واحد وخمسون عاماً وشجرة الاتحاد تكبر وارفة وتنشر نورها بسخاء على أرضنا الطيبة. كبرنا معها، ورأينا الأحلام والمستحيلات تصبح حقيقةً، وظل البيتُ متوحداً على الدوام حيث القلوب تعانق القلوب، والسواعد تعاضد بعضها في ملحمة البناء والتطور والارتقاء الجميل بين الأمم. وكانت الثقافة هي المعراج الذي ارتقى بإنسان الإمارات ليصبح اليوم نموذجاً للنجاح والتميز والتطلّع للمستقبل بثقة واقتدار. هذه الثقافة التي تفجّرت ينابيعها من تراث هذه الأرض الأصيل، تراث البداوة بكل ما تحمله من قيم ضاربة في التاريخ وعادات متأصلة في عروق إنسان هذه المنطقة الذي يتحلى بالشجاعة والفخر والفروسية والكرم والإباء. وهي القيم التي غرسها الآباء المؤسسون للاتحاد في نفوس الأجيال وتركوها لنا إرثاً ينبغي أن نصونه من تقلبات الزمن وتبدلات الأيام.
ومن ثقافة البداوة إلى رحابة البحر حيث تدرّب أجدادنا وآباؤنا على مواجهة التحدي وصد الغزاة والانفتاح على أفكار الرحيل والتعارف بين الشعوب. هذه القيم هي التي ولّدت رغبة الانفتاح على الآخر والتعرف على ثقافات الشعوب لتصبح الإمارات اليوم واحة التعايش السلمي في المنطقة والعالم. وهي التي ترسّخ مشاريع التسامح الديني وتطلق المبادرات العملاقة للتآخي بين الأمم. ومن وحي هذا التوجه، ترسّخت في الدولة بنية تحتية رصينة للثقافة والفنون. قلنا مرحباً بالفكر الجديد وبالقصيدة واللوحة والموسيقى والجمال، وأصبحت مدننا تعيش كرنفالات ثقافية طوال العام تحت مظلة الحوار الفكري البنّاء والمعتدل، بل إنها أصبحت عواصم للثقافة والفنون والإعلام على المستوى العربي والعالمي.
اليوم، نجني ثمار ما غرسه الآباء المؤسسون، لكننا أيضاً نتطلع إلى المستقبل بروح جديدة وبأحلام تُبنى فوق الأحلام. فتحنا مجرى لثقافة الفضاء وأطلقنا مسبار الأمل. أثثنا أرضنا بالمتاحف الفنية والمستقبلية ومعارض الكتب ومهرجانات التراث وتحدي القراءة وحب المعرفة. صارت القصيدة التي يكتبها ابن الإمارات صوتاً يتردد في محافل الأدب العالمية، وذهبت لوحاتنا الفنية إلى كبريات متاحف الفنون في العالم، ورأت جماهير مهرجانات السينما والمسرح عروضاً وإبداعات إنسان هذه الأرض بما تحمله من خصوصية وتفرد في النظر إلى الوجود والعالم من حوله.
ملاحم كثيرة سجّلتها الإمارات في بناء ثقافتها واقتصادها وتطلعاتها، لكن الملحمة العظيمة حقاً كانت في بناء الإنسان الذي تشرّب هذه الثقافة وهو متمسك بجذوره وأصالته وهويته الوطنية. هذه الهوية التي تروي شجرة الاتحاد بالعمل الدؤوب وبالحب والخير والقيم السامية.