السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورة كمعطى ثقافي

الثورة كمعطى ثقافي
18 أكتوبر 2012
صدر للأديب المصري السيد نجم كتاب بعنوان “ثورة 25 يناير.. رؤية ثقافية ونماذج إبداعية” ضمن سلسلة “إبداعات الثورة” عن هيئة قصور الثقافة. هذا الكتاب ليس ببليوجرافيا للثورة، وان لمس القارئ فيه قدرا غير قليل من جملة ما نشر بالصحف والمجلات، وما تم تدوينه على الشاشة الزرقاء في المدونات والفيس بوك وتويتر، وأيضا بعض الكتب التي نشرت.. في محاولة للبحث عن البعد الثقافي للثورة، حتى نهاية عام 2011 فقط. وقد عمل الكاتب على إبراز دلالة أن الثورة 25 يناير، هي ثورة ثقافية.. بداية من توظيف تقنية ثقافية جديدة (الشبكة العنكبوتية)، إلى جيل شاب جديد، أكد مقولات نظرية حول تعريف “المثقف” الجديد مع التقنية الرقمية، وكذلك ملامسة أفكار الثورة (دوافعها وتأثيراتها اليومية). الكتاب محاولة للبحث عن “الجوهر”، عن “الثقافي” الباقي والمتنامي، خلف كل ما هو ظاهر وقد يبدو أحيانا غير سار وغائم! وبالتالي للبحث عن البعد الحقيقي والقادر على تنمية المجتمع، ذلك بالبحث عن الملامح الثقافية في أحداث ومعطيات تلك الثورة، بداية من الوسيلة “فهي ليست ثورة نهض بها الجيش بقوته الضاربة، ولا هي ثورة نهضت بها أيديولوجيا حزب أو اتجاه تجمع فكري ما، ولا هي ثورة تجمع فئوي أو نقابي أو عمالي!” بل هي ثورة اعتمدت على عنصرين: الشباب ووسيلة ثقافية معاصرة (ثم جموع شعب). ثم كان المنتج الذهني اليومي طوال 18 يوما قبل سقوط رأس النظام.. بداية من الشعارات التي رفعها الثوار، إلى التدوينات التي سجلها الجميع على الفيس بوك والتويتر والمدونات، إلى جملة ما أبدعه البعض من أشعار وقصص، فيما نشرت القليل من الروايات خلال عام 2011. أوضح الكاتب أن العلاقة بين الإعلام الرقمي والمقاومة/ الثورة والمثقف معا معقدة، بحيث يدخلنا سريعا إلى حلقة “العولمة” غير المحددة. من هنا بدت تجربة ثورة 25 يناير الثقافية رائدة للتجارب الثورية المعاصرة كلها، حيث جاء دور (المثقف) المسلح بمفاهيم المقاومة والواعي بالتقنية المتاحة أمامه، حتى يمكن القول الآن، أن الثورة المصرية، أثبتت افتراضية نظرية تناولتها الأقلام حول مفهوم الثقافة مع التقنية الجديدة: أن أصبحت الثقافة مرادفة لمفهوم التنمية في القرن الجديد، كما أصبحت تكنولوجيا المعلومات رافدا للثقافة. كما تناول الكاتب التعريف بمفهوم “الثورة” وأنواعها: “الثورة هي عمل يتسم بالعنف، جماعي، موجه ضد السلطة القائمة، من أجل أهداف مشروعة، وهي ظاهرة فاعلة ومؤثرة في التاريخ السياسي للجماعات البشرية.. الثورة هي ظاهرة إنسانية، أزلية/ أبدية، رصدتها صفحات التاريخ، ولا ينتظر أن تختفي.. الثورة هي التعبير العنيف الظاهر، نتيجة الصراع الخفي، بين جموع الأفراد والسلطة/ الإدارة القائمة عليها.. وغيرها”. أما التعريف الحديث للثورة فهو: الثورة هي التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته، مثل “القوات المسلحة” أو “المنظمات والتجمعات الشعبية مثل النقابات”، وقد تندلع الثورة من خلال قادة وشخصيات، غالبا تتبنى فكرا جديدا، مثل “غاندي”. أما أنواع الثورات الأخرى، فأولها الثورة الشعبية: وهي تلك التي يتبناها ويسعى إليها ويحققها، جموع الناس في بلد ما.. ويعبر عنها الآن بثورات “الربيع العربي” في تونس، ومصر، واليمن، وجملة ما ترصده وسائل الإعلام في عدد من البلدان العربية. بينما أوضح الكاتب “خصائص الثائر” بالتالي: الثائر هو شخصية تتسم بالإيجابية والتفاعلية، لديه ما يبرر به سلوكه الرافض، مع الشعور الكامن لديه من الإحباط بسبب تراكم المشاكل، والشعور بالغضب لعدم حل تلك المشاكل. وغالبا ما يكون هذا الإحباط والغضب شائعا بين أفراد الجماعة من حوله. فالخروج للثورة وان بدا سلوكا فرديا، فهو معضد من الجماعة حتما، وإلا فشلت الثورة. لذا كان ارتباط مصطلح الثورة، بدلالة مقولة “الإرادة الشعبية”.. وتتنوع النماذج الإبداعية التي طرحها الكاتب، بداية من الشعارات التي حلل دلالاتها، مثل تلك التي جاءت مواكبة للأحداث، أو تلك التي تبرز أسباب الثورة، وتلك التي تخاطب الخصم بالاسم أو الوظيفة أو الهوية، وكذلك تلك التي تخاطب الشهيد.. أما الشعارات الضاحكة فهي كثيرة ومتنوعة، مثل “ارحل.. عاوز أتجوز”، “ارحل.. مراتي وحشتني”، “ارحل بقى.. ايدي وجعتني”... كما كان الفصل الخاص بالتدوين من الفصول اللافتة، وأشار الكاتب إلى أهم المدونات التي شاركت في الثورة، مثل مدونة “عبدالرحمن منصور” وهو من الرعيل الأول الذي مهد لتجميع الشباب، منذ حادثة خالد سعيد. ومدونة “إيمان محمد” التي اتسمت بالموضوعية والتحليل السياسي والعلمي. كذلك عرض الكاتب لعدد من المدونات التي ولدت مع مولد الثورة وتابعت الأحداث دقيقة بدقيقة، وبلورة مفهوم الإعلام البديل. جاء الفصل الخاص بالشعر، معبرا عن تفاعل كل الأشكال الشعرية ودارسه وأنماطه.. شعر تقليدي، شعر التفعيلة، قصيدة النثر، الشعر العامي والزجل.. ونماذج للشعراء: أحمد فؤاد نجم، حسن النجار، اشرف الشافعي، إبراهيم عطية، وغيرهم. وتوقف مع الشاعر محمد فريد ابوسعدة. فيما أشار إلى أول كتاب شعري للناقد احمد عبد الرازق ابوالعلا. وفي فصل السرد القصصي والروائي، يكشف المؤلف فيه عن قلة إنتاج القصة القصيرة نسبيا عن القصائد الشعرية، واقلهما إنتاج الرواية. فأشار إلى قصص محمد محمد مستجاب، ومنير المنيري، والسيد نجم.. ثم كانت روايات هشام الخشن، وأسماء الطناني، والنص السردي الطويل للكاتب المربي محمد سعيد الريحاني. ويرى الكاتب إن المنجز السردي في أدب المقاومة، حيث يتضمن “أدب الثورة” و”أدب الحرب”.. له سماته التي تتجلى على مهل دوما، وليست ملاحقة للأحداث بالكم الذي يتوقعه البعض (على العكس من الشعر)، نظرا للطبيعة الفيزيائية والتقنية للسرد. كما أن ما تم إنتاجه خلال عام مع بداية أحداث الثورة، لا يعد بالقليل، ولكنه عبر بما يتناسب مع جلال الحدث. ويقول المؤلف: “لقد أضافت أحداث ثورة 25 يناير 2011، ورسخت لقيمة السرد، بفضل التقنية الرقمية، وشيوع شبكة الإنترنت، حيث تعددت أشكال السرد، وتنوعت سماته: أولا: نال السرد غير القصصي والروائي، اهتماما ورواجا غير مسبوق، وهو ما تمثل في فنون: اليوميات، والمذكرات، والخواطر، والمقال. ثانيا: توافر التقنية شجع العديد ممن لا يعتبرون أنفسهم من الكتاب أو الأدباء على ممارسة الكتابة، وهو ما أشرنا إليه في القسم التنظيري، بأن التقنية الرقمية، أضافت وعدلت من تعريف “الثقافة والمثقف”، حيث لم يعد هناك القارئ المجرد، بل أصبح القارئ الكاتب هو المتعامل الايجابي مع معطيات الجهاز العبقري الجديد (الكمبيوتر). ثالثا: لقد اتسمت الكتابات السردية بعمومها، بالقصر في الحجم، والتكثيف بعرض الفكرة مباشرة، مع استخدام المفردات العامية، والبعد عن المصطلحات (إلا المتخصص وهم نسبيا قليلون). رابعا: شاعت النصوص المصورة: الصور الفوتوغرافية، لقطات الفيديو، أفلام موبايل.. (مع شيوع الأفلام التسجيلية المتاحة على الشاشة الزرقاء عن الثورة)، بينما أصبحت الكلمات المرفقة بالمقال قليلة، فقط لإبداء رأي أو لبيان أهمية النص المصور. خامسا: ولأن جيل الثورة، هو جيل الإنترنت (70% من مستخدمي جهاز الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية من عمر15 حتى 35 سنة) ما يجعلنا نتوقع المزيد من نشر النصوص حول الثورة (وتطورات أحداثها) مع ذلك كله، لن يكف المبدع الروائي والقصصي جهدهم، وربما يزيد عددهم خلال الفترة المقبلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©