الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسيمر حلو

أسيمر حلو
18 أكتوبر 2012
نتابع قراءة بقية موشحة ابن مالك السرقسطي التي لفتت نظري إليها خرجتها المليحة بعاميتها الاندلسية كما وردت في العنوان الذي تقرأ تحته هذه الكلمات. وهي قطعة غزلية طريفة لا يدهشك فيها إيقاع راقص، لأنها من مجزوء المقتضب المحتشم في موسيقاه، كما لا يبهرك فيها تفاصيل أوصاف المحبوب، فهي مما شاع وذاع في الشعر العربي، لكنها تأتي بنكهة أندلسية خاصة وفي إطار كلي شيّق، يقول في المقطع الرابع: كم ذا يهجع/ وجفني ساهر ظبي يطلع/ في الصبح لناظر له برقع/ من سود الضفائر إذ تسبل/ فشمس بليل تقنعُ اقتصاد واضح في العبارة، وإعادة إنتاج للصفات المعهودة في المحبوب، فهو ظبي غرير، يطلع في الصباح فيضيء الأفق لمن قضى ليله ساهرا ينتظر مطلعه بينما كان هو ينعم بالهجوع. وقد لا تكون صورة الظبي الناضرة أقرب لتمثيل المحبوب الذي غط في النوم وترك عاشقه مسهدا، لكنها تقاليد الأدبيات الغزلية، بيد أن هذا المحبوب الذي ينسدل برقع أسود من ضفائر شعره الفاحم على وجهه يبدو كالشمس التي تتخذ الليل قناعا لها، مما يقدم لنا تركيبة جديدة من مواد وصفية مألوفة في شذراتها المتفرقة، ثم ينتقل الشاعر إلى تركيبة أخرى فيقول: قد ذو اعتدال/ منه الغصن اللدنُ معشوق الدلال/ ينأى ثم يدنو هل يرجى إياب/ لعهد الحبائب إذا عصن الشباب/ مطول الجوانب ووصل الكعاب/ مبذول لطالب فلا تبخل/ بالوصل ولا الصب يقنعُ هذه اللوعة الحارقة لعهد الحبائب عندما كان الشباب في ريعانه، ووصل الحسان متاح لمن يطلبه دون بخل ولا اكتفاء إنما يمثل ذلك حنينا جارفا لما استكن في ضلوع الشاعر من إحساس بالضياع والفقد، وإن لم يتبين بوضوح كنه مشاعره في أعماقه البعيدة، وليس من الضروري في حساب النقد اليوم أن يقصد الشاعر ذلك أو يعينه بشكل واع، إذ غالبا ما تحمل النصوص أبعادا لم يلتفت إليها المبدعون أنفسهم فيدهشون من فهم المتلقين لها. ثم يقول: لا أسلو ولا/ أغى للواحي بل أصبو إلى/ هضيم الوشاح يجيل الطلا/ ما بين الأقاح فلو يعدل/ ما بت أظما وينقع فهو لا يسلو أحبابه، ولا يصغي لمن يلومونه في هواه، بل يظل يصبو إليه في أرهف صوره وأحلاها من الرشاقة ودقة الحصر، ثم يتصوره وهو يدور بكأس المحبة بين الزهور والأقاح، ولو كان هذا الحبيب عادلا في معاملته لما بات يظمأ وهو ينقع غلته بالشراب، علينا هنا أيضا أن نتجاوز المعنى الحرفي للأبيات، حيث تصبح كلمة الخمر رمزا جامعا لألوان المتعة والنعيم، وتحمل كلمات القصيدة ما هو أبعد وأشمل من دلالتها الحرفية، فالشعراء لا يكررون الكلمات ذاتها بنفس المعاني، بل يحفرون بها أخاديد جديدة تصل إلى أفهام وقلوب قرائهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©