الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أحمد راشد: عملي مع كبار السن علمني كيف أسير فوق الصعاب

أحمد راشد: عملي مع كبار السن علمني كيف أسير فوق الصعاب
17 مارس 2009 02:11
تقبع طاقة هائلة عملاقة في أعماق كل شخص، قد تنطلق وتكسر الحواجز وعراقيل الفشل هوجاء إن وجدت من ينبهها من غفلتها، تسعى نحو التألق والقمم، وإذا لم تجد من يحركها تظل ساكنة حتى تنطفئ شعلتها فتعطل حتى تضمر وتموت، ولن تتقد الطاقة وتتفجر إلا من خلال العمل والبحث عن تطوير المهارات وكسب معلومات جديدة، وإطلاق القدرات للنهوض بالهمم وتحفيز النفوس واكتشاف المواهب، ومن تم خلق التميز والمساهمة في هندسة الحياة، وكثير من الناس يبحث عن سبل تطوير ذاته والارتقاء بها إلى مصاف المتميزين والمتألقين الذين لن يرضوا بمرور حياتهم دون ترك بصمة تؤكد وجودهم بهذه الدنيا، كل يبحث في الاتجاه الذي يجد به ضالته في إطار صقل مهاراته وتحقيق السعادة الذاتية، والمجالات مفتوحة وواسعة وتتطلب فقط من يقبل عليها، وهكذا هناك من اختار التطوع ومدّ يد المساعدة والمساهمة في إدخال بسمة على شفاه مكلومين، وتحقيق التواصل من خلال العطاء، وتحقيق الرضا النفسي سبيلا لحياته، و هذا ما اختاره أحمد راشد السويدي، متدرب قضائي، لصقل مواهبه وتطوير ذاته، وتحقيق الارتياح النفسي من خلال عمل الخير وإدخال السعادة إلى قلوب محتاجيها· العطاء العاطفي عن كيفية مساهة التطوع في صناعة الذات وهندستها يقول أحمد راشد:''بدأت فكرة التطوع منذ كنت صغيرا، من البيت والمدرسة بحيث كانت والدتي تعلمني كيفية التواصل مع الأهل والأقارب ومن ثم المجتمع، ومن خلال المدرسة كنت أشارك في الكثير من الأنشطة التطوعية، ومن بينها ملتقى أطفال العرب، حيث مثلت بلدي الإمارات، إذ يتم اختيار طفلين متميزين ويتحدد السن من 9 سنوات إلى 15 سنة، هذا الملتقى كان يساهم في صقل مهاراتنا ويعلمنا التواصل والرقي بأفكارنا التي كنا نطرحها ضمن هذا المهرجان، ومن هنا كنت لا أرضى أن أكون أقل من زملائي، وكنت أبحث جادا عن تطوير ذاتي، وبعدما أنهيت دراستي بدأت البحث عن الجمعيات والمراكز التي تساهم في صقل المواهب، والتي يمكن للفرد من خلالها أن ينطلق ويبدع ويخلق، سمعت عن الجمعيات التطوعية، وجدت نفسي في هذا العمل لما له من دور في صقل المهارات ويسمح بتفجير الطاقات وإعطاء مساحة واسعة من الإبداع والتألق وترك بصمة في حياة الشخص، فالإنسان لديه طاقات غير محدودة وجبارة، فقط تنتظر الإفراج عنها، ويجب على الإنسان البحث في كل الاتجاهات، حتى يجد الطريق الصحيح الذي يلائم قدراته ليفجر طاقاته الكامنة بداخله، وبتواجد هذه الجمعيات التطوعية التي تسمح بتبني إبداعات مختلفة وفي جميع المجالات، حيث الاحتكاك بكل فئات المجتمع، والتواصل مع كل شرائحه، والتطوع سمح لنا بمعرفة احتياجات بعض الناس المادية والمعنوية، بحيث نصادف من خلال هذا العمل، من لا يحتاج المال بقدر ما يحتاج الابتسامة والحنان، وهذا ما تعلمته من خلال زياراتنا لدور العجزة لإدخال السعادة على قلوبهم، بحيث لا يتمنون شيئاً أكثر من الأنس ودفء الأحضان والاعتراف بجهودهم التربوية وتعبهم على مر العمر وسهر الليالي، لا يريدون شيئا سوى ابتسامة حانية، واعتراف بالجميل، فعطاء العواطف، أكثر من العطاء المادي في كثير من الأحيان، بالإضافة لذلك فإن هذه الأعمال وهذا التواصل مع هذه الشريحة من الناس تدخل الراحة والأمان على نفس المتطوع، من خلال الإحساس والشعور بالرضا عن الذات، بفعل رضا الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم· وبالنظر لهؤلاء بعين الرحمة، ومشاركتهم أفراحهم وأحزانهم والمساهمة في رسم البسمة على أفواه غاب عنها الفرح، وإدخال السعادة والأمل على قلوبهم، ناهيك عن الخبرة التي يزودك بها كبير السن، بحيث إذا فتح له المجال يعطي عصارة تجربة سنوات من الكفاح والنضال في دروب الحياة، يروي قصصه وحكاياته التي ينهل منها المستمع، ويتعلم كيف يسير فوق كل العراقيل والمشاكل''· دورات الحياة يسترسل أحمد راشد في حديثه عن التطوع وما حققه من خلاله، فيقول: ''عندما أزور كبار السن، وأقترب من ذوي الاحتياجات الخاصة، وألمس ما يتطلبه العمل معهم من مرونة مراعاة لشعورهم وأحاسيسهم المرهفة، كذلك بالنسبة إلى زيارة المرضى بالمستشفيات، ومحاولة التخفيف عنهم، ومدّ يد العون للمحتاجين وإدخال البسمة على قلوبهم، أشعر جراء ذلك كله، بسعادة غامرة، وأقدر نفسي وأثمن ما أتمتع به من قوة وصحة، يجب عليَّ صرفها في الاتجاه الصحيح، حتى ينتفع غيرنا بما حبانا الله به من نعم، وبذلك فإنني أصل درجة من السعادة من خلال ما أقوم به، بحيث أرى أنَّ العمل التطوعي يتيح للإنسان دخول دورات الحياة في تطوير الذات، فالاحتكاك اليومي مع كل هذه الشرائح يغير نظرة المرء لنفسه، ويجعله يعيد صياغة العالم من حوله بمفهوم جديد وبمنظور مغاير للأشياء، أستطيع التواصل مع الناس مما يسمح لي بالبحث عن سبل تطوير ذاتي لتحقيق تفاعل أكبر مع الناس، وقد عملنا مؤخرا على جمع تبرعات لأهل غزة كمساهمة منا في التخفيف عنهم، لفرط ما تعرضوا له من محن· كان عملنا من خلال الهلال الأحمر وجمعية الشارقة الخيرية، كما ساهمنا في رفع مساعدة متضرري إعصار جونو، وقد تعلمت الكثير من ذلك حيث اختبرت مهاراتنا وقوتنا في الصمود أمام المحن والعراقيل وكيفية التعامل مع المواقف الحرجة وقت الطوارئ التي تستدعي فطنة وسرعة بديهة، واتخاذ المواقف الصحيحة في الوقت الضيق''· ويختم أحمد راشد كلامه قائلاً: ''أدعو الشباب للانخراط في العمل التطوعي، فهو يفسح المجال واسعا لتقدير قيمة الشخص لنفسه وتحقيق الرضا والسعادة من خلال الشعور بعمل شيء مميز ومثمر في الحياة، كما يمنح الإحساس برضا الله سبحانه وتعالى، وإرضاء النفس وتفجير الطاقات، وكسب خبرات الحياة''· سحر العوبد: التطوع حقق لي الشهرة والانتشار أبوظبي(الاتحاد)- تتطلب الحياة وهندستها مجهودات متواصلة لتحقيق ما يثبث أن الإنسان موجود على بقاعها، وأنه مرّ على مراميها الواسعة، فمن يظل قابعاً في مكانه ولا يسعى لشيء يفيد به الناس ونفسه قد لا تعيره الحياة اهتماماً، تترفع عن وجوده تهمله وتركنه جانباً، فلا يتحقق أي تفاعل بينهما، بينما تغدق وتفرد ذراعيها للمقبلين عليها، تمنحهم السعادة وتحقق لهم الرضا الذي يسعون له، هكذا كل يسعى لتحقيق ذاته مما أتيح له من فرص العطاء والاجتهاد والتحدي، ولعل مثال التطوع والمتطوعين يساهم في هذا الباب بشكل كبير، وهذا ما تؤكده سحر العوبد، رئيسة مجلس جمعية متطوعي الإمارات: ''العمل التطوعي رسالة أولا وقبل كل شيء لخدمة المجتمع والناس ثم تحقيق الرضا النفسي والسعادة الفردية، بحيث يسعى الإنسان لمساعدة غيره ولا ينتظر المقابل المادي، بل يطمح إلى رضا الله سبحانه وتعالى، وقد دخلت مجال التطوع مدة تفوق عشر سنوات، وبدأت ذلك من خلال الجامعة، ولا ينحصر حالياً عملي التطوعي في مجال واحد بل يشمل جميع المجالات الرياضية والاجتماعية، وقد حقق لي هذا العمل انتشاراً واسعاً في جميع ربوع العالم، وحققت صداقات واسعة، واتواصل مع شرائح مختلفة من الناس والأعراق والجنسيات· هذا العمل حقق لي ما لم يحققه لي عملي الرسمي، بحيث أصبحت معروفة في كثير من البلدان، وعزز عندي الثقة بالنفس، وصقل مهاراتي وزودني بتجارب لا حدود لها بحيث نتطوع في كل المجالات ومع كل الفئات، هذا التنوع يشكل لنا مدارس مختلفة ننهل من دروسها، وندخل في تجارب تغني حياتنا اليومية، لقد تشكلت شخصيتي من خلال العمل التطوعي، أما على الصعيد الخارجي وما يحققه هذا العمل فإنني زرت الكثير من البلدان وشاركت في مؤتمرات ومحافل دولية، هذا العمل الذي يسمح للشخص بالبحث عن سبل صقل مواهبه ليكون في أحسن صورة أمام الناس، بحيث يلتقي بشخصيات معروفة ومرموقة من مختلف الجنسيات، من هنا يحقق المساهم تراكماً معرفياً وخبرة في الحياة تساعده في تطوير حياته شخصياً، فأنا اليوم بعد سنوات من العمل في الميدان لا أجد أية صعوبة أبدا في التعامل مع المواقف الأكثر صعوبة، بل أتدخل وأساعد في كل المواقف التي تصادفني وبكثير من المرونة واللباقة أجد نفسي قادرة على العطاء والتواصل''· وتضيف: ''التطوع يبعد الناس عن العزلة وينمي المهارات، ويحقق السعادة النفسية، من خلال الشعور بأهمية الفرد بنفسه، ثم الرضا الإلهي، ونحن كدولة إسلامية، فقد حثنا ديننا الحنيف على التطوع وعمل الخير ومد يد المساعدة، بحيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ''خير الناس أنفعهم للناس''· ومع ذلك نجد المساهمة والانخراط في مجال التطوع لايزال خجولاً، بينما متطوعو الغرب يعدون بالملايين، بل يعتبرون ذلك من أساسيات حياتهم، بحيث ساهم في دورة بكين للألعاب الأولمبية حوالي 70 ألف متطوع على سبيل المثال· ورسالتي في هذا الإطار لوزارة التربية والتعليم لمحاولة تأسيس أجيال على العطاء والتضحية في سبيل الآخرين، لأن التأسيس لثقافة ما يبدأ من الأساس، وهو تربية النشء وتثقفيهم ثقافة التطوع وحب الخير''· كن مرناً لتنجح ولا تكن جامداً فتهلك أبوظبي (الاتحاد)- يتجنب كثير من الناس إعطاء النصح والإرشاد بشكل مباشر، ويحبذ ضرب أمثلة تربوية نافذة تصل للأعماق وتفي بغرض التوجيه، هكذا يقول الدكتور محمود لملوم خبير التنمية البشرية، ويحكي قصة أب يرغب في توجيه ابنه التوجيه الصحيح، وتحفيزه على التكيف مع العراقيل والصعوبات، وحثه على المرونة، وتجنب التعنت في بعض المواقف: سؤال عجيب غريب ومدهش، من الأقوى الفأر أم الذبابة؟ من الأذكى الفأر أم الذبابة؟ وقد يتسرع ويهاجمني البعض ويقول ماذا تفيدنا معرفة أيهما الأقوى أو الأذكى سواء كان الفأر أو الذبابة؟ وهل انتهينا من أعمالنا، وهموم أمتنا لنبحث في فأر وذبابة!! وهل هذا وقت لترف فكري وسفسطة لا جدوى من ورائها!! قبل أن أرد عليكم أدعوكم أولاً للنظر في هذا الموقف التربوي وهذه القصة الجميلة: صحب خبير تنمية بشرية في سفرته ابنه الفتى الألمعي، وأخذ يروي له تجربة الفأر مع المتاهة وقطعة الجبن وعيناه لا تغادران الطريق وسيارته تنهب الأرض نهباً: وضعوا للفأر قطعة من الجبن في نهاية المتاهة وأخلوا سبيله، شمَّ الفأر رائحة الجبن اللذيذة فتوجه لتوه إلى مصدر الرائحة وهو يتلمس خطاه داخل المتاهة· واجهته صعوبات شتى·· ابتداء من ظلمة المتاهة إلى صعوبة الوصول إلى البوابات الموصلة إلى قطعة الجبن· بلغ به الجهد والتعب مبلغه ولسان حاله يقول كله يهون في سبيل الجبن، وبعد جهد جهيد وصل الفأر إلى قطعة جبنِهِ، وأخذ يتلذذ بقضمها المرة تلو المرة، فهي لذائذ متعددة جمعت عليه·· لذة الفوز وتحقيق الهدف، ولذة الجبن المتبل بالجهد والعرق· وفي اليوم الثاني أحضروا نفس الفأر وهو يتضور جوعا، وقدموه للمتاهة بعد أن غيروا معالمها كلية، شم رائحة الجبن اللذيذة التي استمتع بمذاقها بالأمس، اندفع في الظلام بمنتهى القوة نحو أول بوابه عرف مكانها، ولكن حدث ما لم تحمد عقباه، فقد لطمته البوابة المغلقة بمنتهى الشدة، حتى فقد وعيه للحظات كانت كافية لدراسة الأمر، ومعرفة أن الطريق إلى الهدف قد تغير· فبدأ محاولته من جديد، وهو يتلمس الخطو في الظلمات نحو الهدف· وبحساب فرق الزمن بين الانطلاق والوصول إلى الهدف، وجد الباحثون أن الفأر لم يتأخر عن المحاولة الأولى إلا بمقدار لحظات الارتطام· فحسموا تجربتهم أن الفأر يمتلك ثلاثة أنواع من المرونة: مرونة فكرية بتقبل الكوارث وسرعة اتخاذ القرار الأصوب· مرونة نفسية بامتصاص الصدمات، والبدء بمحاولات جديدة في الزمن· مرونة بدنية بتحمل تمزق عضلاته ليقف على أقدامه برشاقة من جديد· بينما يحكي خبير التنمية البشرية هذا لابنه، لاحظ ذبابة تصاحبهما في السيارة، وتحاول جاهدة الخروج منها في سبيل حريتها· تتكرر محاولاتها أمام الزجاج المغلق، وفي كل مرة يصطدم رأسها بالزجاج وتقع أسفله، حتى تهشم رأسها وهلكت، والعجيب أن الشباك الخلفي للسيارة كان مفتوحاً، ولم تحاول الذبابة البحث عن مخرج آخر لأزمتها· فالتفت الأب وقال لابنه وهو يداعبه ضاحكاً: ''يا بني كن فأراً·· ولا تكن ذبابة''· قال الفتى: ''نعم يا أبي سأكون مرناً لأنجح، ولن أكون جامداً فأهلَك''· وبعد فترة صمت سادها عمق من التفكير، توجه الابن لأبيه بالسؤال: أبي·· هل ذكر حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً عن المرونة؟ نظر الأب لابنه نظرة إعجاب، وقال: ''أشكرك على هذا السؤال الجميل، ولعلمك إنني أعرف عقل الرجل من سؤاله· فمضمون السؤال هو عين البحث العلمي والذكاء الابتكاري· وأجيبك بحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ''مثل المؤمن كمثل خامة الزرع يفيء ورقه من حيث أتتها الريح تكفئها، فإذا سكنت اعتدلت، وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء، ومثل الكافر كمثل الأرزة صماء معتدلة، حتى يقصمها الله إذا شاء''· رواه البخاري· هنا تساءل الابن: ''معنى الحديث أن المؤمن مرن يتعامل مع الابتلاءات برضا وتسليم، ولن يصاب أبداً بأي مرض نفسي أو أزمة نفسية''· قال الأب: ''نعم إذا فهم حقيقة الحياة الدنيا، وتعهد إيمانه برواء العمل الصالح ليزداد، وهذا ما أثبتته الدراسات العلمية الحديثة، واتفق عليه علماء النفس''· والآن قد وصلنا إلى محطتنا ونكمل يا بني عندما تتاح فرصة فيما بعد''· قال الابن: ''بل سأصنع الفرصة يا أبي لأنهل من علمك الزاخر''·
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©