الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«ضوء دامس».. المحلية الخالصة

«ضوء دامس».. المحلية الخالصة
18 أكتوبر 2012
ربما يكون أهم ما في مسابقة أفلام الإمارات، أنها تدفع في دورة جديدة مبدعين من أجيال جديدة، ونقول مبدعين مستندين الى قيمة تجربتهم في التأسيس لصناعة سينما وأفلام تتمتع بهويتها ومحليتها الخالصة في إطار متقدم نحو العالمية. وهنا لا نود الحديث تفصيليا عن أفلام هذه المسابقة التي تصل الى 45 فيلما، منها 8 أفلام تعرض خارج المنافسة التي تتضمن ثلاثة أقسام رئيسية هي الأفلام الروائية القصيرة، والأفلام الوثائقية القصيرة والأفلام الروائية القصيرة للطلاب، والأفلام الوثائقية القصيرة للطلاب. في المسابقة المخصصة للأفلام الروائية القصيرة، تنافس 10 أفلام لمخرجين من الإمارات والمملكة العربية السعودية، التي قدمت فيلما مهما بعنوان “ثلاث عرائس وطائرة ورقية” للمخرجة هند الفهد، وهي صاحبة تجارب سابقة ناجحة على مستوى التقنية وفن المونتاج. ما يهمنا في الأمر تجربة المخرج العراقي المبدع ياسر الياسري بفيلمه الذي حمل عنوان “ضوء دامس”. وكان لافتا أن يحظى العمل بإقبال جماهيري طيب، ورضا نقدي، يؤشر الى ان اختيار هذه النوعية من الأفلام ذات البعد الإنساني العميق، سيعمل على تأسيس تجربة سينمائية إماراتية ناجحة من خلال أيدي أبنائها. “ضوء دامس”، يحمل عنوانا لافتا، لكنه ليس بهذه القتامة والسوداوية التي يصورها العنوان، ففي الأحداث فسحة من الأمل، وجمال الذكريات الشابة، من خلال تقنية تجمع بين فكر المسرح وأناقة الصورة ممثلة بما يعرف اصطلاحا (الحدث الاسترجاعي) او تقنية الفلاش باك، وهذه تقنية تعزز مهمة السرد الوصفي. في الواقع لقد كانت عشرين دقيقة كافية لكي يظهر لنا الفيلم هوية الشخصيات والأماكن والأحداث التي تصور رحلة صديقين من قريتهما الصغيرة المحدودة الموارد، الى المدينة بكل صخبها وضجيجها وتقاليدها وشخوصها المختلفين تماما عما عهداه في قريتهما المنضبطة في كل شيء. الياسري مخرج أصيل ويملك مفرداته وأدواته، فلم يكن كل هذا المجهود من أجل تصوير رحلة صديقين في حافلة من القرية الى المدينة، ولكن هناك تأويلات كثيرة ومفارقات تشي وتصور ذلك التحول الاجتماعي الكبير الذي طرأ على حياة المجتمع والمنطقة، لكن النهاية كما نتوقع هي البحث في مجمل وهوية الشخصية الخليجية والتأكيد على قيمها وأصالتها مهما كانت المتغيرات والتحولات، وبذلك يحمل هذا الفيلم قيمة فكرية عظيمة. مخرج الفيلم الياسري كان واعيا لرسالة الفيلم والهدف منه، لذا كان حريصا وهو يرسم شخصياته عبر الكاميرا التي نفذت الى الدواخل والأحلام، أدواته كانت بسيطة في تصوير منطق الشخصيات وأحلامها من خلال واقعية واضحة، فهنا ابراهيم 17 عاما بكل صراعاته مع واقعه وبكل أحلامه الكثيرة التي لا تنتهي بما في ذلك لحظات هروبه، وكان جميلا من الخروج تصويره البارع للحظات الهروب وهي تتماهى مع الأحلام الإنسانية، وهنا ايضا حسن 18 عاما، العقلاني الواقعي، وكلاهما تربطهما صداقة تعبر عن الإحساس بالأرض والوطن، وبهذا الديالوج التمثيلي الطويل، وما حوله من تنويعات في الشخصيات التي يلتقيانها، تبدو المفارقة في تكوين بناء الفيلم الذي نعتقد أنه ينافس بقوة على إحدى جوائز هذه المسابقة، وبخاصة في مجالات التصوير حينما كانت الكاميرا تنفذ بقوة ومهارة عالية الى الأمكنة وروح ودواخل الشخصيات دون عناء، ولا ننسى ذلك المونتاج السلس البارع الذي شكل هارمونية فائقة الجمال في تصوير عوالم الفيلم. ياسر الياسري المولود في بغداد عام 1983، لصيق جدا بسينما الإمارات، ولصيق أكثر بتراثها الغنائي، بعد أن قدّم لها الصورة المصقولة في أكثر من أغنية وألبوم، ولهذا كانت متعة الصورة بالنسبة للمشاهد جزءا أساسيا من تركيبة هذا الفيلم، وهو أيضا صاحب خبرة في إنجاز العديد من الأفلام الوثائقية من بينها فيلم مهم بعنوان “العراق تحت النار” 2004، وفيلم بعنوان “رونالد ريغن” عام 2003، وشارك في تحرير مادة هذا الفيلم، وقد أفاد الياسري من خبرته الواسعة في عمله كمونتير في العديد من الأعمال، في ربط لقطات هذا الفيلم التي بدت للمتفرج لوحة سينمائية متكاملة، تتمتع بألوان متناسقة وتسلسل لا يعيق المدرك البصري عن المتابعة. بالطبع كان وراء نجاح هذا العمل الذي يحمل صبغته الإنسانية والمحلية كاتب القصة والسينارية محمد عبد الله الحمادي، الذي حرص على مواكبة العصر في تصوير الحالة السينمائية التي وصلتنا كاملة الدسم إذا جاز لنا مثل هذا التعبير، وكما بدا لنا من لغة الفيلم دقته ومهارته في استخدام المفردة المرتبطة بروح وأحلام الشخصيات. والحمادي أيضا صاحب تجربة ناجحة في مجال الكتابة للدراما التلفزيونية، ومن ذلك كتابته بالمشاركة مع وداد الكواري مسلسل “ما أصعب الكلام” عام 2012، وأنجز هذا العام عملا مهما بعنوان “خوات الدنيا”. وفي السينما للحمادي تجربة ممتازة كاتبا ومخرجا، ومن أهم أفلامه: جنة مريم، دعاء، أوراق منسية، ليل، أستوديو. كما أنه جامع للمواهب من خلال كتابته للعديد من المسرحيات منها: الياتوم، سيدة اللوحات، الغاوي، يا عيوني. بذلك توفرت لهذا الفيلم مفاصل النجاح من جانب الإخراج والنص الذي جاء محكما لا يخلو من بعض التفكه، لتصوير مشاعر هذين المراهقين إبراهيم وحسن اللذين نالا حب الجمهور.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©