الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«المغضوب عليهم».. شريط شائك وشائق عن التجارب والأحلام الضائعة

«المغضوب عليهم».. شريط شائك وشائق عن التجارب والأحلام الضائعة
17 أكتوبر 2012
أحمد علي البحيري (أبوظبي) - في أحداثه يمكن إدراج فيلم “المغضوب عليهم” في إطار سينما المواجهة، ففيه جدلية قديمة متجددة تؤطر لصراع الفن والحياة، كما أنه يحمل خصوصيته وإشكالياته ورهانه في معالجة موضوع معاصر جدا، حول مفهوم الإرهاب الفكري، وما يلحق به من ثيمات صغيرة حول الأصولية والتشدد، والتحديات التي يواجهها الإسلام من منظور غربي. فيلم “المغضوب عليهم” للمخرج المغربي محسن بصري، عرض ضمن منافسات مسابقة آفاق جديدة في 88 دقيقة من إنتاج مغربي سويسري. ولعل ما يثير في هذا الشريط هو عنوانه الذي جاء كبيرا بحجم القضية المطروحة، وبحجم الجهد الإخراجي، وبقوة السينما الطليعية التي يقدمها لنا بمفهوم سينما المهرجانات، وإن كان يلامس في جوانب منه مفهوم صدام الحضارات. الفيلم قبل أن يلقى كل هذا الاحتفاء من جمهور مهرجان أبوظبي السينمائي السادس، سبق له أن حقق احتفاءً جماهيرياً خاصاً بعد عرضه في عدد من دور السينما المغربية، تزامناً مع ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كما حصل على شهادة تنويه وتقدير من اللجنة التحكيمية لمهرجان “كارلوفي فاري” في جمهورية تشيكيا، في دورته السابعة والأربعين، ضمن عروض المسابقة الرسمية للمهرجان. كما عرض بنجاح طيب في مهرجان (أوسيان سيني فان للسينما الآسيوية والعربية) في نيودلهي، ضمن قسم حرية الإبداع. وهكذا يأتينا هذا الفيلم الجريء الذي يسجل للذاكرة معالجة جديدة لموضوع الإرهاب الفكري، الذي بات جزءا من نسيج عصرنا، أما فكرته فتحكي مأساة أعضاء فرقة مسرحية متجوّلة، يجري اختطافهم من قبل مجموعة من المتشددين، بناء على أمر من زعيمهم الروحي، فيما كانوا يقدّمون عرضاً مسرحياً، قدّر له ألاّ يكتمل، بفعل هذه الواقعة المباغتة. ربما يكون أجمل ما في هذا الفيلم هو القيمة الإنسانية والفكرية والسياسية التي تكشفها المشاهد لأعضاء الفرقة خلال فترة احتجازهم، حيث نرى شريطاً شائكاً وشائقاً من حياتهم وتجاربهم، وظروف معيشتهم وأحلامهم الضائعة، ودفاعهم المستميت عن فنّهم وإبداعهم، ومع هذه المعطيات تتشكل محورية وذروة وحبكة الفيلم في تعاطف الخاطفين منهم، بعد أن يكتشفوا عبث قضيتهم التي يدافعون عنها، بعد أن شاهدوا أحد أعضاء الفرقة وهو يقدّم على الانتحار تخلّصاً من أزمة الموقف، مضافاً إليها جملة الأزمات التي يعانيها الفنان في حياته وعواطفه. كما يبدو فإن الفيلم يلعب على اصطلاح الإرهاب، ولكن على طريقته الخاصة من منظور إنساني يتكئ على رؤية الفن للحياة، ورؤية الغرب لمفاهيم الدين الإسلامي، وربما يكون أهم ما في معالجة محسن البصري لهذا الموضوع هو خروجه من دائرة النمطية التي شاهدناه في معظم الأفلام العربية، إلى منطقة عقلانية تلامس الجانب الإنساني في شخصية وحياة الإرهابي الذي قد يعيش ذات الحالة التي يعانيها المخطوف على يديه. باختصار يخرج فيلم “المغضوب عليهم” من التقليدية إلى المعاصرة من خلال تقديم مفهوم الإسلام المعتدل، بخطاب سينمائي حافل بالمشهدية البصرية، على مستوى مكونات التصوير والتعبير التمثيلي الممتزج بلمسات مسرحية سينمائية في التقاطعات، من دون أن تتخلى التقنية عن التأسيس لبعد فكري يمجد فكرة حرية التعبير، بعيدا عن غموض الأفكار التي يحرم بعضها الإبداع والفنون. نعتقد أن المخرج كان موفقاً إلى حد بعيد في اختيار ممثليه: جميلة لهوني، ماريا لالواز، عمر لطفي، أمين التاجي، مصطفى الهواري، عبد النبي البنيوي، ربيع بنجهيل، عصام بوعلي، وآخرون، حيث وصلتنا معاني المشاهد والأحداث صافية، من خلال انسيابية في التمثيل، وبخاصة لدى ماريا لالواز وأمين التاجي حيث شكلا ثنائياً بارعاً، مضافاً إلى الروح الجماعية في الأداء القريب من عمق المسرح، ليقرب للمشاهد فكرة صراع جدلية الفن والحياة، فيما حمل السيناريو مرجعية من السرد الواقعي مع ثبات وتسلسل للأحداث دونما تشتيت، وهو ما ساهم في بناء فيلم متماسك ببنية سردية قوامها الوصف الفني والتعبير بالصورة الداخلية، والإحساس الإنساني. وبكل هذه المعطيات نجح “المغضوب عليهم” في الخروج من غضب التشدد إلى سلاسة يتقبلها الجمهور على الرغم من جمع الجميل بالقبيح، لنشاهد في النهاية فيلماً جميلاً وعميقاً ومدهشاً في غناه وثرائه بالمعلومات، وحتى دوافع وسلوك الشخصيات كان طبيعيا متدفقا مع الحالة السينمائية التي ينشدها الفيلم إلى حد تماهي المتفرج مع الشخصيات. لا نقول أن فيلم “المغضوب عليهم” لا مثيل له، ولكنه فيلم ممتاز ومختلف في رؤيته ومعالجته ولغته السينمائية وطريقة تناوله، وربما يكون في الشكل العام أقرب الأعمال إلى فيلم “قيصر يجب أن يموت” للأخوين باولو وفيتوريو تافياني بتسللهما معا نحو ثنائية الأدب والفن في تناسقها الداخلي، لتقديم تجربة دافئة قاسية تلامس واقع ومشاعر المتفرج. هنا جمال الطرح، والرؤية المستقبلية للمنظور السينمائي، من خلال فيلم يحمل الهوية المغربية، ويرتدي جلبات الإبداع الحداثي، ليرى المتفرج في الصورة السينمائية حقيقة عصر بات مهزوماً لأنه مصاب بـ(فوبيا الإسلام).
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©