الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرملة الثائرة

الأرملة الثائرة
18 أكتوبر 2012
قد يعتقد البعض أن الدعوات المطالبة بحقوق المرأة من نتاج القرن العشرين، أي حديثة المنشأ، وقد يعود البعض بتاريخ تلك الدعوات النسوية إلى ما قبل ذلك ببضع عقود من الزمن قد لا تتعدى القرن العشرين ذاته، أي القرن الماضي، ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ولكن هناك كثيراً من الحقائق التاريخية والوقائع التي تؤكد أن تلك الدعوات المطالبة بحقوق المرأة، بعيدا عن وجودها في بعض الكتب السماوية أو الاديان، أن هذه الدعوات تعود إلى أبعد من القرن الثامن عشر. وظهر مؤخرا كتاب باللغة الفرنسية ونسخة أخرى منه باللغة الاسبانية تحت “أوليمب دي جوجز... أول نسوية في التاريخ”، ويتناول الكتاب قصة حياة المناضلة الفرنسية “ماري جوزي” الكاتبة والممثلة المسرحية التي عاصرت الثورة الفرنسية وكانت إحدى ضحايا تلك الثورة التي أكلت الكثير من ابنائها، ربما يكون ذكر أن تلك المرأة كأول داعية للحقوق النسوية صحيحا إلى حد ما، لأنها لعبت دورا بارزا في المطالبة بحقوق النساء في وقت كانت تطير فيه رؤوس الثوار من الرجال والنساء على حد سواء. وحتى وإن كان قد سبقها نساء أخريات في هذا المجال فلم يسجل التاريخ أي وقائع ملموسة ومسجلة لنضالهن، أما هذه المناضلة، فقد ذكر لها التاريخ أنها كانت وراء ذكر حقوق المرأة في “اعلان حقوق الانسان” الصادر عام 1791، الذي مثل منعطفا تاريخيا في نضال البشرية من أجل المساواة، وإن لم يكن كافيا ليحصل البشر على المساواة الكاملة التي يتضمنها هذا الإعلان لأننا نناضل حتى هذه اللحظة أي بعد قرنين ونصف القرن تقريبا منذ صدوره من أجل الحصول على هذه المساواة التي طالب بها هذا الاعلان. لم يكن نضال هذه المرأة نظريا فقط، بل كانت تطبق على نفسها كل ما تدعو إليه من مساواة المرأة بالرجل، وممارسة النساء لحريتهن باعتبارهن بشرا لهن نفس صفات الرجل ولا تختلف قدراتهن عن قدرات الرجال، ويقدم لنا الكتاب الصادر عن دار نشر “يني انتيدو” في 488 صفحة الكثير من تفاصيل حياتها التي استقاها المؤلفون، وهم عدة: كاتبان وفنانة تشكيلية، من الوثائق التاريخية التي اطلعوا عليها، فقد كانت مؤلفة مسرحية مرموقة، وكتبت الكثير من الابحاث والدراسات التي تعمق المطالبة بمساواة المرأة بالرجل، وبقلمها تمت صياغة البنود التي تضمنها اعلان حقوق الانسان عن المرأة. يذكر كتاب “اوليمب دي جوجز” انها بدأت نضالها منذ ترملها، وهي في الثامنة عشرة من عمرها، فرفضت ان تظل تحمل لقب عائلة زوجها طبقا للتقاليد السائدة في ذلك الوقت، والتي لاتزال سائدة في بلاد تدعي أنها عريقة الديمقراطية كما في بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، بل إنها غيرت ايضا اسمها فتخلت عن اسم “ماري جوزي” لتحمل اسم “اوليمب”. نضالها من أجل حقوقها كامرأة، وحقوق غيرها من النساء لم يكن ناتجا عن فراغ، فقد كانت امرأة مثقفة ومطلعة، وتأثرت بأفكار جان جاك روسو أبرز المفكرين الفرنسيين وصاحب كتاب “العقد الاجتماعي”، وتحت تأثير تلك الافكار التحررية عاشت حياتها، فقررت بعد ترملها ألا تكون ابدا ملكاً لرجل، وبحثت عن حياة اكثر تحررا من عبودية المرأة للرجل التي كانت سائدة في ذلك الوقت. شاركت بشكل نشط في الثورة الفرنسية، وكانت بارزة في هذا النشاط، وواصلت النشاط الثوري رغم علمها بخطورة ما تقوم به، والذي كانت نتيجته النهائية انها كانت إحدى ضحايا تلك الثورة، وتم إعدامها عام 1793، والغريب ان من وجه لها الاتهام وسحبها حتى المقصلة هو روبيسبير أحد أبرز مفكري الثورة الفرنسية، الذي تحول هو فيما بعد ايضا الى احد ضحايا تلك الثورة، وتقول وقائع تاريخية إن الأمر انتهى به الى الهرب من مطارديه الذين طالبوا برأسه واختفى تحت الارض ما بين ممرات المجاري حتى اصيب جلده ببثور قضت عليه. لم يقتصر نضال تلك المرأة على حقوق بنات جنسها فقط، بل امتد الى المطالبة بحقوق اخرى، فقد طالبت بإنهاء العبودية، ومنع بيع البشر في اسواق النخاسة، واعلنت انها ضد عقوبة الاعدام، وغيرها من الحقوق التي تحد من ممارسة الحياة الطبيعية للبشر. المدهش ان هذا الكتاب الذي يتناول حياة هذه المناضلة الانسانية لم يصدر على هيئة رواية، او حتى دراسات حول حياتها، بل تمت صياغته في شكل “الروايات المرسومة”، او ما يسمونه “الكوميك”، من هنا فإن مشاركة الفنانة التشكيلية “كاتيل مولر” كانت حيوية، فقد حولت النص الذي كتبه كل من كريستيان ميتر وجوزيه- لويس بوكيت الى لوحات مرسومة تعبر عن كل لحظة من لحظات حياة المناضلة التي يضمها الكتاب. ربما يكون الحكم على الكتاب من الوهلة الاولى على انه موجه للصغار من القراء، ولكن مع متابعة القراءة نكتشف الإحساس الأنثوي الذي يلف الرواية من اولها الى آخرها، ولا شك ان المجهود الذي بذلته الفنانة في تحويل هذه الرواية الى صور معبرة كان كبيرا، فقد كان عليها ان تعود الى القرن الثامن عشر وباريس ذلك الوقت لتستقي اشكال الملابس والعادات والتقاليد التي كانت تمارسها مختلف الطبقات الاجتماعية في ذلك الوقت.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©