الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيطان.. ساكن لكن!

11 نوفمبر 2014 22:44
اختلفت الآراء حول المكان الذي يسكنه الشيطان، وليس هُناك إجماع على عنوان سكن الشيطان. هُناك من قال: إنه يسكن التفاصيل، ومن قال: إنه يقيم في الأماكن والمدن الفاضلة ليجعل أهلها يهجرونها إلى المدن المرذولة، لكن القول الفصل في ذلك، هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، «استعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، لأن لو تفتح عمل الشيطان». وإذا كانت (لو) هي مفتاح عمل وسكن الشيطان، فإن (لكن)، هي بيته ومقر إقامته الدائم وعنوانه المستمر الذي لا يغيره،(لكن) كلمة المنافقين والمحايدين الذين لا يحسمون أمراً، ولا يقدمون ولا يؤخرون.(لكن) لغة المذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، وكان رائد النحو العربي وأسطورته «سيبويه» يردد دائماً في كل مناسبة: أموت وفي نفسي شيء من (حتى)، وكان غيره من النحويين الكبار، أمثال الفراء، والزجاج، والفتح بن جني يقولون: (حتى) لفظ منافق، و(لكن) لفظ مراوغ، (حتى) حيرت «سيبويه» وغيره لأنها غير مستقرة ولا واضحة ولا قاطعة، فهي مرة حرف جر، ومرة أداة نصب، ومرة تأتي زائدة لا عمل لها في الجملة – ومرة يقال إنها غائية أي بمعنى الغاية، ومرة يقال إنها تعليلية – أنفاسك تنقطع وأنت تركض خلف حتى دون أن تعرف لها اتجاهاً أو غاية، وتجد نفسك في النهاية تقول ما قاله سيبويه: أموت وفي نفسي شيء من «حتى». نفس اللهاث والعذاب والمعاناة تصاحبك، وأنت تطارد (لكن)، فهي مرة حرف عطف، ومرّة من أخوات إنْ، وتنصب وترفع وتجر (على هواها)، وهذا الذي قلته ليس درساً في النحو العربي وأصوله وفقه اللغة، ولكنها محاولة لإلقاء الضوء على المواقف المائعة والمنافقة من كل القضايا، وليس أفضل من (لكن) إذا أجبر المنافقون على إعلان مواقفهم من أي قضية، وخصوصاً قضية الإرهاب الذي اعتبره صناعة عربية بامتياز، فنحن الذين صنعوا الإرهاب والإرهابيين، وتعهدناهم بالتربية والتسمين، فلما كبروا كنَّا أول فرائسهم. نحن الذين رعوا الإرهاب، واحتضنوه من خلال استخدامنا المفرط لكلمة (لكن)، فقد قلنا دوماً: نحن ضد الإرهاب بكل أشكاله وألوانه، ولكن – وبعد (لكن) هذه كل التأييد والدعم للإرهاب على أساس أنه مقاومة مشروعة للاحتلال والظلم والاستبداد. نحن ضد الإرهاب بكل أشكاله، ولكننا مع المقاومة بكل أشكالها – وظللنا سنوات طويلة ندور في حلقة مفرغة بشأن التفريق بين المقاومة والإرهاب. وتحدثنا عن شيء غير مفهوم اسمه إرهاب الدولة، وقلنا إن إرهاب الدولة هو الذي فجر إرهاب المنظمات والجماعات. أنا أكره (لكن) جداً، وأكره هذا الذي نسميه في اللغة الاستدراك، وأكره الحياد لأنه في كثير من القضايا، بل في كل القضايا هو اللا موقف، واللا حسم. الحياد خيانة، ولا يوجد ما يسمى الحياد الإيجابي والحياد السلبي. الحياد كله نقيصة – والمحايد مع الإرهاب خائن، بل هو أيضاً إرهابي، ولا وجود لكلمة (لكن) إذا تعلق الأمر بمصير وطن وأمة، ومن ليس ضد الإرهاب فهو معه، ومن استخدم (لكن) في توصيف الظاهرة الإرهابية، فهو إرهابي، وهو مع الإرهاب، والذي يمسك العصا من المنتصف هو (الرقاص) أو الراقص. والأمة امتلأت عن بكرة أبيها بالراقصين على السلم، الذين يرقصون مع الإرهاب في السر، ويرقصون مع الشعوب في العلن، ويرقصون مع أعداء الخارج تارة، ومع أعداء الداخل تارة أخرى. وهؤلاء الذين نسميهم في الإعلام المحللين السياسيين والخبراء الاستراتيجيين، والخبراء في شؤون الجماعات الإرهابية هم أمهر الراقصين في العالم العربي، ولست أدرى ما معنى (خبير متخصص في شؤون الجماعات الإرهابية).. إن هي إلا أسماء سموها هم وآباؤهم وإعلاميوهم، ما أنزل الله بها من سلطان. و«الإخوان» ومن دار في فلكهم أكثر الناس استخداماً للمفردات والمصطلحات المائعة، مثل (لكن)، فهم يعلنون مثلاً تأييدهم لمكافحة الإرهاب، وضرب «داعش» وأضرابه، ولكن. وهم يؤمنون بالديمقراطية ولكن، أي هم يؤمنون بالديمقراطية التي توصلهم للحكم والسلطة، وبعد ذلك لا ديمقراطية ولا حرية. وقد قيل، إنهم يؤمنون بالديمقراطية لمرة واحدة فقط حتى يفوزوا في الانتخابات، وبعد ذلك ينتهي كل شيء، وهم يجيدون الرقص مع الإرهاب، ويجيدون الرقص مع الحكومات، ويجيدون الرقص مع المعارضة، ويجيدون الرقص مع الشرق ومع الغرب، وعندهم لكل كلام لحن، ولكل لحن كلام. وهذا ما يراه البعض سياسة ودبلوماسية ومواءمات، لكني أراه نفاقاً ولحناً في القول. والمنافقون تعرفهم في لحن القول، والنفاق آفة عربية قديمة، وهو مصدر كل بلاء، وكل مأساة في هذه الأمة، فلا ترى شيئاً واضحاً ولا قاطعاً ولا نهائياً. والناس في هذه الأمة سحرهم لحن القول الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال ما معناه: «يأتيني الخصمان، فيكون أحدهما عليه الحق، لكنه ألحن من صاحبه، فأحكم له وإنما حكمت له بقطعة من النار». وتلك مصيبة عظمى في الأمة، وهي أن المخطئ الذي عليه الحق ألحن من الذي له الحق، أي أبلغ وأفصح لذلك يتسيَّد (الرقاصون) كل المشاهد، ويركبون كل الأمواج، ويضلون الناس بعلم، وهؤلاء الراقصون لا يمكن أن تحسب لهم أو عليهم موقفاً، فهم يسكنون مع الشيطان، والشيطان ساكن لكن! محمد أبو كريشة * * كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©