الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دليل التدليل

11 نوفمبر 2014 23:27
يروي الدكتور علي عثمان في سيرته «طالب فلسطيني» كيف أن والده باع جزءاً من أرضه لكي يعلمه، وكيف أن أهله كانوا يشترون الملابس أكبر من حجمه بمرات حتى تكفيه لأطول فترة ممكنة، وكيف كانت والدته تخيط له حقيبة المدرسة من أي قماش متوافر، وكان والده يعنفه عندما يطيل في الدراسة ويستهلك «الكاز» فيخرج إلى الشارع لعل القمر يتعاطف معه وينير له ليتمكن من إكمال استذكار دروسه، وبالرغم من كل هذه الصعوبات خرج ابن القرية ليتعلم ويتحدى أبناء المدينة ويتفوق عليهم، فصمم ذلك الفلاح على النجاح وحصل على الدكتوراه، واستقبله أهله استقبال الفاتحين وتنقل في المؤسسات التعليمية والدولية ومن ورائه آلاف المتعلمين من أهل القرى، ليصبح شخصية بارزة أشهر من نار على علم. إن قصة هذا المكافح تحمل معنى آخر في حرص الجيل المعذب الفقير على اكتساب العلم؛ لأنهم رأوه فيه يوماً أهم من الأرض والغذاء والزي، كان العلم هو سبيل النجاة من كل الشرور، وأنتجت قلة ذات اليد أجيالاً وأعداداً من الأساتذة والأطباء والمهندسين، تلك النخبة التي احتملت شظف الحياة هي التي انتجت بعض ما تنعم به أجيال الحاضر من الرخاء والتقدم، هذا الجيل الجديد الذي أسرف العديد منا في تدليله والإفراط في توفير كل متطلبات الحياة ووضعها تحت أقدامهم، فقط لأن الآباء والأمهات يطمحون إلى أن يوفروا للأبناء كل شيء، معودين بذلك التصرف أبناءهم على الدعة وحياة البذخ والترف، فعندما قرأت قصة الدكتور عثمان فكرت طويلاً وتذكرت أبناء من حولي، فهذه تسافر إلى الخارج لتحضر لابنها حقيبة فاخرة وغالية الثمن لكي يكون مميزاً في المدرسة، والآخر يدور يمنة ويسرة من أجل أن يوفر الاكسسوارات الملائمة لابنته من أجل أن تكون هي المتميزة بالأناقة في المدرسة، ومن يخيط ملابس أبنائه عند الخياط الأغلى في «الفريج» من أجل التباهي والتفاخر، متناسين أن التدليل سبب لتدمير العقول والنفوس، وسبب لجعل هذه النفس البشرية غير مبدعة ومفكرة لمستقبل أفضل، كونهم لديهم الثروة والمال والجاه ولا يطمحون للمزيد. ختاماً: أذكر بكل من حولي بأن الحرمان يولد الإبداع والحاجة تلد الاختراع، إن لم نُشعر أبناءنا بأهمية الدراسة وطلب العلم وحب التميز على صعد عدة ضاع أبناؤنا أدراج الرياح. ريا المحمودي - رأس الخيمة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©