الثلاثاء 21 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«استنكروا».. ليس بحجم الكتاب يحدث الأثر

«استنكروا».. ليس بحجم الكتاب يحدث الأثر
22 ديسمبر 2010 20:12
“استنكروا” INDIGNEZ VOUS، هو عنوان كتاب لا يتجاوز عدد صفحاته الـ 23 صفحة، ولكنّه ورغم صغر حجمه يتصدر هذه الايام كلّ مبيعات الكتب. وقد أثار جدلاً لم يثره أيّ كتاب آخر صدر معه في نفس الفترة. والمؤلف رجل في الثالثة والتسعين من عمره، يوصف بأنّه رجل حكيم، له وقاره وتاريخه. وقد بقي يعمل طول حياته في السلك الدبلوماسي حتّى عام 1985 وهو العام الذي تقاعد فيه. وشغل منصب سفير لفرنسا لدى الأمم المتّحدة، والجزائر وسويسرا وفيتنام. وهو يدعو في كتابه إلى ضرورة عودة فرنسا في سياستها الدّاخليّة والخارجيّة إلى قيم العدل والحق وأن تبتعد على العنصريّة والظّلم والتّسلّط وخدمة مصالح الأغنياء على حساب ضعاف الحال. والمؤلف ستيفان هاسل Stephane Hessel هو من جيل الفرنسيين الّذين قاوموا النازيّة وناضلوا من أجل تحرير فرنسا من الغزو الألماني النازي. ولد ببرلين من أبوين ألمانيين وأبوه يهوديّا، وأصبح ستيفان فرنسيّا عام 1937، وانضمّ إلى صفوف المقاومة وتمّ إلقاء القبض عليه من الألمان وسجنوه وعذّبوه. انّ اهمّ ما يلفت الانتباه في هذا الكتاب هو الموقف العادل لهذا السياسيّ إلى جانب الحق الفلسطيني، فلقد خصّص صفحتين اثنتين فقط في كتابه للحديث عن فلسطين معلّقا على الحرب على غزّة مذكّرا بالتّقرير الّذي أعدّه ريتشارد غولدستون القاضي بجنوب إفريقيا. يقول المؤلّف: “إنّي أوافق القاضي على النّتائج الّتي توصّل إليها في تقريره وإنّه أمر لا يحتمل أن يرتكب اليهود جرائم حرب وهم الّذين كانوا كانوا ضحية لها وعانوا منها في الماضي، ومع الأسف فإنّ التّاريخ يعطينا أمثلة قليلة لدول وشعوب لم تستخلص العبرة من تاريخها ذاته”. حملة على الكاتب إنّ الصفحات القليلة من الكتاب التي خصّصها المؤلف للتعليق على ما يحدث في فلسطين وموقفه الدّاعي إلى مقاطعة السلع الموردة من الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة دفعت بأوساط متصهينة والأوساط اليهوديّة المتطرّفة في فرنسا إلى شنّ حملة عنيفة عليه، وذهب من يقف وراءها إلى حدّ التّشكيك في ماضي الرجل كمناضل ومحارب للنازيّة، وهو ما أثار استهجان الكثيرين واستنكارهم، كما تمّ اتّهامه بالكذب وتزوير التاريخ وبالكره لإسرائيل واليهود بل إنّهم- بسبب تعرضه لاسرائيل في كتابه هذا- ذهبوا إلى حدّ القول بأنّه يكره نفسه لكون والده يهوديّا “ووصل الامر بـ بيار أندريه تاغيياف Pierre –André Taguieff وهو مدير أحد أهمّ مراكز البحث في فرنسا لحدّ وصفه بـ :” انه ثعبان ينفث سمّا ويستحقّ أن يهشّم رأسه!”، مضيفاً: “كان بإمكانه أن ينهي حياته في كرامة دون أن يدعو إلى الكراهية ضدّ إسرائيل وضمّ صوته إلى ألدّ أعداء اليهود”. وسبق لستيفان هاسل ان وقّع على بيان استنكار ضدّ هجوم إسرائيل على جنوب لبنان ووصف الحرب على غزّة بـ “جريمة ضدّ الإنسانيّة” وزار غزّة واطلع عن كثب وعاين كشاهد عيان آثار الحرب على الأطفال والمدنيين. مساندة في فرنسا “لوبي” اسرائيلي صهيوني متعصب، وهو لوبي قوي تقف وراءه قوى مالية وسياسية، يقف بالمرصاد لشن حملة على كل من يبدي رأيا ناقدا لسياسة إسرائيل حتى ان نقد اسرائيل أصبح من الممنوعات، وحالما صدر كتاب هاسل تحركت الآلة الاعلامية لشن حملة هوجاء على المؤلف ومهاجمته وتجريحه والنيل منه في سعي لإسكاته وتخويفه وإرهابه، ولكن هذه المرة فإن هذه الحملة كانت لها نتيجة عكسية، فاعتبارا لمكانة المؤلّف الاجتماعيّة والسّياسيّة ووزنه، فقد تجنّد أنصار له ودافعوا عنه دفاعا مستميتا، وهم يؤكّدون أنّ إدانة هاسل لإسرائيل ليست نابعة من الكراهية أو الغضب ولكنّها نابعة من تعطّش للعدل، ولأن المؤلّف رجل شجاع، ورغم تقدّم عمره، فهو - كما أعلن هو نفسه- لا يخشى مثل لأنه يدافع عن مبادئ، وانّ الشتائم الّتي تعرّض لها هي بشهادة الشرفاء من الفرنسيين - وهم كثر- انما هي عار على من يطلقها. وامام ردود الفعل المساندة للمؤلف فان Pierre –André Taguieff الذي تزعم اللوبي المتصهين ادعى أنّه عرضة لهجوم الشيوعيين وما يسميهم “الأوساط الإسلاميّة” وأنّه تلقّى تهديدات، ولكنه اضطر أمام حملة المساندة للكاتب للتراجع قليلا عن الهجوم على هاسل وانكر الجملة المشينة والّتي وصفه فيها “بالثعبان الّذي ينفث سمّا زعافا”، واكّد انّه شعر فقط بخيبة أمل تعليقا على موقفه من إسرائيل. وكانت كاترين دافيد Catherine David – وهي يهودية- قد كتبت مقالا ساندت فيه هاسل ونقدت نقداً لاذعاً موقف بيار اندرييه تاغيياف مستدلة بحجج دامغة ومعاتبة له ولائمة على أسلوبه الهابط في شتم مؤلف كتاب “إستنكروا” وتجريحه بغير وجه حق ممّا جعل تاغيياف، احد اصوات اللوبي المتصهين الناعقة يغير طريقة هجومه ليقول: “إنّ هاسل يريد أن يكون “محامي سلام” ولكن كلّ مواقفه العلنيّة حول الصّراع العربي الإسرائيلي وخاصّة منذ 2006 تدلّ على عكس ذلك، وانّه يساهم في “شيطنة” إسرائيل بإتّهامها بـ “جرائم حرب” و”جرائم ضدّ الإنسانيّة”، وترديده شعار: “إسرائيل مجرمة” خلال مظاهرات ضدّ إسرائيل وإنّه يدعو إلى إزالتها”. ويصف تاغيياف كتاب هاسل تهكّما بـ “النّشريّة”، ورغم ذلك لم تصمت كاترين دافيد وردت عليه ثانية مؤكّدة: “إنّه يمكن نقد سياسة إسرائيل دون أن نتهم من يفعل ذلك بأنّه معاد للساميّة،”، ورغم أنّها هي أيضا يهوديّة إلاّ أنّها تعلن على الملأ معارضتها المطلقة لسياسة نتنياهو. رسالة الى الشباب رفع المؤلّف ستيفان هاسل في كتابه: “استنكروا” لواء التّمرّد على الواقع المرّ للعلاقات الدّوليّة وأعلن على الملأ رفضه لمنطق القوّة والظّلم والجبروت، وهو يدعو إلى السّلم والتّسامح وإلى عالم أكثر عدالة، كما يدعو الفرنسيين إلى مساندة المهاجرين من العرب والمسلمين والأفارقة والعطف على الفقراء، ويعلن رفضه لما يسميه التّنافس الاقتصادي القاتل الّذي يسود الأرض، ويقول هذا السياسيّ المحنك الّذي خبر الحياة والنّاس، وقد بلغ من العمر عتيّا، مخاطبا الشباب الفرنسي في كتابه: “انظروا حولكم فستجدون الكثير مما يثير استياءكم واستنكاركم على غرار معاملة المهاجرين”، مضيفاً: “إنّ في هذا العالم أوضاعا لا تحتمل، وأنّ أسوأ المواقف هي اللاّمبالاة”. وسخّرستيفان هاسل كامل حياته لهدف واحد: الحريّة والعدالة، وهذا الكتاب يعدّ دعوة لعدم الاستسلام، والثورة السلميّة. يقول: “إنّه لمتعة أن أصل إلى عمر 93 عاما، وأنني أقترب من النهاية ولم يعد لي متسع طويل من الوقت، مع ذلك أردت أن أؤلّف هذا الكتاب من أجل أن نبقى فخورين بهذا البلد الّذي ننتمي إليه”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©