الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة السورية... على الموقد الأمامي؟!

الأزمة السورية... على الموقد الأمامي؟!
29 أكتوبر 2011 09:15
بعد أن أنهى مقتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي تسعة أشهر مما بدأ ثورة ثم تحول إلى حرب أهلية، من المرجح أن يتركز الاهتمام الإقليمي والدولي اليوم بشكل أكبر على سوريا، البلد العربي الآخر الذي يرزح هو أيضاً منذ عدة أشهر في دوامة اضطرابات وأعمال عنف مناوئة للنظام. وفي هذا السياق، يقول آندرو تابلر، الخبير في الشؤون السورية بمعهد واشنطن ومؤلف كتاب نشر حديثاً حول ذلك البلد: "أجل إن الاهتمام سينتقل إلى سوريا، ولاسيما في وقت يزداد فيه العنف ويكبر فيه حجم انتهاكات حقوق الإنسان. وسيصبح الأمر كذلك بالخصوص في حال بدأ لاعبون إقليميون يدعمون فصائل مختلفة في البلاد". والاحتجاجات، التي ازدادت وتقوَّت بعد انهيار نظام القذافي، اندلعت عبر أرجاء سوريا وفي كل أسبوع تبلغ الذروة في مختلف المدن السورية بعد صلاة الجمعة، وهذا ما وقع بالفعل يوم الجمعة الماضي الذي عرف حركة احتجاج عاصفة. وكانت قوات الأمن قد قتلت 16 مدنيّاً على الأقل قبل الظهيرة، 10 منهم سقطوا في مدينة حمص المشتعلة التي تحولت خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى البؤرة الرئيسية للنشاط المناوئ للنظام. وفي التينة، جنوب منطقة حوران، ظهر المتظاهرون على شريط فيديو وهم يهتفون "القذافي مات". وقال ناشط معارض للأسد في حي باب عمرو المحاصر بمدينة حمص: "إن الأخبار حول (مقتل) القذافي لم تزدنا إلا عزماً وتصميماً على مواصلة ثورتنا"، وأضاف هذا الناشط الذي تم الاتصال به عبر موقع "سكايب" وطلب أن يشار إليه باسم "شادي" فقط خوفاً من عمل انتقامي: "لقد أعطانا ذلك شحنة معنوية كبيرة". والحال أن إشارة المحتجين السوريين إلى التجربة الليبية كانت ربما هي المثال الأكثر دراماتيكية للكيفية التي امتدت بها تداعيات موت القذافي عبر المنطقة التي تم فيها بث مقاطع الفيديو للحظات الأخيرة للزعيم الليبي المخلوع، إلى جانب صور جثته وهو ميت، وقد ظلت تلك المشاهد تترى بشكل متكرر ومتواصل على شاشات القنوات التلفزيونية العربية. وفي يوم الجمعة، قتلت قوات الأمن السورية 24 شخصاً على الأقل، من بينهم 19 شخصاً في حمص، حسب "لجان التنسيق المحلية" في سوريا، وهو ائتلاف معارض للأسد. وقد أصدرت اللجان بياناً يشيد بكفاح الليبيين ويعقد مقارنات مع سوريا. ومما جاء فيه: "إننا كمشاركين في معركة مماثلة من أجل الحرية نحيي الانتصار العظيم الذي حققه الشعب الليبي ونهنئه عليه... و(نؤكد أنه) لا تراجع عن مطلب الحرية". غير أن وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" نفت التقارير التي تحدثت عن مقتل مدنيين على أيدي القوات الحكومية وقالت إن "مجموعات إرهابية مسلحة" قتلت جنديّاً ومدنيين في حمص وحماة. هذا وقد أصبحت احتجاجات الجمعة حدثاً أسبوعيّاً عاديّاً في سوريا منذ بدء المظاهرات الكبيرة في مارس الماضي. ولكن بعض النشطاء يقولون إن القمع الحكومي الوحشي أصبح روتينيّاً أيضاً. يذكر هنا أنه إلى جانب الاحتجاجات السلمية، فإن بعض المعارضين للأسد حملوا السلاح أيضاً ضد الحكومة؛ ولكن حجم المعارضة المسلحة ما زال غير معروف. وتقول الحكومة إن المجموعات المسلحة التي تشتغل تحت "أجندة خارجية" -في إشارة مشفرة ربما إلى واشنطن وحلفائها الإقليميين- تعمل على تأجيج الاضطرابات. وقد استقبلت مواقع التواصل الاجتماعي المرتبطة بحركة الاحتجاج السورية الأخبار القادمة من سرت بتلهف، وقامت بالإشارة على نحو متكرر إلى مقتل القذافي الذي قتل في تلك المدينة الليبية. وفي هذا السياق يقول منصور، وهو فنان سوري مقيم في بيروت، إنه فر من بلده مخافة الاعتقال: "إن القبض على القذافي ومقتله وقعا في لحظة مهمة بالنسبة للسوريين". وأضاف منصور الذي طلب عدم نشر اسمه الكامل لأسباب أمنية: "لقد كانت المعنويات في الحضيض... ولكن هذا يرفع معنويات المحتجين". وحسب بعض الروايات، فقد واجه المحتجون يوم الجمعة الماضي تعزيزات أمنية في ما قد يمثل مؤشراً على أن الحكومة السورية كانت تتوقع أن يقوي مقتل القذافي خصومها ويزيدهم ثقة. كما تحدث شهود في منطقة باب عمرو في حمص عن إطلاق نيران من مدافع رشاشة وأسلحة مضادة للطائرات ومركبات مدرعة، ومن ذلك الدبابات، وغيرها من مظاهر التسلح الثقيلة. ومع ذلك، يقول بعض النشطاء، فقد خرج المحتجون في أماكن كثيرة، من ضمنها ضواحي العاصمة دمشق نفسها، وعمت الاحتجاجات العارمة معظم مناطق البلاد. وحسب الأمم المتحدة، فقد قتل 3 آلاف على الأقل منذ بدء الانتفاضة في منتصف شهر مارس الماضي. وكانت الحرب الأهلية في ليبيا، حيث قاتل الثوار المدعومون من قبل قوات "الناتو" باستماتة إلى أن وصلوا إلى العاصمة طرابلس حيث حملوا قوات القذافي بشكل بطيء على التراجع والتلاشي حتى وصلت انتصاراتهم المتلاحقة إلى مقاومة الزعيم الليبي السابق النهائية في مسقط رأسه مدينة سرت حيث قتل في النهاية، وقد شكلت كل تلك المواجهات التي جرت في ليبيا قصة خبرية دراماتيكية قوية تلقاها السوريون بكثير من المتابعة والاهتمام. ولكن التأثير الأكبر للثورة في ليبيـا يبدو صغيراً نسبيّاً مقارنة مع التداعيات الممكنة للانتفاضة في سوريا. فتحت قيادة عائلة الأسد على مدى الأربعين عاماً الماضية، أمَّنت سوريا تحالفات قوية وثابتة. كما أنها تمارس أنواعاً مختلفة من التأثير عبر المنطقة، تتقاطع مع خطوط التصدع الرئيسية في الشرق الأوسط من النزاع العربي الإسرائيلي والتنافس بين الدول السنية العربية والشيعية غير العربية. وفي حال انهار نظام الأسد وصعدت إدارة جديدة تعكس بشكل أفضل الأغلبية السنية في سوريا، فإن ذلك سيمثل خسارة لإيران التي تعد أقرب حلفاء الأسد في المنطقة، وسيُضعف ما يسمى "محور الممانعة" الذي يوحد بلداناً ومنظمات معارضة لإسرائيل والمصالح الغربية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، وعلى رغم ارتفاع حصيلة القتلى في سوريا، إلا أنه لا توجد رغبة دولية قوية حتى الآن لنقل مهمة الدعم التي يقوم بها "الناتو" في ليبيا إلى سوريا. وأكثر من هذا، فإن جامعة الدول العربية، التي أعطت إشارة الضوء الأخضر في البداية لـ"الناتو" بخصوص الحملة الليبية، من غير المرجح أن توافق على تدخل غربي في سوريا؛ كما أن روسيا والصين، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، ما زالتا تعارضان بشدة التدخل الأجنبي في سوريا على نحو ما جرى في الحالة الليبية. غير أن المواجهة في سوريا أخذت تتحول تدريجيّاً إلى نزاع مسلح، إذ يعتقد أن "الجيش السوري الحر"، المؤلف من منشقين عن القوات السورية النظامية، مسؤول عن عدد متزايد من الهجمات على قوات الأمن حيث يقوم بنصب كمائن على جنبات الطرق، ويحاول عزل جيوب في شمال البلاد في محيط إدلب وبالقرب من حمص. غير أنه إذا كان الانزلاق إلى نزاع مسلح أمراً متوقعاً على نطاق واسع من قبل المحللين، فإن ميزان القوة العسكرية في الوقت الراهن يرجح كفة النظام، بشكل واضح. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تكثيف للنزاع ومزيد من أعمال العنف وسقوط عدد أكبر من الأرواح في وقت يقدم فيه اللاعبون الإقليميون المنافسون دعماً أكبر لفصائل مختلفة في سوريا. وفي هذه الأثناء، وبينما يشارف دور "الناتو" في ليبيا على نهايته، يمكن القول إن نظام الأسد المحاصَر قد يشرع قريباً في تحمل وطأة ضغوط دبلوماسية دولية متزايدة خلال المقبل من الأسابيع. نيكولاس بلانفورد - بيروت ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©