الأربعاء 22 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تونس: صِدام حرية التديُّن وحرية التعبير!

تونس: صِدام حرية التديُّن وحرية التعبير!
28 أغسطس 2012
قبل ثورة العام الماضي، كانت الشرطة تأتي إلى مكتبة "ميل فوي" (ومعناها "ألف ورقة") في هذه الضاحية الراقية لتونس العاصمة بقصد البحث عن كتب قد تعتبر منحرفة سياسياً، بعض الشيء. ولكن منذ ذلك التاريخ، أخذت المكتبة تجتذب إليها نوعاً مختلفاً من عمليات البحث والتفتيش. ففي ديسمبر الماضي، دخل رجل غريب المكتبة وخاطب مالكها لطفي الحافي قائلاً: "لديك كتب غير لائقة"، مشيراً إلى غلاف "فام أو بان" (نساء في الحمام)، وهو كتاب حول صور استحمام النساء في الفن الأوروبي، مضيفاً: "لقد أُرسلتُ لأحذرك". وفي اليوم التالي عاد برفقة رجل ثانٍ وهدد بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يتم سحب الكتاب دون تأخير. "إنهم سلفيون"، يقول الحافي. غير أن نسخ كتاب "نساء في الحمام" بيعت بسرعة ولم يحدث أي شيء مما تم التهديد به، ولكن الحادث يبرز صراع تونس الراهن من أجل تحقيق توازن بن مكتسبين من مكتسبات الثورة يبدو أن أحدهما يكمل الآخر ولكنهما كثيراً ما يتصادمان في الواقع: حرية التعبير وحرية ممارسة الدين. والأكيد أن النقاش هو الذي سيحدد في الأخير مساحة حرية التعبير في بلد لطالما كان يعتبر من بين أكثر البلدان خضوعاً للرقابة في العالم. نقاش ألقى الضوء بشكل خاص على إسلاميي حزب "النهضة" المعتدلين الذين يقولون إن الإسلام لا يتعارض مع انفتاح المجتمع. وهذا الحزب يقود الآن حكومة ائتلافية إلى جانب حزبين يميلان إلى اليسار، ويقول إن هدفه هو تشجيع القيم الإسلامية بدون فرضها. غير أنه يدفع في اتجاه تجريم الإساءة إلى الأديان السماوية. ويقول حزب "النهضة" أيضاً إن هذه الخطوة تهدف إلى ردع الأعمال التي من شأنها إثارة العنف -يذكر هنا أن تونس عانت من عدد من موجات الشغب منذ العام الماضي على خلفية مسائل تتعلق بالإساءة إلى الدين. وبعض التونسيين يعتقدون أن ذلك معقول ومنطقي، ولكن آخرين يخشون من أن وضع حدود لحرية التعبير -كيفما كانت النية من ورائه- يعتبر خطوة نحو القمع. فتحت حكم نظام بن علي، كان القمع شاملاً تقريباً، حيث كان الإعلام والإنترنت يخضعان لسيطرة شديدة، وكان المعارضون بمختلف مشاربهم وانتماءاتهم يتعرضون للتحرش والسجن والتعذيب ويُدفعون إلى المنافي. وكان المسلمون المتدينون يعانون بشكل خاص حيث كان الحجاب الإسلامي محظوراً. ولكن مع سقوط نظام بن علي في يناير 2011 حدث انفجار في خطاب الجمهور، وتحول شارع الحبيب بورقيبة في وسط تونس العاصمة إلى ساحة للمسيرات والخطابات المرتجلة. ثم سرعان ما أخذ السلفيون، الذين لطالموا عانوا من القمع تحت حكم بن علي، ينظمون التجمعات والمسيرات المطالبة بإقامة دولة إسلامية. وفي يوليو 2011، دخل عشرات الرجال إلى إحدى قاعات السينما في تونس العاصمة، وهاجموا مشاهدي فيلم "علمانية، إن شاء الله" للمخرجة نادية الفاني. وفي أكتوبر الماضي، اندلعت أيضاً أعمال شغب بعد أن قامت محطة تلفزيونية في تونس العاصمة ببث فيلم الرسوم المتحركة "بيرسيبوليس". ووصف المحتجون كلا الفيلمين بأنهما مسيئان إلى الدين. وفي يونيو الماضي، قام سلفيون كذلك بتفتيش معرض فني في قصر العبدلية في المرسى قالوا إنه يسيء إلى الإسلام، مما أثار أياماً من الشغب عبر البلاد تم خلالها إحراق أو تمزيق عدد من الأعمال الفنية، ومن بينها "مخلوقات إلهية" للرسام التونسي هنري دوكولي، وهي عبارة عن لوحة فنية لوجوه بشرية من بينها امرأة عارية. ويحتفظ الحافي بهذه اللوحة الآن في ركن خفي داخل مكتبته، التي تقام فيها معارض فنية أيضاً. وشملت أعمال فنية أخرى، لم تقدم لمعرض الحافي، صورة كرتونية لإسلامي ملتح وعبارة "سبحان الله" -مكتوبة بسلسلة من النمل. وعلى رغم أن الحافي يقف هو أيضاً ضد الإساءة إلى الدين، إلا أنه يعارض القوانين التي تكبح حرية التعبير، إذ يجادل بأن ما قد يعتبره شخص ما إساءة للدين يمثل فناً في نظر شخص آخر؛ ويقول في هذا الصدد: "إن المقدس يمكن أن يكون أشياء كثيرة"، مشدداً على أنه "لم يكن ثمة شيء ضد الدين أو المقدس في قصر العبدلي؛ وما حدث كان تكفيرية لا أكثر". وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول سعيد فرجاني، عضو المكتب السياسي لحزب "النهضة"، إن مثل هذه الحوادث المزعزعة للاستقرار هي التي جعلت الحزب يدفع في اتجاه سن قانون يحظر الإساءة إلى الدين. ويقول فرجاني في هذا الصدد: "إننا لم نكن نرغب في اللجوء إلى الدعوة إلى تشريع، ولكن عندما يكون ثمة شيء مستفز للجمهور، فإنه يمس صميم الاستقرار والأمن القومي". وهذا الشهر، اقترح حزب "النهضة" مشروع قانون ينص على عقوبات سجنية ضد الإساءة إلى الذات الإلهية، والرسول (صلى الله عليه وسلم)، والرسل والكتب المقدسة وأماكن العبادة الخاصة بالأديان السماوية. ويرغب الحزب في أن يتضمن الدستور الجديد للبلاد لغة مماثلة حيث يرى فرجاني أن مثل هذا التشريع من شأنه أن يحسّن القوانين الحالية، مثل القانون ضد "الإساءة للأخلاق العامة" ، الذي تتسبب لغته الفضفاضة في الشطط وإساءة الاستعمال. ولذلك، فإن حزب "النهضة" يرغب في أن توافق الجمعية الوطنية على تحديد معايير محددة لما يشكل "إساءة للمقدسات". وهذا الأمر يبدو شيئاً معقولاً بالنسبة لمحمد محرز، وهو شاب عمل لست سنوات في كشك للصحف في شارع الحبيب بورقيبة. وفي هذا الإطار، يقول محمد، الذي كانت تزوره شرطة بن علي بانتظام في الماضي، على غرار الحافي: "حتى يعمل البلد وتنجح الديمقراطية، نحن في حاجة إلى الاستقرار". غير أن المنتقدين يقولون إن الإجراءات الرامية إلى حظر الإساءة للدين سينتهي بها الأمر في النهاية إلى استهداف الأشخاص الخطأ. وفي هذا السياق، تقول الفاني، المخرجة التي استهدف عرض فيلمها هجوم السلفيين العام الماضي: "ليس هناك ما هو أكثر استفزازاً من التحريض على الكراهية"، مضيفة "ثم متى كانت الصور التي تعرض على الشاشة تضر بأي شخص؟". والواقع أن الكثير يتوقف على الجمعية الوطنية التونسية، التي تقوم حالياً بكتابة دستور جديد للبلاد. يشار في هذا الإطار إلى أن مسودة تم تداولها هذا الأسبوع احتوت على كل من المادة 3,2، التي تنص صراحة على تجريم "الإساءة إلى المقدس"، والمادة 26,2، التي تكفل "حرية الرأي والتعبير والإعلام والإبداع" وتشير إلى القيود القانونية على الإعلام "لحماية حقوق وسمعة وأمن وصحة الآخرين" باعتبارها الحدود الوحيدة الممكنة. غير أن هذا، بالإضافة إلى تناقضات أخرى، يجب معالجتها خلال الأشهر القادمة، كما تقول سلمى بكار، نائبة رئيس لجنة إعداد مسودة الحقوق والحريات، التي تعارض الحد من حرية التعبير. وتقول بكار: "لقد أمضينا خمسة أيام في مناقشة المادة 26,2 فقط". وبالتالي، فإن التوصل إلى خلاصة "سيستغرق وقتاً طويلاً، على الأرجح". جون ثورن المرسى - تونس العاصمة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©