمة تحديدا عنوانا لمشروع أبوظبي الرائد للترجمة؟ تتجلى الإجابة عن هذا السؤال ببساطة في أن الكلمة لها تقدير خاص عند العرب منذ الأزل، وهي ترتبط بالآخر ارتباطا كبيرا، هذا ما يفسر لنا لماذا توصف الكلمة بأنها طيبة، وتشبّه في الوقت نفسه بالشجرة التي فرعها في السماء وجذورها في الأرض· وأميل كثيرا إلى أن أتخيل هذا الوصف على أساس أنه يجمع بين الأصالة المعاصرة، فالجذور تذكر بالأصالة والفرع بالمعاصرة، ولا يمكن أن تحلق الكلمة بدون هذين الجناحين، ولا يمكن أن يكون لها معنى جديدا· إن اختيار لفظ كلمة ليقدم مشروعا كبيرا للترجمة لا يعني ادعاء التواضع أبدا، وإنما يعني أن كلمة واحدة قادرة على النهوض بفكرة حضارية كبيرة· وتصبح لذلك علاقتنا بالآخرين مرهونة بالكلمة، فالكلمة الطيبة مفتاح للدخول إلى عالم الآخر واكتشافه والتفاعل معه، وهي قادرة أيضا على أن تدعو الآخر إلى أن يلتحق بثقافتنا، ولذا توصف بالطيبة، والسياسيون أشد معرفة منا بفداحة الكلمة، وبها يمكن بناء عالم بأكمله أو العكس· بهذا المعنى، فإن الكلمة ليست ضعيفة، لأنها مسؤولة عن قيام الشعر في الشعر ونقل الذات إلى الآخر أو العكس وبناء عالم أو تهديمه، وعبقرية اللغة العربية قد أدركت هذا المعنى· ويمكن فهم ذلك عن طريق الجذر الثلاثي لكلمة ''كلم''، وإذا ما قمنا بتغيير ترتيب الحروف وتقديمها وتأخيرها سنصل إلى كلمات تلخص لنا ما ذكرناه سابقا، فـ ''كمل من الكمال'' و''لكم من القوة '' و''كلم من الكلام والجرح'' وبهذا المعنى فإن من يمتلك الكلمة لابد وأن يكون قويا لأنه يسعى إلى الكمال، ومن يكن قويا لابد أن يلكم ويجرح، ولذا كانت الدعوة إلى الكلمة الطيبة لمزيد من التفاعل الخلاق الذي يقوم على الاحترام المتبادل
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©