الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كبير الشياطين

كبير الشياطين
13 يوليو 2012
أحمد محمد (القاهرة) - “عواد”، رجل شرير حتى النخاع، ومنذ نعومة أظفاره كان طفلاً فظاً وشاباً غليظاً، لا يريد أحداً أن يقترب منه، فهو لا يحب إلا نفسه، والغاية عنده تبرر الوسيلة، فلم يجد من يقبل صداقته أو يصاحبه في أي طريق، ودائماً يثير المشكلات، ويختلق الأزمات حتى أن كثيرين كانوا يبتسمون له خشية أذاه، ويضحكون أمامه وهم كارهون. اتجه مبكراً إلى تجارة المنكرات من الخمور والسموم والمخدرات، بعد أن كان يتعاطاها، وكي يستطيع الإنفاق عليها اتجه إلى الاتجار فيها لأنها تحتاج إلى مبالغ كبيرة. استطاع أن يكون ثروة من الحرام، وبنى بيتاً من طوابق عدة، وتزوج ثلاث نساء بقين على ذمته منذ سنوات عدة، واستطاع بشدته معهن أن يجبرهن على الوفاق، وإلا فمن لا تقبل منهن، فالطلاق في انتظارها، ولن تنال حقوقها حتى عندما فكر في الزواج بالرابعة، وكانت فتاة شابة أصغر من كل زوجاته لم تجرؤ واحدة منهن على الاعتراض ولا إبداء الرأي، فليس لهن إلا السمع والطاعة والتأمين على ما يقول مع أنهن جميعاً يرفضن تصرفاته، والغريب أنهن لسن نادمات على الزواج منه، كل واحدة منهن كانت تطمح إلى أن تفوز به وحدها، وهن لسن أحسن حالاً منه، وقد تعرف إليهن في ظروف متشابهة عن طريق آبائهن تجار المخدرات أمثاله. الرجل يبتدع من الحيل ووسائل الترويج والتهريب ما يعجز عنه كبير الشياطين، فتارة يهرب المخدرات في حفل عرس وزفة وهمية، وتارة في موكب جنائزي بلا ميت، وبعد أن وصلت أخبار تلك الحيل والأساليب إلى رجال المباحث كان يستخدم زوجاته ثم أطفاله في تجارته، لأنه يعلم أن هؤلاء وأولئك بعيدون عن أعين الشرطة أو على الأقل ليسوا في موضع الشك، ونجحت أفكاره كلها، لكن لم يرد أن يتوقف عند هذا الحد، وجاءته أيضاً فكرة جديدة مبتكرة، فقد استخدم بعض صبيانه في استغلال موقف زبائنه الذين يشترون المخدرات منه، بعدما يقوم الواحد منهم بالشراء، يتبعه الغلمان، ويضربونه علقة ساخنة، ويسرقون أمواله، ويعيدون المخدرات إلى مكانها، ومن الطبيعي ألا يبلغ هؤلاء الضحايا لأنهم في موقف مؤسف ومخزٍ وخاطئ وغير قانوني، وكانت تلك نقاط الضعف عندهم، والتي ركز عليها عواد، ونجح في الاستفادة من ورائها بأموال ضحاياه المخدوعين الذين لا يعرفون أنه وراء ذلك الفخ، فيعودون إليه مرة أخرى. من الزبائن تاجر كبير للأجهزة الكهربائية يربح مبالغ طائلة كل يوم، ولكنه مصاب بداء إدمان المخدرات، ومنذ سنوات، وهو يتعامل مع عواد، ويثق بحفاظه على السرية التامة في علاقتهما المشبوهة، ويحرص على أن يتردد عليه بنفسه كي لا ينكشف سره، ويجري معه اتصالاً هاتفياً مسبقاً ليعد له مطلبه ويدسه بين أصابعه وينطلق، وهذه المرة فعل كما يفعل كل مرة وحصل على المخدرات وعاد راجعاً إلى بيته، لكنه في الطريق فوجئ بثلاثة من الشباب يستوقفونه بسيارته الفاخرة الحديثة ويجبرونه على النزول، واستولوا عليها، وعلى هاتفه المحمول، وكل ما معه من أموال، وجن جنونه، وهو يتعرض لهذا الموقف للمرة الأولى في حياته، وزاد من غيظه أنه تعرَّف على أحدهم، فهو أحد الصبية الذين يعملون لدى عواد. على الرغم من أنها فضيحة وفعل مشين، لكن لم يستطع التاجر أن يسكت على هذه المذلة والهوان والدم يغلي في عروقه، وفكر كثيراً كيف ينتقم لكرامته التي أهدرت، لكنه وجد في النهاية أن الأمر ليس سهلاً، وقد يتحوَّل إلى مجزرة، وهو في النهاية ليس في مستوى إجرامه، ولا يريد أن يدخل السجن، وقرر بعد روية وتعقل أن يحرر محضراً في الشرطة ضده مكتفياً بقيام السلطات باتخاذ إجراءاتها، وإن كان لا يشفي غليله إلا أن يرد له الصاع صاعين واللطمة لطمتين، استجمع جرأته واعترف في المحضر بتفاصيل ما حدث، لكن لا يوجد أي دليل يدين عواد ولا رجاله فلم يتم القبض عليه، وإن كان تم وضعه تحت المراقبة. تأكد الآن بما لا يدع مجالاً للشك أنه مطلوب للعدالة وتحت نظر رجال مكافحة المخدرات، فقرر أن يتوقف عن نشاطه لأشهر عدة إلى أن تهدأ الأمور، ثم يعود مثلما كان في السابق، وهو لا يعدم حيلة في التنكر والتخفي والمراوغة حتى أُطلق عليه لقب الثعلب المكار، وسماه آخرون الرجل الزئبق الذي لا يمكن الإمساك به، بينما كان رجال الشرطة يعدون له الأكمنة للإيقاع به متلبساً بحيازة المخدرات، بعد أن وصلت اليهم كل أخباره وألاعيبه وأصبحت كلها مكشوفة، لكنه لا يعتزم التوبة، وأيضاً لا يخاف أن يلقى القبض عليه أو بالأحرى هو مغرور بقدرته على التخفي والمراوغة، ويعتمد على أنه لا يفعل شيئاً بنفسه، ويتجنب حيازة المخدرات أو الاحتفاظ بها في داره. عقد مؤخراً صفقة مع أحد التجار المتعاملين معه منذ سنوات طويلة وبينهما علاقات وتعاملات منذ عملا في هذا المجال الممنوع، وأمده الرجل بالمال اللازم لمساعدته عن فترة التوقف لأشهر عدة في الفترة الماضية بسبب المشاكل التي تعرض لها، وإن كان أمثال هؤلاء لا يثقون أصلاً ببعضهم بعضاً، ولا يعترفون إلا بالتسليم والتسلم الفوري في اللحظة نفسها، لكن هذا الرجل تخلى عن الحذر وأصول “المهنة”، وخرج عن المألوف، وتمت الصفقة وتولى عواد ترتيبها والتصرف فيها، لكن سوَّلت له نفسه أن يستولي عليها لكي يعوض خسائر التعطل عن العمل في الفترة الماضية، وأيضاً طمعاً في ربحها الكبير، وهو يعرف أن الآخر قد يسكت خوفاً منه ولن يعاتبه في الموضوع، وسيمر الموقف بشكل عادي، خاصة عندما يعده بأنه سيعوضها له في المرة المقبلة. لم تكن حسابات عواد صحيحة بالمرة، فشريكه ليس سهلاً، وبلغ به الغضب مبلغه، لأنه اعتبر أن ما حدث استهانة به، وخداعاً له، واستيلاء على أمواله، رغم أنفه ولا يجوز أن يرد له الجميل بهذا الشكل غير المقبول، وتوعده بالحصول على حقه، لكنه لم يقرر بعد ماذا يفعل وكيف يردها له بمثلها، والمؤكد أنه اعتزم ذلك، ويتحين الفرصة، والمهم أنه أعلن موقفه صراحة، وأسر به لمن يمكن أن يوصله إليه حتى يكون هُناك مجال للحصول على حقه، ولا مانع من التفاهم. علم عواد أن صاحبه غاضب منه، وهو على حق، لكن لا يعترف به، ويرى أن الحياة فرص، ولابد من استغلالها، لأنها لن تعود، واعتمد أيضاً على رجاله وقوته وما أشاعه في المنطقة وما بثه من رعب في النفوس حتى لا يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه أو مجرد التفكير في الإبلاغ عنه، وكان لممارساته نتائجها السلبية، فقد انتحى الجميع جانباً وآثروا السلامة خشية أذاه، وعلى الرغم من اعترافه بفضل شريكه عليه توجه إليه في داره ليحاول تبرير فعلته، لا ليسترضيه، ومع أنه مخطئ، لم يأت للاعتذار وإنما اعتبر المسألة عادية، ومن حقه أن يفعل ما يريد، فهو كبير التجار لهجته المستعلية لم تعجب الرجل الذي يرى نفسه نداً له، فطالبه بحقه كاملاً في رأس المال والأرباح، ولا سبيل للحديث إلا عن ذلك، لكن عواد لا يريد أن يفرط في سنت واحد مما حصل عليه سحتاً وحراماً مثل بقية أمواله كلها، فأصبح الطريق مسدوداً في التفاهم بينهما. اشتدت نبرة الحوار وارتفعت الأصوات التي كانت تهمس بالكلام، وتحوَّل إلى سباب وشتائم وتهديد ووعيد من كليهما، أعلنا الحرب وحمي الوطيس، تجمع الجيران، لكنهم عندما علموا بأن الخلاف بين هذين الرجلين أغلقوا بيوتهم، وهم يتمنون أن يتخلصوا منهما ومن شرورهما في لحظة واحدة، وبعد دقائق معدودة سكتت الأصوات، ولم يعد أحد يسمع شيئاً، وساد الهدوء من دون أن يعرف أحد على أي حال انتهى بهما الأمر، لكن المؤكد أنهما على خلاف شديد. شعر عواد أن كرامته قد جرحت، وأن شريكه تطاول وخرج عن حده معه، ولا يجوز لأحد أن يفعل ذلك مهما كان، فقرر الانتقام، ولا بديل عنه مهما كانت العواقب، فهذا نذير شؤم أن يأتي اليوم الذي يجد فيه من يحدثه بصوت عالٍ، ويرد عليه الكلام. في الليلة التالية مباشرة تسلل بعد أن حل الظلام تماماً، واعتلى حائط دار الرجل، وقام بذبحه، وعندما خرجت زوجته ورأته، وهو يحاول الهرب، ذبحها هي الأخرى، وألقى بجثتها بجواره خشية الإبلاغ عنه، فهو وإن كان يفعل ذلك مع أهل المنطقة والناس، ففي الوقت نفسه لن يتحدى البوليس ويعرف أنه لا قبل له به ويخاف أيضاً أن يقع في الفخ وتكون نهايته. ولأن الجميع يعلمون بما حدث فسوف تتجه إليه أصابع الاتهام مباشرة، فقام بسكب الكيروسين وإشعال النار في الدار والجثتين لإخفاء معالم الجريمة وحتى لا تحوم حوله الشبهات ويبدو الحادث قضاء وقدراً، لكن كل تلك الألاعيب لم تنجح وفشلت الاحتياطات، وتم اكتشافها جميعاً، ولم يشعر إلا وهو مقيد اليدين بالقيود الحديدية، ولم يصدق أنه سقط، وأخيراً ضرب رأسه بالحائط تعبيراً عن الغيظ والكمد، وساقوه إلى الزنزانة التي قد لا يخرج منها مرة ثانية إلاّ إلى حبل المشنقة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©