الحياة هي الفرح، وهي رقصة الروح في ساعة خروج من أفنية الأسئلة الكبيرة.
يخرج الطفل من عتمة الأحشاء المغلقة، فنجده يصرخ احتجاجاً على ضجيج التناقضات التي يعيشها أقاربه، فمنذ اليوم الأول للميلاد يحشره الآخر في لفة ضيقة من قماش خشن، ولأول وهلة يشعر بأن الحياة سجن كبير يعيشه الإنسان رويداً رويداً حتى الممات.
بينما الحقيقة هي أن الحياة أغنية، وهي وردة تتفتح صباحاً لتستعيد نشاطها الجمالي في الصباح الآخر، الحياة موجة بحرية تمشط الشواطئ بأنامل بيضاء رقيقة، والحياة هي محبة والله محبة، ولكنّ المدعين يرفضون هذه الهدية الإلهية ويدعونك دوماً للبكاء على أنقاض روح هتك سلامتها فيض من العبوس والتشاؤم والعدمية، فالوجودي يقول لك لا تبتسم لأن الحياة عدم، والملحد يحثك على هجران بيت الحياة لتعيش وحدك منعزلاً في مخدع النظريات الفارغة، والديني لا يهنأ له بال إلا عندما يراك تبكي متفجعاً خوفاً من زلات الحياة، حتى تكاد أن تصرخ أنت فتقول: علموني البكا ما كنت أعرفه - يا ليتهم علموني كيف أبتسم.
هكذا الدين الحقيقي يعلمنا، وهكذا هي الحياة فرح وغناء وتسامح واندماج مع مكونات الوجود، هكذا هي احتفال دائم بهدية منحتها الحياة لأعظم مخلوق وكرمته على سواه ليقول الفيلسوف الألماني مارتن هايدجر: الإنسان راعي الكون.
وهذه هي دعوة من مانح الحياة للبشرية جمعاء بأن نرفع النشيد عالياً، وأن نبتهج لرقصة الطير على الغصون ولمعة النجمة، وهي تشق قميص العتمة لتبرز في الوجود ابتسامة شفيفة، وننظر إلى الغيمة، وهي تخيط قميص البلل العذب ليصبح بعد حين نبعاً كالرحيق يغدق العالم باحتفال بهيج عندما تبرز الثمرات كأنها الحلم في عيون العفوية، وكأنها السرد المنعم بلغة معجمية رخية.
هذه هي الحياة دوماً دعوة مباشرة ومن غير ترميز إلى المشاهدة، ومن ثم الاستبطان ثم العزف على قيثارة الحب، هي هذا الترياق الذي تفتقده الإنسانية الشقية، وهي النبوغ الذي لم تصل إليه العقول، لأنها غارقة في النحيب والولولة.
في الإمارات اليوم تبزغ نخلة الفرح، وهي تسبل سعفاتها مسترخية على رؤى الوعي المجلل بإدراك معنى أن نكون عشاقاً وأن يصير الحب معيار الحياة والتي هي سمة الخلود، وديدن الأحبة.
الذين يلعنون الحياة ويقدسون الموت، إنما هم يخالفون الفطرة الإلهية ويقفون عند زاوية ضيقة من الدين، هؤلاء الكارهون للحياة هم أشواك وخّازة في طريق الحب الإلهي، هؤلاء هم شياطين في جلود بشر.
من وهبك الموت هو من منحك الحياة قبلاً فلماذا ترفض استقبال الهدية بوجه عابس وقلب مثل قطعة مطاطية عجفاء، رجفاء؟ الله وهبك جمال الحياة لتصير أنت العازف على أنغام الفرح الكوني وتصير أنت السيد السائد في الرحاب الواسعة.