الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد اشويكة: نحن أمام توحّش «الديجيتال»!

محمد اشويكة: نحن أمام توحّش «الديجيتال»!
18 أكتوبر 2012
يرى الكاتب والناقد السينمائي المغربي محمد اشويكة أن الحركة السينمائية في منطقة الخليج العربي تشهد دينامية قويّة، تلك الدينامية التي تلعب فيها دولة الإمارات العربية المتحدة دورا استراتيجيا بالنظر الى المهرجانات السينمائية الدولية والإقليمية، فضلا عن خطط دعم الإنتاج السينمائي العربي والخليجي والإماراتي. محمد نجيم هذا الحوار مع محمد أشويكة جاء بمناسبة صدور كتابه “الإنسان الإيقوني”، وهو الكتاب القيّم والعميق الذي نشرته دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ضمن سلسلة كتب مجلة “الرافد”. ? من هو الإنسان الأيقوني الذي خصصت له كتابك الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة؟ ? يعيش العَالَم عصر الطفرة التكنولوجية؛ إذ يستعمل الإنسان أدواتها بشكل مكثف يصعب معه إبعادها عن حياته اليومية والحميمية، فهو يُقْبِلُ على خدماتها بِنَهَمٍ، ولم يعد يستطيع الابتعاد عن غواياتها إلى درجة عزلته أجهزتها عن التواصل الإنساني المباشر، وحَولته إلى ما يشبه “الكائن المنفصل” عن ذاته وعن الآخرين. سوسيولوجيا، يتم الحديث، اليوم، عن الجيل الرقمي “Digital génération” أو ما يسمى بـ”الجيل” La génération للدلالة على شكل السماعات التي تتدلى من الأدنين نحو الصدر أو الجيوب، والتي أصبحت بمثابة القلادة/ الأيقونة التي تزين صدور الشباب، وهي غالبا ما ترتبط بمنتوج إلكتروني معين (هاتف محمول، قارئ ملفات MP3، حاسوب...). عموما، فنحن أمام إنسان يتشكل جزء مهم من وعيه الفردي والجمعي انطلاقا من الصورة، وله خيال مرتبط بها إلى الدرجة التي اختلطت عليه فيها الأيقونات المنتشرة في المنزل عبر التلفزيون، وفي الشارع عبر الإشهار.. إنه إنسان الصورة الذي يميز بين الأشياء انطلاقا من بعدها الأيقوني والعلاماتي قبل القراءة والتحليل والتأمل والنقد... تحكم عن بعد ? ما هو الإنسان المنتقي، وكيف تُبَسِّطُ شرحه للقارئ العربي؟ ? أقصد علاقة الإنسان بآلة التحكم عن بُعْد “Le télécommande” باعتبارها قد قَصَّرَت المسافة بينه وبين الأشياء، وأَبْعَدَتْه عن لمسها وتحسسها، وهو الأمر الذي أدخله في دوامة من الكسل انعكست على قدراته الحركية ـ الذهنية مما أصابه بالقلق والكآبة والسمنة.. بل، وعمقت من إحساسه بالغربة جراء الحيرة التي تنتابه عندما يتفحص الوفرة التي تقترحها عليه باقات الفضائيات العابرة للقارات.. ? إذا، كيف ينتقي؟ هل يمكنه التركيز والاستيعاب والنقد؟ ? فرضت التكنولوجيا الراهنة على الإنسان الدخول في دوامة من الخيارات المَتَاهِيَّة التي تفرض عليه الانتقاء والاختيار، وذلك ضمن منظومات اقتراحية لا تسلم من دسائس ومكائد تكبل التفكير الحر، وتدس الإيديولوجيا في كل اختيار، وترمي إلى التنميط وتوحيد الذوق.. وبالتالي، فهي توهمنا بحرية الانتقاء حين نمسك بآلة التحكم عن بعد أو بفأرة الحاسوب أو ما عدا ذلك من الآلات التي ـ نظن أننا ـ نتحكم فيها عبر “أيقونة” التوجيه التي نمسك بها بين أيدينا، ونخصص لها حيزا بارزا في بيوتنا! ? باعتبارك أحد المهتمين بالصورة كظاهرة عالمية بَصَمَتْ هذا القرن ببصمة قوية، لماذا ينزع الإنسان المعاصر إلى التعري، وهل التعري هو احتفاء بالجسد أم بأشياء أخرى لم تعرفها بعد أو معروفة لدى شريحة ضيقة من المختصين وعلماء النفس؟ ? الأصل في الإنسان العري، ولكن الثقافة، بمعناها الأنطروبولوجي، جعلته يتدثر شيئا فشيئا نتيجة تعرضه للبرد والحر والمطر والأمراض.. كما أن تطور ملكاته الذهنية والروحية ساهمتا في ازدياد إحساسه بقيمة جسده كأيقونة كبرى لابد من التعامل معها بنوع من الحس الإسطيتيقي والروحي فبدأت ظواهر العري بمعناه “المباح/ غير المباح” و”المقدس/ المدنس” تشغل الخاصة والعامة حيث دخل الدين والفن والموضة والاقتصاد على الخط فتحول الإنسان إلى كائن مهووس بجسده.. وقد ارتفعت وتيرة ذلك مع انتشار آلات التصوير الرقمية والكاميرات الخفيفة المحمولة وعدسات التصوير المزروعة في الحواسيب الشخصية والهواتف المحمولة.. فضلا عن سرعة تحميل تلك المنتوجات ونشرها عبر تكنولوجيا “2.0” التي سهلت ولوج الفضاء العنكبي كبديل عن الواقع الحقيقي الذي من المفروض أن يفعل فيه الإنسان ويغير شرطه الوجودي متجاوزا قيم الاستهلاك والاستعراضية وغيرها من الأمراض النفسية التي ترتبط بها، والتي صارت بفعل انتشارها الكاسح ظواهر عادية وسوية! خطاب الصورة ? خطاب الصورة في شاشات التلفزة، خطاب محمل بخطابات أخرى، من وجهة نظرك كيف تتصور الأمر؟ ? من المعروف أن التلفزيون وسيلة آيديولوجية تهتم به الدول قبل الأفراد، وما يملكه القطاع الخاص محسوب على أشخاص وشركات لها ارتباط بمناطق النفوذ والدولة، وهي تخدم مصالحها بطريقة أو بأخرى.. قد لا تكون هذه المصالح سيئة بالضرورة، ولكنها تنشر وتدافع عن أفكار معينة، تبثها عبر “الجماهير” التي تعرف، مسبقا، بأنها لا تشكل كتلة واحدة، فتستغل هذا التنوع لتعميق الهوة، والعزف على وثر التخصص؛ عندئذ يبدأ تقسيم الأذواق، ومحو الذاكرة وتعليبها من خلال حشوها بكل ما لا يمكن أن يكون مادة فعلية للتأمل والنقد وإثارة الدهشة. هكذا، يحول التلفزيون الترفيه والتثقيف والإخبار إلى منطلقات للتخدير الجماعي، وإشغال الناس، ولنا في برامج “تلفزيون الواقع” خير مثال على ما نقول، فالتلفزيون “أداة للمحافظة على النظام الرمزي” كما ذهب إلى ذلك بيير بورديو. ? في ظل السياق المحموم الذي تقوده القنوات الفضائية لكسب المُشَاهِد العربي، هل يمكن أن تعرفنا على مكامن القوة ومكامن الضعف في تلك القنوات، وهل ستبقى القنوات الفضائية هي من تُبْقِي المُشَاهِد في بيته أم أن هناك وسائل أخرى كالانترنيت وبرامج الكومبيوتر اللوحي، تترصد هذا المُشَاهِد وتحاول أن تسرقه وتضمه إليها؟ ? تعكس القنوات التلفزيونية الفضائية وَاقِعَ المجتمع الذي تصدر عنه، وما القيام بجولة بسيطة عبر المحطات المبثوثة من “النايل سات وعرب سات أو بدر سات” ليقف جليا على تخصصاتها المتناقضة: قنوات التداوي بالأعشاب والطب النبوي، فضائيات الدعوة والفتوى، فضائيات الرياضة، فضائيات الرقص، فضائيات الشات والمراسلة بالهاتف الخلوي “SMS” وشبكات التواصل الاجتماعي، الفضائيات الرسمية، قنوات الرسوم المتحركة، القنوات الإخبارية.. إلى درجة يحس معها المُشَاهِد النبيه، المتذوق، بالقرف والغثيان مما يجعله يغير الاتجاه صوب القنوات الغربية (الفرنسية كما هو حال المغاربيين)... أعتقد أن في ذلك تكريس لما هو سائد، في حين أننا في حاجة عاجلة إلى تلفزيونات تزعزع حالة الركود التي يعيشها الفضاء السمعي البصري، خاصة وأن العَالَم العَرَبِي يوفر فرصا تواصلية لا تتحقق لغيره من البلدان بالنظر إلى قدرة ساكنته على فهم كل الألسن الرائجة في المجال اللساني التلفزيوني رغم التشكي من صعوبات بعضها.. ومع ذلك، فقنواتنا لا تعير الثقافة ما تستحق لأنها تخاف منها، وهي تتناسى أن الخطورة في تقديم برامج ومسلسلات أجنبية مترجمة أو مدبلجة تساهم في التغريب واللاطمأنينة، وتزرع الإحساس بالدونية والاحتقار... ما يحدث الآن في العَالَم العَرَبِي يدخل ضمن استراتيجية النظام الرأسمالي المتوحش الذي يسعى إلى التنميط عبر الفضائيات التلفزيونية، وتحقير الثقافات المحلية، في إطار زوابعِ وتوابعِ العولمة الزاحفة عبر الرقمنة ونشر البرامج التلفزيونية العابرة للثقافات، قصد إعداد المُشَاهِد للسيطرة وقبول الهيمنة انطلاقا من تعميم البرامج التلفزيونية عبر شاشات الحواسيب الشخصية واللوحية والهواتف المحمولة... الأدب الرقمي ? حدثنا عن الأدب الرقمي، وكيف ترونه في العالم العربي وفي المغرب تحديدا، وهل يمكن أن نعتبر أنفسنا في الوطن العربي مستهلكين “للأدب الرقمي والثقافة الرقمية”، أم أن نشر الثقافة بالوسائل والطرائق التقليدية ما تزال تحتل مكانها؟ ? يشمل مفهوم الأدب الرقمي كل الأشكال السردية والشعرية التي تستعمل الوسائل المعلوماتية كوسيط أو توظف بعض الخصائص المرتبطة بها للإبداع، وذلك بشكل كلي أو جزئي. وبذلك، يمكن للنص الإبداعي الأدبي أن يستفيد من خصائص ذلك الوسيط المتمثلة في التفاعل، والترميز الرقمي، والتوافق، ونظام الخوارزميات أو اللُّوغَارتميات، والتوالد، والترابط، وإمكانيات القراءة الآنية المتزامنة عبر ربوع العالم... خُضْتُ غمار الإبداع القصصي (“احتمالات” و”محطات”) وفق ذلك المنطق البراغماتي الذي يجعلني أفهم منطق الأشياء من الداخل عوض الحكم عليها من الخارج، فاكتشفت أفقا آخر للإبداع، ومجالا شاسعا للتفاعل؛ إلا أن الصدمة كانت كبيرة بفعل الوقوف على حجم الهوة التي تفصلنا عن العالم من حيث حجم الحضور الثقافي مقارنة مع الثقافات الأخرى. نحن في حاجة ماسة إلى دعم المواقع الثقافية من طرف الدولة أسوة بالدول الأخرى التي تمتلك استراتيجيات واضحة لترويج إبداعاتها وثقافتها مهما تطورت الحوامل والتقنيات. فمنتوجات الثقافة الرقمية لا تنفي منظومة الصناعات الكلاسيكية، بل تعززها وتقترح طرقا جديدة لنشرها، والتواصل من خلالها، ودمج أشكالها الممكنة (يمكن للنص القصصي الترابطي، مثلا، أن يضم النصوص والصور والمقاطع السمعية البصرية...). ? قُلْتَ في إحدى شهاداتك ما وصفته “توحش الأنترنت”، صف لنا هذا الوحش وما الذي يخيفنا منه ويخيف أبناءنا؟ ? الداخل إلى متاهات الشبكة العنكبوتية كالداخل إلى غابة مجهولة، موحشة، لا يمتلك خريطتها، وليست لديه فكرة عن الكائنات والأشياء التي تعمرها. قد يرتبط الإنسان بالشبكة وفي نيته البحث عن شيء مقصود، لكن طرقها السيارة تأخذه إلى عوالم لا تخطر على باله سواء من خلال الهجوم الإشهاري المنظم الذي يهاجم علبته الإلكترونية على شكل (Spams أو Cookies) أم عن طريق العلاقات والارتباطات الالكترونية التي تتوالد بفعل مرونة الشبكة ومواقع التواصل الاجتماعي... تكمن خطورة هذا التوحش في صعوبة مراقبة الأطفال وتوجيه المراهقين الذين يصلون إلى درجات مهمة من الإدمان الإلكتروني، ولا يستطيعون الفكاك عن عادات الارتباط، فقد تسلبهم علاقاتهم وصداقاتهم وعاداتهم الافتراضية وتبعدهم عن الواقع مما يولد لديهم سلوكات منحرفة كالتنكر الإلكتروني، والتجسس المرضي، والخوف من مواجهة الناس في الواقع، والجرأة أمام الشاشة في مقابل ضمور ذلك في الوضعيات الواقعية، والتعري، وولوج عالم الجريمة الإلكترونية، والانتقام الإلكتروني عن طريق الشتم والتشهير بالآخرين دون إعلان الهوية الحقيقية.. وتلك وحشية ما بعدها وحشية! يصبح للفرد حيواة: حياة أمام الشاشة، وأخرى في الواقع، والثالثة بين بين! كل واحدة منهما مفارقة للأخرى، الشيء الذي يقود الشخصية نحو الفصام وشتى أنواع الفوبيا والاختراقات النفسية... إبداع بلا حدود ? هل ترى أن الأشرطة السينمائية التي تنتج هذه الأيام تخلو من الشاعرية التي تأنس الإنسان وتبقيه في طينته الأولى المليئة بأحاسيس الجمال والرقة؟ ? تكمن قدرة الفن السينمائي في إمكانياته الهائلة على التكيف والتجديد، ففي كل فترة يطالعنا صناع السينما ـ رغم تفاوت الموازنات المالية ـ باقتراحاتٍ فيلميةٍ متفاوتةِ الرؤى، لا ينقصها العمق الفكري، ولا يعوزها الاحتفاء بالأحاسيس الإنسانية السامية، والقيم الجمالية الرفيعة.. وهنا أسوق نماذج لأفلام سينمائية تنتمي إلى ثقافات مختلفة: فيلم “أسوار الطين” (Remparts d’argile (1971 للمخرج الفرنسي “Jean-Lo is Bert ccelli”، فيلم “الرسالة” (1999) للمخرج البرتغالي مانويل دو أوليفيرا “Manoel de Oliveira”، فيلم Avatar (عام 2009) للمخرج الأمريكي جيمس كاميرون “James Cameron”، و”فراق” ( ne séparation (2010 للمخرج الإيراني أصغر فرهادي، و”الفنان” (The artist (2011 للمخرج الفرنسي ميشيل هازانافيوسيس “Michel Hazanavici s”.. للدلالة على أن الإبداع لا حدود له، وأن المخرج الحقيقي يستطيع أن يذهب بالخيال إلى مداه، وأن يتجاوز الظروف السوسيوثقافية المعيقة للإبداع، وأن يجعل من التقنية مجرد ذريعة لخلق الجمال وكشف التمزقات الإنسانية العميقة.. بله، يقدم سينما من الإنسان إلى الإنسان مهما كان المحيط الإيديولوجي ضاغطا! ? بصفتك أحد نقاد السينما، هل لك أن تعطينا فكرة عن مستقبل السينما في دول الخليج العربي عموما وفي دولة الإمارات خاصة؟ ? تعرفت من خلال زياراتي لبعض المهرجانات السينمائية التي تنظمها بلدان المنطقة، وبفعل العلاقات الإبداعية التي تجمعني ببعض المهتمين بالحقل السينمائي، أن أقف على أهمية وقيمة الحركة السينمائية التي تعرفها بعض بلدان المنطقة، والتي يقودها رجال وشبان وشابات لهم عشق كبير للفن السابع.. تلك الدينامية التي تلعب فيها دولة الإمارات العربية دورا استراتيجيا بالنظر إلى المهرجانات السينمائية الدولية والإقليمية، فضلا عن خطط دعم الإنتاج السينمائي العربي والخليجي والإماراتي، وتشجيع الكفاءات الشابة في مجال السينما، وذلك بفضل سياسة الانفتاح، المتدرجة، الرامية إلى إرساء دعائم صناعة سينمائية مستدامة في هذا الباب، فقد أتاحت لي النقاشات التي جمعتني مع الفنان مسعود أمر الله آل علي والشاعر المرحوم أحمد راشد ثاني والشاعر والناقد السينمائي إبراهيم الملا والمخرج الشاب نواف الجناحي حجم الطموح والحلم.. ولا تفوتني الفرصة لأحيي الجهود التي تقوم بها فعاليات أخرى في الكويت وسلطنة عمان.. وغيرهما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©