حينما كنا في الصفوف الأولى لكلية الإعلام كانوا يدرسوننا المبادئ الأولى في الإعلام، مثل «نظرية جوبلز» الألماني في مسألة الكذب حتى يصدقك الناس، ويدرسوننا أيضاً أن وسائل الإعلام هي السلطة الرابعة في المجتمع، بعد الثورة الجديدة التي تلت الثورة الصناعية، وأعتقد أنهم لم يبالغوا، ولكن لم يتوقعوا أنها ستغدو أكبر من كل التوقعات، وأن تأثيرها على الناس كسلطة رابعة سيتحرك ويتحول إلى سلطة أهم وأكبر من بعض السلطات الثلاث، حيث تم تبادل بعض الأدوار، كان هذا الكلام في بدايات ظهور وسائل الإعلام مع بدايات القرن المنصرم، لكنها اليوم تقدمت خطوات على بعض السلطات في المجتمع، وأصبح تأثيرها أقوى من زحف الجيوش بالطريقة التقليدية، اليوم افتح الفضاء الإعلامي وسترى كيف يصير الحراك والتغيير والتعبير، وأغلق الفضاء الإعلامي تماماً وسترى كيف تعيش المجتمعات في ضيق وظلام وتعتيم وجهل بما يدور فيها وحولها.
ولنبسط الأمور بعيداً عن التنظير والتخطيط الاستراتيجي ومعرفة الأبعاد وسبر المستقبل، اليوم.. لو بث لنا الإعلام أخباراً متدفقة، ومتتالية بأن «الجاشع» ناقل لكثير من الأمراض المزمنة، وأهمها الضغط أو تداولت وسائل الإعلام أن «الأرطأ والحمّاض» سبب أساسي لانتقال الفيروس المتحول الجديد الذي أعلن عنه مدير الصحة العالمية مؤخراً، والذي لا نستبشر بوجهه دائماً في منطقة الخليج، وأن البديل هو سمك «النيسر المدفأ، وسمك الجسيف المجفف» اللذان يعدان من أهم الدفاعات ضد هذا الفيروس، لأنهما يزيدان من مناعة الجسم، وهما مثبط قوي لارتفاع درجة الحرارة، و«شوفوا كيف الناس بتقوم تذم الجاشع والحمّاض والأرطأ، وأنه في الآخر إلا «مجيجة»! وشوفو كم بيوصل ثمن «الجسيف والمدفأ» عندنا! 
وسيظهر فجأة مليونير هندي غير هارب بعد، وسيستغل الظرف، ويبيع للسادة المواطنين الكرام الذين لا يستغنون عن «الجسيف والمدفأ» بطبيعتهم، وحتى لو وصل «المَنّ» عشرين ألف «يَنّ»!
وسيتوقع المستثمر الهندي، كما ذكرت مصادر مقربة منه، أن يصل سعر «الكرتون» أو «اليونيه» بذيك الحجية، خاصة أن المنافسة سبقها الاحتكار، الأمر الذي سيجعله يسارع إلى تسجيل شركته الملاحية المختصة بالمالح في بورصة لندن، وهو أمر أشبه بالطُعم لبنوكنا ذات السيولة المتدفقة، وهي المتلهفة حينما ترى الأمور وصلت إلى بورصة لندن، فتفرش له بساطاً من حرير، وسيدرجون معاملاته من دون أي قيود، وحين يبصر السيولة والمعونة من كل حدب وصوب سيقوم بفتح شركة في «فيجي» مختصة بسمك الزبيدي، وأخرى في البهاما والتشيلي، و«شيلي جان بترومين يا تشيلي»، ويمكن أن يبدأ بالاستيراد من ساحل «كيرلا ومدغشقر» أنواعاً جديدة أسمن وبـ «حبولها»، باعتبارها من الضمانات المصرفية، لتوسيع نطاق عمل شركاته المتعددة النشاطات، المهم أنه يدبر نفسه حتى ينكشف أمره، وسيلجأ إلى بريطانيا العظمى حتى ينسى ذكره! 
ترون كيف أن وسائل الإعلام فتحت له فكرة الطريق، لكنها لم تتبعه حتى نهاية الطريق.
لذا الإعلام اليوم وفي الماضي يشتغل على علوم كثيرة، وأفكار عميقة في تخصصات شتى، ولا تكفي فيه المهنية اليدوية، بقدر ما يتطلب الرأس الممتلئ، والفكر الغزير، ومعرفة قراءة الفراغات.. اليوم في غزة هاشم هناك حرب إعلامية مرادفة للعمليات العسكرية، وهي سبقت تحرك الدبابات، وبقيت خلفها على الدوام!