لكبيرة التونسي (أبوظبي)
تحولت الرحلات المدرسية في المدارس من مجرد نزهة ترفيهية إلى نشاط لاصفّيٍّ يخدم المنهج الدراسي، يعتمد كوسيلة تربوية داعمة لما يتلقاه الطلبة في الصفوف، بحيث يساعدهم على التعلم والاستفادة بالنظر والتجريب، ورغم ما تحققه الرحلات من استفادة علمية، ظهرت مدارس تجرد الرحلات من الجانب المعرفي وتركز على الجانب الترفيهي فلا تحقق إضافات غير التسلية واللهو، كتلك التي تنظم إلى المراكز التجارية ومدن الألعاب.
نشاط موازٍ
تندرج الرحلات المدرسية، التي تنشط مع اعتدال الطقس، ضمن برامج الأنشطة الطلابية اللاصفية، وبات التركيز عليها كبيراً بصفتها وسيلة تربوية للتحفيز والتشجيع والتغيير وتنمية القدرات، إضافة إلى انفتاح الطلبة على المجتمع الخارجي والتزود بمعلومات عامة، وربط ما يتعلمونه بواقعهم، وزيادة انتمائهم الوطني من خلال قيامهم بزيارة معالم الدولة والاطلاع على إنجازاتها الكبرى، كما تسمح الرحلات بالتعرف إلى شخصية الطالب خارج الضوابط الصفية، وتزيد تواصله مع المعلم والزملاء. وتعلمه المسؤولية والانضباط والاعتماد على النفس، ما يسهم في بلورة فكر جديد لديه.
إلى ذلك، تقول أماني عطا، أخصائية اجتماعية بمدرسة إنترناشيونال كومينيتي، إن الرحلات المدرسية تدرس بعناية فائقة.
وحول أهداف الرحلات، تقول: «هناك رحلات تعرف الطلبة إلى المجتمع المحلي كالوزارات والمجلس الوطني والشرطة المجتمعية، وتطلعهم على سير العمل بها ما يسهم في تعزيز الهوية الوطنية لديهم، وهناك رحلات تنمي الحس الإدراكي لدى الطلبة من خلال زيارة المصانع لمشاهدة الجانب التطبيقي، وتعزيز ما يدرسونه نظرياً في الصفوف»، مشيرة إلى تنظيم رحلات إلى العديد من المعارض والمهرجانات الفنية والثقافية كمعرض الكتاب، ومهرجان «بالعلوم نفكر».
اختيار مدروس
ترى عطا أنه لا يمكن اختصار الرحلات المدرسية في الجانب العلمي والثقافي، بل يجب أن تكسر جمود المادة التعليمية أيضا. وتقول «لتخفيف ضغط الدراسة ننظم رحلات ترفيهية لا تخلو من توجيه لخدمة المنظومة التعليمية، وبعد العودة منها يتم تقويمها من خلال مادة إنشائية عن الرحلة، ما يرفع التنافسية لإيجاد أجمل العبارات ما يغني رصيدهم اللغوي، ويكسبهم مفردات جديدة، وبالتالي تخدم الرحلة الترفيهية أكثر من هدف».
وفيما يخص تنظيم مدارس رحلات خارج الدولة، تقول عطا إن مجملها يدخل في الإطار التثقيفي، مشيرة إلى أن «انترناشيونال كومينيتي» نظمت رحلة إلى بريطانيا بدعوة من نادي كرة القدم، اطلع الطلبة من خلالها على تجربته، كما أتيحت لهم فرصة إجراء مقابلات مع أعضائه.
وينوه رشيد عبد الحميد، منسق الأنشطة ومدرس بمدرسة النهضة الوطنية بنين، بأهمية الرحلات المدرسية، مشيراً إلى أنها داعم للعملية التعليمية، ورافد مهم لها، وخاصة تلك التي تنظم في إطار من الانضباط والمسؤولية.
ويقول إن الإدارة المدرسية الواعية تعد الرحلات المدرسية من أهم الأنشطة الموازية للمدرسة لإغناء قدرات التلميذ التربوية والاجتماعية، وتحرير الطالب من ضوابط الصفوف، خاصة إذا وضع لها برنامج هادف.
وعن آلية تنظيم الرحلات المدرسية، يقول «توكل مهمة اختيار ودراسة نوعية الرحلات المدرسية، وتوقيتها للجنة، بما يتوافق مع رؤية المدرسة التي تعمل على بناء شخصية التلميذ على جميع المستويات العلمية والثقافية والنفسية والمعرفية والتكوينية، وبما يتناسب مع أعمار الطلبة وعادة تستغرق الزيارة التي نقوم بها بالتنسيق مع الجهة المستقبلة أكثر من ساعتين، تقدم خلالها محاضرة يتخللها طرح الأسئلة من الطلبة، بينما يجيب المستضيفون، أما المرحلة الثانية من الرحلة فتتمثل في وصف الرحلة واستخلاص العبرة منها». ويذكر أن مدارسَ تختار طلبة مميزين للقيام برحلات مدرسية إلى جهات معينة تكريماً لهم على تميزهم، ما يزرع روح المنافسة في صفوف الطلبة.
وجه آخر
للرحلات المدرسية وجه آخر يبتعد عن الأهداف التربوية الموضوعة لها، في هذا الإطار، تنتقد حنان الجنيبي الرحلات المدرسية التي تقتصر على الجانب الترفيهي، مشيرة إلى أن الرحلات أصبحت مشكلة مادية للأسرة متعددة الأطفال، كما أنها أصبحت مصدر تفاخر بين الطلبة.
وتتابع أن بعض المدارس تنظم رحلات خارج الدولة بمبالغ خيالية، مفضلة أن تخدم الرحلات المنظومة التعليمية وتنمي المهارات، وتعلم الطفل المسؤولية والاعتماد على الذات، بحيث كانت تنظم للاطلاع على سير العمل في المصانع والشركات، وزيارة المتاحف والأماكن المفتوحة.
ويشاطرها الرأي محمد الأمين، الذي يرى أن الرحلات المدرسية وسيلة تعليمية مهمة، لكن يجب إعادة النظر في تكلفتها التي أصبحت تثقل كاهل أولياء الأمور، بينما تشعر الأطفال بالدونية، خاصة الذين لا يتمكنون من الاستفادة منها بسبب كلفتها.
وتقول شيخة السويدي: «نريد أن نلمس إضافات جديدة إلى خبرات أبنائنا من خلال هذه الرحلات بحيث تثري أفكارهم وإبداعاتهم، وتحفزهم على الابتكار»، مطالبة بإعادة النظر في الرحلات المدرسية التي تركز على الجانب الترفيهي فقط.
والمفارقة أنه وفق سياسة مجلس أبوظبي للتعليم، فإنه يحظر بشكل تام تحصيل أي رسوم من الطلبة، وعند تقديم استمارة طلب الرحلة المدرسية يتعين على المعلم المنظم للرحلة أن يقدم ملخص التكلفة، مفندا كل بنود النفقات بما في ذلك أي رسوم متعلقة بالموقع وكافة المخصصات المطلوبة، موضحة أن رسوم الرحلات تخصص من ميزانية المدرسة على النحو الذي يعتمده المدير.
وجهة مثالية
من المرافق الجديرة بالرحلات المدرسية حديقة المشرف المركزية في أبوظبي لما تزخر به من بيئات متنوعة تسهم في إنجاح العملية التعليمية عن طريق النظر والتجريب.
وتقول تانوجا كوثيري، المدير العام لمشروع الحديقة،
«ارتكزت الرؤية التطويرية لحديقة المشرف المركزية على إنشاء مرافق تعليمية ترفيهية يمكن الاستفادة منها في سنوات التعليم الأولى مثل حظيرة الحيوانات، التي تعرف بالحيوانات المحلية وخصائصها».
وتتابع: «تقدم حديقة النباتات فرصة لزراعة مجموعات مختلفة من النباتات لأغراض البحث والتعليم. وقد تم تقسيم الحديقة إلى مناطق مختلفة بحسب نوعية النباتات المزروعة فيها»، مشيرة إلى أن الحديقة تضم نحو 200 نوع من النباتات الإقليمية وللعديد منها أهمية ثقافية وتاريخية.
كما استقبلت مدينة مصدر منذ بداية العام الجاري، نحو خمسة آلاف طالب يمثلون 135 مدرسة من مختلف أنحاء الدولة. ويتضمن برنامج الرحلات جولة في مختبرات المعهد برفقة دليل، وزيارة مركز الإبداع البيئي، ومركز لوكهيد مارتن للابتكار، ومحطة الـ10 ميجاوات للطاقة الكهروضوئية.
وتقول الدكتورة نوال الحوسني، مدير إدارة الاستدامة في «مصدر»: «تستقبل مدينة مصدر وفودا من طلبة المدارس من سائر الإمارات على مدار العام، حيث نحرص على تطوير الكوادر البشرية من خلال عرض منظومة الابتكار المتوافرة في المدينة وتعريف طلبة المدارس بأحدث الأبحاث في معهد مصدر لتحفيزهم على الانخراط بالدراسات العلمية، وتشجيعهم على الابتكار، وتبني مفاهيم الاستدامة».
هندسة بعد الرحلة
كان حائرا ومترددا في اختيار الجامعة المناسبة لاستكمال دراسته العليا، لكن زيارة واحدة لشركة بترول، كانت كفيلة بتوجيه سالم محمد للالتحاق بالمعهد البترولي التابع لشركة أدنوك بعد حصوله على الثانوية العامة. وعن استفادته من الرحلات المدرسية يقول: «سمحت لي تلك الرحلة بالتعرف إلى التخصصات المطلوبة للعمل في مثل هذه الشركات الكبرى، ومن خلال طرح أسئلة واستفسارات تم توجيهي للدراسة في معهد مصدر»، مؤكدا أن بعض الرحلات تغير نظرة الطالب للمستقبل.
معلومات جديدة
تقول الطالبة مي سالم، التي سبق لها وزارت الحديقة الإسلامية بالشارقة، التي تعرض نباتات ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، إنها «تعلمت أشياء كثيرة عن هذه النباتات من المعلومات التي وفرتها الحديقة من خلال الشاشات الذكية، ومعرفة تفاصيل عن منشأ النبتة وسبب ظهورها واستعمالاتها».
الصحة والسلامة
وفق مصدر في مجلس أبوظبي للتعليم، فإنه يتعين اتخاذ احتياطات السلامة المناسبة أثناء الرحلات المدرسية، بحيث يجب توافر أدوات الإسعافات الأولية في كل حافلة من الحافلات المستخدمة في نقل الطلبة، وتوافر أدوات إضافية في موقع الرحلة، كما يجب على المعلمين المنظمين التأكد من وجود أدوات الإسعافات الأولية في موقع الرحلة، فضلاً عن أنه يجب الموافقة على أي رحلة إلى أماكن غير تلك الواردة في قائمة المواقع المعتمدة.
عدد اليوم
