الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رئيس الدولة: اقتصاد الإمارات تحميه مؤسسات راسخة وقادرون على التكيف مع الأزمة العالمية

رئيس الدولة: اقتصاد الإمارات تحميه مؤسسات راسخة وقادرون على التكيف مع الأزمة العالمية
16 مارس 2009 02:29
أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله'' أن هناك سوء فهم ومبالغة في تقدير انعكاسات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني، معرباً سموه عن ثقته في قدرة الأجهزة المالية والاقتصادية التي تعمل على احتواء تداعيات الأزمة محلياً على التعامل مع متطلبات العلاج، بالشكل الذي يحفظ لدولة الإمارات مكانتها وسمعتها على الصعيدين الإقليمي والدولي ويبقيها على خريطة الاستثمار العالمي واحة ذات مصداقية عالية· وحول الشائعات القائلة بأن حكومة أبوظبي تسعى إلى تملك الكثير من الشركات الحكومية في دبي في إطار مساعدتها على الخروج من الأزمة، قال سموه إن ''هناك تفسيرات خاطئة حول طبيعة العلاقة التي تربط الإمارات الأعضاء في الاتحاد''، مؤكداً أن الإجراءات التي تتخذ سواء على صعيد الاتحاد أو على صعيد كل إمارة لمعالجة الأزمة هي إجراءات معلنة وواضحة ولا حاجة إلى إطلاق التوقعات في شأنها، و''أي إجراء اقتصادي سليم لا بد أن يتسم بقدر عال من الشفافية، وهذا ما نحرص عليه في التعامل مع آثار الأزمة الحالية''· رئيس الدولة: مركز الإمارات على الخريطة الاقتصادية العالمية لم يكن طارئاً بل ثمرة عمل متواصل تركي الدخيل-أبوظبي: جئت إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حاكم أبوظبي، وأنا أحمل ملفاً كنت أظنه ثقيلاً جداً··· فوجدت كل ما قابلني يخفف من حجم هذا الملف، وخرجت من عنده بعد إجراء الحوار، وقد أحسست بأن الأمر يبدو سهلاً إذاً، بالنسبة لمن يعمل وفقاً لخطط منظمة· الإجراءات في طريقي للجلوس قبالة رئيس الدولة، كانت تقتصر على ضابط إماراتي شاب في مدخل قصر الشيخ خليفة، احتاج لمطابقة اسمي مع كشف الأسماء في يده، وقد رحّب بي على الطريقة الإماراتية وابتسامته لاتفارق محياه، ثم أشار إليّ بالطريق، مجدداً الترحيب· تبدو الابتسامة التي تعلو شفاه من يقابلك، هنا في قصر الشيخ خليفة في البطين، علامة مسجلة، وهي تأتي مرادفاً للتراحيب التي يسكبها الجميع في طريقك بما يجلو عنك هيبة مقابلة رئيس الدولة· في غرفة صغيرة جلس رئيس الدولة وجلست إلى جانبه، ليدور حوارنا، بعد أن تحدث في بداية الحوار عن معرض اليخوت الذي يقام حالياً في أبوظبي· شكرت الشيخ خليفة على إتاحته فرصة اللقاء به لـ(الرؤية الاقتصادية) في أول أعداد صدورها، وحدثته عن الجريدة، فاستمع لي بإنصات، وتذكرت حينها كيف كان ولي عهده الشيخ محمد بن زايد يتحدث عن (المعزّب) كما يحب أن يصف أخاه الأكبر، ليعتبر من أهم مميزاته إجادته فن الاستماع وقدرته على التحليل، واتخاذه القرار اللازم بصرامة إذا اقتضى الأمر· كان سمو رئيس الدولة واثقاً من أداء أجهزة دولته في مواجهة الأزمة المالية العالمية، بما جعله يبدو مطمئناً ومرتاحاً في التعاطي مع هذا الملف الصعب، على أن هذه الراحة لم تكن لتقلل من تقييمه لحجم الأزمة· كانت ابتسامة رئيس الدولة الهادئة تغلف إجاباته، وبدا كما لو كان ورث هذه الثقة والهدوء من والده المؤسس الشيخ زايد ''رحمه الله''، الذي كثيراً ما كان يشير إليه في أحاديثه الجانبية، بل إنه تحدث عنه في صلب حوارنا هذا· بعد الحوار دعانا الشيخ خليفة إلى تناول الغداء على مائدته، فدخل إلى مجلس متوسط الحجم يتسع لنحو خمسين ضيفاً، وقد اصطف في المجلس جملة من المواطنين من أعمار مختلفة، فتوالى الحاضرون للسلام عليه، وقد كان خلفه إخوته· صافح الجميع وجلس في صدر المجلس· بدت لوحة زيتية كبيرة فيها صورة للوالد المؤسس الشيخ زايد ''رحمه الله'' فوق كرسي رئيس الدولة، وقد جلس إلى يمينه الشيخ محمد بن زايد، وكأنه أرادها للتأكيد على سيره على نهج والده· عندما حلّ وقت الغداء، دعا خليفة بن زايد، ضيوفه للتفضل إلى المائدة، فانتصب رجل سبعيني، وقال له بلهجة محلية: ''وش حالك يا خليفة؟!'' فرد مبتسماً: مرحباً· وش حالكم وحال من وراكم؟! بدا هذا الحوار السريع والبسيط، ليس حواراً بين مواطن ورئيس دولة، بل هو حوار بين صديقين حميمين· لكن المقربين من المكان، يؤكدون أن هذه الحالة ليست استثناء· سألت الشيخ محمد بن زايد عن الشيخ خليفة: متى يقول لا؟! فأجاب على الفور: ''عندما يتعلق الموضوع بقضايا الفساد، يقول لا وبقوة· إنه رجل نزيه، لا يحب الفساد، ويحاربه بكل ما يملك من قوة· ستتأكد من أهمية ذلك بالنسبة إليه إذا علمت أنه ليس سريع الغضب، وأنه صبور، ويتحمل الآخرين، لكن موضوع الفساد يبدو خطاً أحمر بالنسبة له''· كان الشيخ خليفة يمتلئ جدية عندما يتحدث عن شأن له علاقة بالمواطن، وبدا مستغرباً سؤالي له عن الرسائل التي يوجهها لمواطنيه· وقد فهمت ذلك عندما قال لي بعد ذلك ولي عهده: ''الشيخ خليفة لا يتوانى في اتخاذ القرارات التي تتعلق بشأن أهل هذه البلاد، فهو غيور جداً على هذه الأرض، وعلى ما يمس سمعة أهلها''· لن أطيل عليكم وأترككم مع الحوار: ؟ خلال عقود قصيرة من الزمن تحولت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى دولة متطورة، وأصبحت تمتلك واحداً من أهم الاقتصادات العالمية، حتى إنها باتت صاحبة ثاني أكبر اقتصاد بين البلدان العربية·· هل تنبئنا التطورات الحاصلة على الساحة العالمية بتباطؤ مسيرة النمو والتطور في الاقتصاد الوطني مستقبلاً؟ ؟؟ نحن جزء من الاقتصاد العالمي نؤثر فيه ونتأثر به، ولا شك في أن ما أصاب الاقتصاد العالمي في الفترة الأخيرة وما مر به من تطورات كانت له انعكاسات على اقتصادنا الوطني، لكننا نحاول قدر الإمكان احتواء تلك الانعكاسات وحصر آثارها والعمل على تجاوزها، مستفيدين من المرونة النسبية لاقتصادنا التي تجعله قادراً على التكيف مع تداعيات الأزمة والتعامل معها بطريقة ناضجة تنسجم مع الرؤية الاستراتيجية الموضوعة وتتفق مع تطلعات وآمال المواطنين، وتعديل بعض الأولويات في إطار عملية التكيف هذه لا يعني أن مسيرة النمو والتطور برمتها عرضة للتباطؤ والتهديد·· فاقتصاد الإمارات تحميه مؤسسات مالية واقتصادية راسخة ومستقرة، ولذلك فإننا على ثقة بأن الأجهزة المالية والاقتصادية المعنية التي تعمل لاحتواء التداعيات التي تخلفها الأزمة العالمية الحالية على سوقنا المحلية قادرة على التعامل مع متطلبات العلاج بالشكل الذي يحفظ للإمارات مكانتها وسمعتها على الصعيدين الإقليمي والدولي ويبقيها على خريطة الاستثمار العالمي واحة آمنة ذات مصداقية عالية· ؟ وجهتم سموكم من خلال افتتاح معرض ''آيدكس ''2009 مؤخراً رسائل واضحة كان من بينها أن خطط سموكم الاستراتيجية هي تعزيز موقع الإمارات كمركز اقتصادي عالمي·· كيف تنظرون سموكم إلى التحديات التي تفرضها الأزمة الاقتصادية العالمية وأبعادها؟ وهل ستحمل هذه التحديات ''أعباء'' أم ''فرصاً'' للاقتصاد الوطني ولدوره على المستوى العالمي؟ ؟؟ التحول إلى مركز اقتصادي عالمي لا يتم بقرار، بل هو محصلة لجهود وخطط تنفذ منذ سنوات، وهذه الجهود لم تقتصر على البناء الاقتصادي المجرد، بل شملت مرافق البنية الأساسية وتحسين مستوى الخدمات فضلاً عن التنمية الاجتماعية التي تشمل تطوير الموارد البشرية عن طريق التعليم والتدريب، إضافة إلى تطوير البيئة التشريعية والقانونية المناسبة والمتفاعلة مع مجمل التطورات الاقتصادية والاجتماعية·· من هنا فإن المركز الذي تحتله الإمارات على الخريطة الاقتصادية العالمية لم يكن طارئاً ولا مؤقتاً أو وليد ظرف اقتصادي معين، بل هو ثمرة لعمل متواصل على المستويين الاتحادي والمحلي· وقد تجسد هذا العمل واقعاً من خلال مئات المؤسسات التي تدير مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية والمالية والاقتصادية·· ومع إدراكنا بوجود تحديات صعبة في بعض الأحيان، فإن مؤسساتنا الوطنية العامة والخاصة ليست هشة، وهي قادرة على تجاوز ما قد يعترضها من صعوبات ومشكلات وكانت لها تجارب في الماضي ساعدت على تصليب عودها وتحسين أدائها وسد أي ثغرات في ذلك الأداء، ونحن على ثقة بأن مؤسساتنا الوطنية ستتمكن بفضل الخبرة المتراكمة التي اكتسبتها والاحترام والمصداقية اللذين تتمتع بهما في مختلف الأسواق التي تعمل بها وبفضل حرص الحكومة على تقديم العون لتلك المؤسسات من مواجهة أي أعباء مؤقتة ناجمة عن الأزمة المالية العالمية، كما أنها لن تفوت أي فرص قد تلوح أمامها عندما ينجلي غبار هذه الأزمة وتتكشف أبعادها· ؟ رأينا في الآونة الأخيرة تدخلاً مباشراً من قبل الحكومة الاتحادية لتقوية المراكز المالية لدى البنوك والشركات المحلية التي تأثرت أو قد تتأثر بالظروف الاقتصادية الصعبة التي تسود العالم·· ما هي توجيهات سموكم على هذا الصعيد؟ وما هي رسائل الطمأنة التي توجهونها سموكم في هذا المجال؟ ؟؟ الحكومة لا تعمل بمعزل عن مؤسسات القطاع الخاص المصرفية أو الخدمية والتجارية وغيرها، والفلسفة الاقتصادية للدولة قائمة على تشجيع المبادرة الفردية وحرية السوق، ومن هذا المنطلق فإن الحكومة ملتزمة بتوفير المناخ الاقتصادي الذي يسمح للقطاع الخاص بالقيام بدوره كاملاً في عملية التنمية، ولذلك فمن الطبيعي أن تتحرك الحكومة عند الحاجة لتقديم العون بمختلف أشكاله إلى المؤسسات الخاصة الوطنية لتمكينها من الاستمرار في دورها كرافد أساسي من روافد عملية التنمية، وبالمناسبة فإن هذا النهج ليس جديداً، فهو جزء أصيل من عمل الحكومة منذ تأسيس الدولة الاتحادية، حيث قامت الحكومة من خلال إسهامها في بعض المؤسسات المالية والشركات المساهمة بتطوير قدرات القطاع الخاص وتنمية مدخراته، مما مكنه من القيام بمشروعات عملاقة وزيادة قدراته التنافسية على مستوى الإقليم بل والدخول في استثمارات عالمية· ومن هنا فإن الدعم الذي قدمته الحكومة الاتحادية أو السلطات المحلية مؤخراً لبعض البنوك والشركات لا يعد تطوراً جديداً، اللهم إلا من حيث الحجم والتوقيت، وهما أمران يتصلان بالتطور الذي شهدته أحجام أعمال الشركات والبنوك الوطنية وبطبيعة وظروف الأزمة المالية العالمية نفسها· ؟ شهدنا في الآونة الأخيرة موجة من تسريح العمالة في شركات القطاع الخاص العاملة في الدولة إلى حد تحركت معه الحكومة من خلال وزارة العمل لوضع ضوابط خاصة بإنهاء خدمات المواطنين في هذا القطاع·· كيف تنظرون سموكم إلى تفاعل الشركات الخاصة مع الأزمة وبشكل خاص ما يتعلق بتسريح العمال والموظفين؟ وما هي توجيهات سموكم على هذا الصعيد؟ ؟؟ لا أعتقد أن عمليات التسريح التي تشيرون إليها وصلت الى حد الظاهرة، لكن مع ذلك فإن الحكومة تتابع الأمر وفق الضوابط الواردة في القانون وبما يكفل مصلحة كافة الأطراف، لكن لا بد أن نشير هنا إلى أن للضوابط القانونية طريقاً باتجاهين، فهي من جانب تحمي الموظف من الفصل التعسفي وغير المبرر، وهي من جانب آخر تعطي المؤسسات قدرة المحاسبة على الأداء ومستوى الإنتاج·· وأنا لا أعتقد أن المؤسسات الخاصة من مصلحتها الاستغناء عن الموظف المنتج المؤهل والمنضبط· أما إذا كانت هناك حالات استغناء سببها التباطؤ في عمل بعض المؤسسات، فإن هناك فرص عمل بديلة في مؤسسات خاصة أخرى أو مؤسسات وهيئات عامة، والحكومة حريصة على توفير فرص عمل كريمة لجميع المواطنين سواء من خلال استيعابهم في مؤسسات عامة أو من خلال تحفيز مؤسسات القطاع الخاص للاستفادة من الطاقات الوطنية· ؟ لحقت بدولة الإمارات العربية المتحدة عموماً وبإمارة أبوظبي على وجه التحديد آثار التضخم في السنوات القليلة الماضية·· كيف ترون السبل الكفيلة بلجم الآثار السلبية لهذا التضخم؟ وما هي الجهود التي بذلت على صعيد الحكومة الاتحادية عموماً أو على صعيد إمارة أبوظبي تحديداً في هذا الخصوص؟ ؟؟ التضخم كان من بين المشاكل التي عانت منها اقتصادات الكثير من الدول خلال عامي 2007 و2008 وكان هذا التضخم في كثير من جوانبه مستورداً وصدى لما يحدث في بعض الأسواق العالمية التي لنا معها تعاملات مالية وتجارية، كما ساهم التذبذب في أسعار الصرف وانخفاض الفوائد على الودائع والمضاربات في أسواق المال في تعميق حدة المشكلة، وقد اتخذت الحكومة والسلطات النقدية إجراءات عديدة في تلك الفترة للحد من تأثير الحالة التضخمية، كان من أبرزها زيادة الأجور لمواجهة الزيادة الكبيرة في الأسعار، وضبط سوق الإيجارات من خلال قوانين تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وصولاً إلى الحد من الارتفاع المتواصل في إيجارات المساكن والتي كانت من أبرز المجالات التي طالها التضخم، ولم تكن هذه الإجراءات قاصرة على المستوى الاتحادي فقط بل شملت المستوى المحلي أيضاً· ؟ أثارت الأزمة الاقتصادية الحالية الكثير من التساؤلات والشائعات، خصوصاً ما يتعلق بآثار الأزمة على إمارة دبي وعلى الدور الذي قامت وتقوم به أبوظبي في هذا الاتجاه·· فما هي صورة العلاقة بين الإمارتين؟ وهل صحيح أن أبوظبي تسعى إلى تملك الكثير من الشركات الحكومية في دبي؟ ؟؟ نتابع ما يكتب من تقارير في هذا الشأن، وأعتقد أن هناك سوء فهم ومبالغة في تقدير انعكاسات الأزمة علينا، كما أن هناك تفسيرات خاطئة حول طبيعة العلاقة التي تربط الإمارات الأعضاء في الاتحاد·· فنحن أعضاء في كيان واحد وأجزاء في جسد واحد قوي ومتماسك· وبالنسبة إلى الإجراءات التي تتخذ سواء على صعيد الاتحاد أو على صعيد كل إمارة لمعالجة الأزمة، فإنها إجراءات معلنة وواضحة ولا حاجة إلى إطلاق التوقعات في شأنها·· ولعلكم تابعتم ما تم بخصوص بعض المؤسسات التي تمت التوصية بدمجها في إطار عملية إعادة هيكلة، بهدف تحسين قدرتها على مواجهة آثار الأزمة المالية· وأحب أن أؤكد لكم أن أي إجراء اقتصادي سليم لا بد أن يتسم بقدر عال من الشفافية، وهذا ما نحرص عليه في التعامل مع آثار الأزمة الحالية وفي جهودنا من أجل مساعدة مؤسساتنا العامة والخاصة على تجاوز آثارها· الإمارات جسد واحد قوي ومتماسك وهناك تفسيرات خاطئة حول طبيعة العلاقة بين إمارات الاتحاد لسنا معزولين عن أبناء شعبنا وأبوابنا وقلوبنا مفتوحة لهم والتواصل مع آمالهم وهمومهم قائم ؟ ما هي الرسالة التي توجهونها سموكم اليوم إلى شعب الإمارات وإلى رجال الأعمال بشكل خاص والذين قد تثير الأزمة الاقتصادية العالمية لديهم بعض المخاوف مما قد تحمله الأسابيع والأشهر المقبلة من صعوبات على أكثر من صعيد؟ ؟؟ في البداية أحب أن أؤكد أننا غير معزولين عن أبناء شعبنا، وأبوابنا وقلوبنا مفتوحة لهم، والتواصل مع آمالهم وهمومهم قائم باستمرار، وبالتالي فإنني لا أشعر بالحاجة إلى توجيه رسائل إليهم، فالتواصل معهم مباشر، وما يختلج في صدورهم نلمسه ونتفاعل معه، ومع ذلك فإنه إذا كان لا بد من توجيه رسالة فإن هذه الرسالة هي تأكيد التزامنا الثابت بالعمل على توفير كافة أسباب الحياة الكريمة للمواطنين وتأمين سبل العيش الشريف لهم ومعالجة ما قد يعترض حياتهم من صعوبات وما يعيق استقرارهم من تحديات·· وهذا الالتزام هو جزء من إيماننا بأن ثروتنا البشرية هي أغلى ما نملك وفي سبيل الحفاظ عليها وتنميتها يجب تسخير كل الموارد والطاقات· إننا على ثقة تامة بأن شعب الإمارات بكل فئاته وفي مختلف المواقع قادر على التعامل مع التحديات مهما كبرت بمسؤولية المواطنة وشرفها، ولن تتوانى الحكومة عن تذليل كل الصعاب التي تعترض طريقه، فهو هدف التنمية ورصيدها الذي لا ينضب· ؟ كيف يمكن لدولة الإمارات أن تسهم في إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعالم؟·· وما هي أدواتها وإمكاناتها على هذا الصعيد؟ ؟؟ نحن لا نبالغ في تقدير حجمنا، لكن مع ذلك فإننا نتصرف بمسؤولية وبالقدر الذي يتناسب مع إمكاناتنا كبلد نامٍ، ومع أننا في التكييف والتفسير الاقتصادي للأزمة المالية العالمية نعد ضحايا لها ومن الدافعين لضريبتها، إلا أننا عملنا مع المجتمع الدولي من أجل مساعدة الدول المتضررة من الأزمة·· كما أننا شاركنا ضمن مجموعة دول مجلس التعاون في بلورة موقف جماعي منها· إننا نعتقد بأن الأزمة المالية العالمية كشفت عن عيوب هيكلية في النظام المالي العالمي تتطلب من القوى الاقتصادية الرئيسية في العالم سرعة تداركها والعمل على إصلاحها حتى نستطيع رسم الطريق الصحيحة لمعالجة الأزمة واحتواء تداعياتها· ؟ ما مدى استفادة دولة الإمارات العربية المتحدة من طفرة أسعار النفط التي شهدها عام 2008؟ وما هي توجيهات سموكم فيما يخص تعظيم هذه الاستفادة وتجنب الأضرار المحتملة التي قد تترتب على تراجع الأسعار؟ ؟؟ ليست طفرة أسعار النفط في العام الماضي هي المرة الأولى التي يكون فيها لموارد النفط دور في عملية التنمية·· فهذه الثروة التي منّ الله بها علينا أسهمت ولا شك في تغيير صورة الحياة عندنا ووفرت مصادر عيش كريم لا لأبناء الإمارات فحسب بل لكثير من أبناء الدول العربية الشقيقة والصديقة الذين ساهموا معنا في عملية البناء والإعمار، والحمد لله أن قيّض الله لنا قيادة حكيمة ممثلة بالقائد المؤسس المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي علمنا كيف نسخّر هذه الثروة في خدمة وطننا وتحقيق الرفاه لمواطنينا· أما في ما يتعلق بطفرة الأسعار في عام 2008 فإن هذه الطفرة وإنْ كانت قصيرة نسبياً، إلا أن زيادة الموارد الناجمة عنها انعكست على مستوى الإنفاق الحكومي والأجور، وارتفعت الميزانية الاتحادية ارتفاعا ملحوظاً، وتحقق التوازن فيها على الرغم من ارتفاع حجم المصروفات، كما أنّ تحسّن الموارد أسهمَ في تحسين الدخل الفردي الذي انعكس بدوره على السوق المحلية على شكل مشروعات خدمية وعقارية ضخمة، إضافة إلى ذلك فإن هذه الموارد أسهمت في زيادة الاستثمارات التي تشكل رديفاً وتنويعاً لمصادر الدخل · أما في ما يتعلق بالتراجع الحالي في أسعار النفط، فإننا ونحن نأمل أن تستعيد الأسعار استقرارها وأن تعود إلى مستويات معقولة، نرى أن لدينا بالإضافــة إلى القاعدة المتنوعة من مصـــادر الدخل تجربة غنية في التعامل مع التذبذب في أسعار النفط تسمح لنا بالتكيف مع التراجــــع الحالي دون أن يؤثر ذلك كثيراً في خطط وبرامج التنمية· ؟ هناك توجه متزايد لدى معظم الدول اليوم نحو فرض سيطرة الدولة على القطاعات الاقتصادية من خلال ''تأميم'' المؤسسات والشركات الخاصة ولو جزئياً وسن التشريعات التي تقيد حركة القطاع الخاص، كما أن التأثيرات السلبية للأزمة العالمية بدأ يتمخض عنها توجه واضح نحو فرض أنواع من ''الحمائية'' تتعارض مع مبادئ التجارة الحرة·· إلى أي مدى يمكن لهذه التوجهات إن فرضت نفسها على الساحة الخليجية أن تضر بمسيرة التعاون والتكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي؟ ؟؟ كما قلت سابقاً فإننا من المؤمنين بالحرية الاقتصادية وبدور القطاع الخاص كمكون أساسي من مكونات الاقتصاد الوطني·· وفكرة التأميم والمصادرة مرفوضة بالمطلق، لكن إذا كانت هناك حاجة إلى تدخل الحكومة لتعديل مسار بعض المؤسسات المتعثرة، فإننا لن نتوانى عن ذلك، وقد فعلنا هذا الأمر في نهاية السبعينيات عندما واجهت بعض البنوك صعوبات، حيث قامت الحكومة بضخ أموال في تلك البنوك وأعادت هيكلة بعضها وقامت بدمج البعض الآخر، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تقوية المراكز المالية لها وعاد بالفائدة على مساهميها· يضاف إلى ذلك أن مبدأ الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص موجود قبل الأزمة الحالية، فهناك كثير من المؤسسات التي تساهم بها الحكومة الاتحادية أو حكومات محلية جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص· أما من حيث سن التشريعات المقيدة للقطاع الخاص، فإننا يجب أن نفرق بين التشريعات المقبولة التي تهدف إلى توفير بيئة صحية لعمل القطاع الخاص بما يحفظ حقوق المساهمين ويضمن قدراً عالياً من الشفافية في العمل وبين التشريعات غير المقبولة التي تكبل القطاع الخاص بقيود إدارية وأعباء ضريبية· وإذا كان المقصود من السؤال ما إذا كان لدى الحكومة النية لمجاراة بعض الدول المتأثرة بالأزمة العالمية التي فرضت بعض التشريعات وشددت الرقابة على تصرفات الإدارات العليا في بعض البنوك والمؤسسات المالية والاستثمارية، فإن الوضع لدينا مختلف وتجربتنا لا تواجه ما واجهته تلك الدول، كما أننا لا نعاني تشريعياً من الثغرات والعيوب التشريعية والقانونية التي كانت وراء الانهيارات في بعض الأسواق· أما بالنسبة إلى الشق المتعلق بتأثير الحمائية في الساحة الخليجية فأعتقد أننا تجاوزنا في مجلس التعاون الخليجي هذه المخاوف، خصوصاً أن حركة التجارة البينية تطورت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تحسن مستوى الطلب إلى درجة لم يعد هناك مبرر لأي نوع من أنواع الحماية، فضلاً عن أن الأسواق الخليجية شهدت انفتاحاً على أسواق عالمية عديدة ساهمت هي الأخرى في تحسين الطلب على المنتجات الخليجية بحيث لم تعد تعتمد فقط على الأسواق الإقليمية أو الوطنية بعد أن توافرت لها منافذ تصدير خارجية· ؟ هل تأخر في رأي سموكم قيام السوق الخليجية المشتركة؟ واستتباعاً السوق العربية المشتركة؟ ؟؟ لقد خطا التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون خطوات عديدة منذ توقيع الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس، وتم إقرار العديد من التشريعات على طريق تحقيق المواطنة الاقتصادية الخليجية لأبناء الدول الأعضاء في المجلس· وقد تكون هذه الإنجازات أقل من الطموح الذي ينشده أبناء المجلس، لكن ما تحقق حتى الآن يمكن أن يشكل قاعدة تحفز على استمرار العمل الخليجي واستكمال مؤسساته وأطره التشريعية والقانونية· وبالنسبة إلى السوق الخليجية المشتركة فقد قطعت شوطاً لا بأس به خصوصاً بعد إقرار اتفاقية الاتحاد الجمركي والتعريفة الجمركية الموحدة التي تشكل الركن الأساسي في السوق المشتركة، ونحن نأمل أن يسهم قيام السوق الخليجية المشتركة في تسريع خطوات إنشاء سوق عربية مشتركة، خصوصاً أن هناك اتفاقية لإنشاء منطقة تجارة حرة عربية، فضلاً عن أن العديد من الدول العربية انضمت إلى اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تفرض فتح الأسواق فيما بين الدول الأعضاء في الاتفاقية، وهو أمر يساعد على انفتاح الأسواق العربية على بعضها البعض· ؟ هل تأخر كثيراً قيام الاتحاد النقدي الخليجي؟ وما هي الأسباب الجوهرية التي تعيق قيامه؟ وهل تقف دولة الإمارات موقفاً يمكن أن يعطّل قيام العملة الخليجية الموحدة؟ ؟؟ حتى الآن فإن الخطوات الخاصة بقيام الاتحاد النقدي بين دول مجلس التعاون تسير وفق الجدول الموضوع لها، وقد قطعت السلطات النقدية في الدول الأعضاء في المجلس خطوات كثيرة على طريق استكمال إجراءات توحيد العملة· وإذا كان هناك بعض التفاوت في الرؤى إزاء هذه المسألة من حيث التوقيت ومن حيث الشروط الواجب توافرها قبل إطلاق العملة، فإن هذا لم يخل بالالتزام الأساسي لدول المجلس بالعمل على إيجاد وحدة نقدية خليجية·· ونحن في الإمارات ليست لدينا من حيث المبدأ أي تحفظات على العملة الخليجية الموحدة، ونحن حريصون على دفع الجهود في هذا الاتجاه بأسرع وقت ممكن· ؟ في رأي سموكم ما هو السعر العادل لبرميل النفط؟ وماذا ينبغي على الدول المنتجة والمستوردة للنفط أن تفعله لتحقيق المصلحة المشتركة فيما بينها؟ ؟؟ رؤيتنا للسعر العادل للنفط هي جزء من رؤية منظمة ''أوبك'' التي نحن عضو مؤسس وفاعل فيها، وهذه الرؤية قائمة على قراءة تحليلية لواقع السوق النفطية وبدائل الطاقة، فضلاً عن أوضاع الاقتصاد العالمي وأسعار الصرف وغيرها من العوامل الاقتصادية والفنية، وكأعضاء في منظمة ''أوبك'' ومن خلال إدراكنا لمسؤولية الدول المنتجة للنفط إزاء الاقتصاد العالمي دعونا إلى تعاون مشترك بين الدول المنتجة داخل وخارج ''أوبك'' والدول المستهلكة من أجل الوصول إلى استقرار في الأسعار يسمح باستمرار النمو في الاقتصاد العالمي ويضمن للدول المنتجة سعراً عادلاً، خصوصاً أن النفط يشكل بالنسبة إلى الغالبية العظمى من هذه الدول مصدر الدخل الوحيد· كذلك يجب إيجاد آلية للرقابة على السوق تمنع عمليات المضاربة الضارة التي تقوم بها أطراف من خارج المعادلة النفطية ويهمها الربح السريع بغض النظر عمّا يلحق بالمنتجين والمستهلكين من أضرار، كما يجب وضع معايير في شأن الضرائب المفروضة على البترول التي باتت عبئاً أكبر من عبء السعر الأصلي للنفط· ؟ انتهجت حكومة دولة الإمارات على مرّ السنوات والعقود الماضية سياسة بناء الصداقات وتعزيز الروابط وعلاقات التعاون مع كل الدول الشقيقة والصديقة دون استثناء، وقد نجحت في أن تنأى بنفسها عن التوترات التي تشوب العلاقات بين الدول بين الفينة والأخرى، خصوصاً بين الدول العربية، وتمكنت من المحافظة على معادلة التوازن في سياستها الخارجية·· أين تقف دولة الإمارات اليوم من الخلافات العربية ـــ العربية؟ وكيف تعمل على تقريب وجهات النظر بين الأشقاء المتخاصمين؟ وكيف تنظرون سموكم إلى التشرذم الحاصل الذي يفرّق العرب بعضهم عن بعض؟ ؟؟ علاقات الإمارات بمحيطيها الإقليمي والدولي تقوم على ثوابت وضع أسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومن بينها الابتعاد عن سياسة المحاور، واحترام علاقات الجوار، والانتصار للحق وفق شرعة القانون الدولي ومبادئه· وقد استطعنا- بحمد الله وبفضل هذه الأسس الحكيمة- أن نكسب احترام الجميع وثقتهم حتى في الحالات التي لم تكن فيه اختياراتنا متطابقة مع اختيارات بعضهم، وقد أثبتت الأحداث والتطورات التي مرّت بالمنطقة العربية صحة هذه السياسة، وهو ما زادنا تمسكاً بها والحرص عليها في علاقاتنا مع الجميع· ونحن إذ نأسف لما يمرّ به العالم العربي من خلافات بين الفينة والأخرى، فإننا نجد أن السياسة الخارجية المتوازنة التي ننتهجها تعطينا مساحة حوار واسعة مع الجميع، حيث نكــون قـــادرين على توظيـــف هذه العلاقـــات في محاولة لرأب الصدع بين الأطراف العربية وتقريب المواقف والوصول إلى قواسم مشتركة تنتشل الصف العربي من حالة التشرذم التي يعيشها·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©