الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أئمة الانحراف الفكري

أئمة الانحراف الفكري
18 أكتوبر 2012
دراسة الأديان واسعة وبعيدة، منها ما يتعلق بمفهوم العقيدة والعبادات أو الطقوس الخاصة بكل دين، فضلا عن تاريخ كل دين واتباعه لكن هناك جانبا آخر يهتم به كتاب “أئمة الخفاء في الأديان”، ففي كل دين من الأديان السماوية يظهر أناس أو أفراد هم شخصيات استثنائية يتمردون على الدين أو المذهب الذي ولدوا عليه، وهم في تمردهم لا يريدون الخروج من الدين ولا الارتداد عنه، وعادة يكون هؤلاء متمسكين بقيم الدين من صلاة وصيام، فضلا عن الالتزام بالأخلاق العامة، لكنهم يقدمون فهما أو مذهبا جديدا في الدين، وتكون لديهم قدرة التأثير على الآخرين واجتذابهم اليهم، وعلى المستوى الثقافي والتعليمي قد لا يكون هؤلاء نالوا قدرا من التعليم، لكن لديهم سحرا خاصا يجتذبون به الكثير من الأتباع والمريدين وقد يذهب بعض المريدين الى ان ما جاء به شيخهم أو إمامهم بمثابة دين جديد، وبعضهم يصل به الأمر إلى حد ادعاء النبوة وان لديه إلهاما وقد عرف الإسلام الكثير من هذه النماذج مثل الحسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين ومن قبله مؤسس جماعة الخوارج الذين كفروا الإمام علي بن أبي طالب وكفروا معظم الصحابة الكبار. الأميركي كورش ولا يرتبط الأمر بدين واحد ولا مجتمع بعينه، بل هي مسألة إنسانية ان صحت التسمية، ففي المجتمع الاميركي ظهر دافيد كورش وادعى ان روح اتباعه تصير ملكه يحولها كيف شاء، وكان من بين هؤلاء الاتباع اساتذة جامعات وأطباء كبار وقد مات كورش مع 86 من اتباعه في مزرعته بعد ان أعلن لهم ان روح الملك داود حلت به وانه سوف يعيد بناء العالم من جديد على أسس من الخير بعد هدم العالم الذي نعيش فيه. وتختلف حالات هذه الشخصيات، هناك من يدعي النبوة أو الإلهام وانه يؤسس دينا جديدا وهناك من يحيط به بعض الاتباع فيروجون للأساطير من حوله، وهذا ما حدث بالنسبة للحاكم بأمر الله الذي كان حاكما قاسيا، غريب الأطوار، متقلب المزاج، واختفى في المقطم وعثر على ملابسه بها آثار دماء لكن بعض اتباعه روجوا حوله الكثير من المعجزات وأسسوا مذهبا جديدا يعود إليه وهناك من يقتنعون الى اليوم وينتظرون عودة الحاكم بأمر الله في زمن قادم ليملأ الأرض عدلا وإحسانا بعد ان امتلأت بالجور والظلم. الكاتبة هنا ليست مشغولة بالتاريخ فقط لكن بالحاضر الذي نعيشه ويشهد صعود شخصيات وجماعات من هذا النوع لذا نراها تخصص أكثر من نصف صفحات الفصول المتعلقة بالإسلام لعدد كبير من الشخصيات بدءا من حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر الى صالح سرية وشكري مصطفى وعبدالسلام فرج وغيرهم، وفي التفاصيل الكثير مما يستوجب التوقف عنده مثل جماعة الفرماوية بمصر نسبة الى مؤسسها الشيخ الفرماوي الذي وجه اتباعه الى ان يتركوا التعليم في المدارس والجامعات لأن نظام التعليم يحض على الكفر ودعاهم الى عدم اللجوء الى الأطباء بدعوى ان المرض والشفاء من عند الله وألا يتعاملوا الا مع جزار بعينه يقدم اللحم الحلال وهكذا الحال في معظم مجالات الحياة وكان الاتباع يذهبون الى الفرماوي وينطقون بالشهادتين بين يديه ويمنحهم بركته وقد ذهب احد الأتباع الى ماليزيا ونقل هذا المذهب الى هناك. أسماء وجماعات ويغوص الكتاب في أمور هذه الجماعات التي عرفتها مصر وعدد من البلاد العربية وما حدث لمؤسسيها مثل مجدي الصفتي مؤسس الجماعة التي عرفت باسم الناجون من النار والملاحظ ان كل جماعة كان لها اتباع في مختلف محافظات مصر وقد تمتد الى بعض البلدان العربية ولم تكن كلها تبدأ من القاهرة، شكري مصطفى مؤسس جماعة “التكفير والهجرة” من اسيوط وبدأت جماعته في الجبل القريب من مدينة المنيا وهناك جماعة ظهرت في منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء ومازالت تعمل هناك الى اليوم وامتد نشاطها الى سيناء كلها فيما بات يعرف باسم الدعوة الى الإمارة الإسلامية في سيناء. وتتساءل الكاتبة عما تسمية جذور وأسباب التكفير مثل أزمات المعيشة وازدياد معدل الفقر والبطالة فضلا عن القهر السياسي لكن هذه الأسباب لا تكفي وحدها لتفسير هذه الظواهر ذلك ان بعض هؤلاء المؤسسين لجماعات جديدة لم يكونوا من الفقراء، د. ايمن الظواهري هو ابن واحدة من الأسر العريقة في مصر، جده كان شيخا للأزهر زمن الملك فؤاد، الشيخ الاحمدي الظواهري، السبب الأهم لدى الكاتبة هو الغلو في الدين وسيادة التشدد والتزمت في قراءة بعض النصوص الدينية من قرآن وسنة أو الفهم المتشدد والتفسير الغريب لبعض المواقف في حياة النبي وكبار الصحابة. هذا الكتاب عبارة عن مجموعة كتب في سفر واحد فقد جمعت المؤلفة الإسلام مع المسيحية واليهودية ومن القديم الى الحديث صحيح انها اجتهدت وجمعت مادة علمية غزيرة وكثيرة قامت بتكثيفها وضغطها في هذه الصفحات وجاء العنوان عاما وأكاد أقول فضفاضا، والحق انها في الجانب الإسلامي ركزت على مصر في القرن العشرين والإسلام ليس في مصر فقط لذا لم تتحدث عن البابية والبهائية ولم تذكر الأحمدية في الهند فضلا عن نماذج مشابهة في تركيا وفي السودان وغيرها ولذا كان الأفضل ان تخصص الجزء المتعلق بالإسلام عن مصر وما ذكرته حول الخوارج والحاكم بأمر الله وجماعة الحشاشين يعد تمهيدا لتلك الثقافة لدي بعض المسلمين. هذه الشخصيات تستحق العديد من الدراسات خاصة البعد النفسي لدى كل منهم والملاحظ انهم كانوا يعملون في العلن ولم يكونوا في الخفاء ولكن بداياتهم لا تتيح لهم الشهرة ولا تجعل الرأي العام يركز عليهم لذا فإن العنوان يحتاج الى مراجعة. لا يقلل ذلك من الجهد العلمي والبحثي الذي بذلته الكاتبة خاصة فيما يتعلق بالمسيحية واليهودية وقد جعلت الآيات القرآنية والرؤية الإسلامية هي المنطلق لها في دراسة الديانتين مع الرجوع الى المصادر الخاصة بكل ديانة. موضوع الكتاب واسع وممتد، لذا نتوقع مزيدا من الدراسات في هذا الملف الشائك والملتهب حولنا في كل مكان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©