الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جوليان بارنز يرصد تفاصيل حياة رتيبة بأسلوب مخادع في «الشعور بالنهاية»

جوليان بارنز يرصد تفاصيل حياة رتيبة بأسلوب مخادع في «الشعور بالنهاية»
29 أكتوبر 2011 09:17
بعد ظهور اسمه للمرة الرابعة على القائمة الأخيرة لجائزة مان بوكر البريطانية للرواية، وهي أهم جائزة تقديرية تمنح لأفضل عمل أدبي باللغة الإنجليزية لكتاب يقيمون في بريطانيا أو ايرلندا أو إحدى دول الكومونولث، أعلن عن فوز الروائي البريطاني «جوليان بارنز» 65 عاماً، بجائزة هذا العام عن رواية «الشعور بالنهاية». «الشعور بالنهاية» هي الرواية الحادية عشرة لبارنز الذي يعرف بغزارة انتاجه، وحسب «ستيلا ريمنغتون» رئيسة لجنة التحكيم فهي عمل كلاسيكي، يتميز بالذكاء وبعد النظر. أما مضمونها فيتمحور حول فكرة الزمن، الذاكرة والموت، وهي أمور عادية في حياتنا الإنسانية يقوم بارنز برصدها بأسلوب غير مباشر تميزه انعطافاته غير المتوقعة من قبل القارئ. وكانت طبعة الرواية الأمريكية قد صدرت باللغة العربية عن دار نوف في الخامس من الشهر الجاري، فيما صدرت نسختها البريطانية في الرابع من اغسطس الماضي. الفوز بالبوكر فوز بارنز لم يأتي في ظروف عادية وإنما تزامن مع زوبعة من الجدل أثارها النقاد حول ما إذا كانت المعايير التي تستند إليها الجائزة بحاجة إلى إعادة نظر. وحسب كثيرين منهم الشاعر البريطاني الحائز على الجائزة في دورة سابقة «اندرو موشن»، فإن العديد من الأسئلة تثار حول مصداقية الجائزة، وما إذا كانت لجنة التحكيم قد دأبت مؤخراً على ترجيح معايير غير صحيحة تعتمد مبدأ مدى رواج الأعمال المشاركة على حساب قيمتها الإبداعية. وفي حين رحب الكثيرون برواية «الشعور بالنهاية» ومنهم موشن، باعتبارها الأفضل في المستوى الإبداعي لهذا العام، تساءل آخرون ما إذا كانت الرواية أفضل أعمال مؤلفها. بارنز كاتب محترف، مهتم بكتابة الرواية الكلاسيكية السيكولوجية ومن مؤلفاته «ميترولاند» عام 1980، و»إنجلترا» عام 1998 التي رشحت لجائزة مان بوكر، و»أرثر جورج» التي رشحت لجائزة مان بوكر عام 2005 إضافة إلى كتابة القصة القصيرة منها كتبه «طاولة الليمون» عام 2004، و»نبض» عام 2011 اضافة إلى كتابة المذكرات والمقالة. وكما في أعماله السابقة فهو في الشعور بالنهاية يولي النص عناية فائقة بالحبكة واللغة والتقنيات الإبداعية، ما يضفي المزيد من القوة والجمال على شخصياته الرئيسية على الرغم من حياتها الباهتة في الأساس. الرواية في «الشعور بالنهاية» يستغرق بطل الرواية «توني وبستر» وهو رجل في منتصف الستين، في التفكير بحثاً عن موقعه في الحياة بعدما أصبح في خريف العمر. ومن خلال تأملاته في تفاصيل حياته يورطه المؤلف بالكشف عن أزمته الشخصية باستخدام تقنية الراوي. وهنا تتضح سيكولوجية الإنسان العادي الذي ما إن يشعر بأن ما بقي له من العمر اقل بكثير مما مضى حتى تستبد به الرغبة في تأمل الذات. إن مشاعر كالحنين إلى الماضي تسيطر على وبستر بقوة، حتى أنها على الرغم من إثارة الإحساس بالندم حول بعض مواقف سلبية له من الحياة، تتحول إلى رغبة في التصالح مع الذات. إن فعلاً كهذه المحاكمة لتاريخه، هو ما يبدو مستساغاً بالنسبة له الآن، فربما توصل إلى صيغة تضمن له بعض الإيجابية، التي يمكن استغلالها لتلميع صورته. والواقع أن تاريخه قبل أربعين سنة، منذ أن كان طالباً عادياً في المرحلة الثانوية، إلى فشل حبه الأول، إلى أن ظل يمارس عمله كموظف، إلى طلاقه وابتعاده عن ابنته، هو المحور الرئيسي الذي تدور حوله أحداث رواية بارنز. وها هو يسأل نفسه «ما الذي كنت تعرفه عن الحياة في تلك الأثناء ؟» والإجابة هي «لاشيء، فأنت لم تغامر بالذهاب بنفسك إلى الحياة، الحياة كانت تأتي إليك بنفسها لكي تمارسها ببيروقراطية. نفس الإجابة يجدها لدى حبيبته السابقة في لقاء لم يخطط له في الأساس وهو قولها، «أنت لا تعرف شيئاً عن الحياة». ومن جانبه يرصد المؤلف تفاصيل حياة رتيبة بأسلوب مخادع، يجعل القارئ يجري وراءه متشوقاً إلى معرفة المزيد. لقد دأب توني وبستر على الخضوع لنمط عادي في الحياة. وها هو يتذكر طفولته. كل ما يملكه ذاكرة مرتعشة تشعره بالانتشاء بداية، لاسيما حين يتذكر معلم التاريخ. معلم التاريخ كان يعلمهم التفكير في الحياة، كم أفاده ذلك! إنه يفكر في صديقه أوغريمه «ادريان فن» الذي مات منتحراً بعد تخرجه وظل انتحاره لغزاً. لقد كان يجسد النقيض. كان صدامياً في تعامله مع الحياة حتى أنه تمكن من الاستحواذ على إعجاب حبيبته التي خسرها هو إلى الأبد. أدريان كان يشكل تجاوزاً خطيراً في هذا الشأن. كان يجيد التفكير في الحياة، يقرأ كثيراً، ويتحدث في الفلسفة والفكر. كان يقرأ لنتشه وكامو وكان يتصدر النقاش في الفصل. ولابد أن القارئ سيجد المزيد من التفاصيل التي لايمكن لوبستر تلميعها بقدر ما يمكنه تقبلها عن نفسه. وها هو يتذكر بقية تفاصيل حياته، حيث على الرغم من دعة الحياة التي كان ينعم بها بوصفه ابن الشريحة المتوسطة من المجتمع وكان بمقدوره القيام بالكثير، إلا أنه كان حيادياً في تعامله مع الحياة! وإلا فما الذي حمله على الانسحاب والتخلي عن صديقته الثرية لشخص آخر، أوجعله غير قادر على السيطرة على شيء كصدامه مع أبيها وأخيها اللذين أفسدا علاقته بها. وإذا كانت كتابة الرواية مهارة، فإن رواية بارنز لا تفتقد هذا الشيء، حيث كل ما تحتاج إليه هو المتلقي المدرك للقيمة الإبداعية للنص، وهو ما يؤكد عليه رأي ما بات معروفاً باللجنة الاستشارية للجائزة الأدبية، المشكك في مصداقية جائزة مان بوكر ومن ثم العزم على تدشين جائزة جديدة يمكنها أن ترسي المبادئ الحقيقية للكتابة الأدبية.
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©