الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

العولمة جسر من بغداد العباسيين إلى واشنطن المعاصرة

العولمة جسر من بغداد العباسيين إلى واشنطن المعاصرة
12 نوفمبر 2014 00:20
عصام أبو القاسم (الشارقة) بدت مداخلة الصحفي والرحالة الأميركي جاستن ماروزي ذكية واستحسنها الحضور كثيراً، عندما لفتت الأنظار إلى الملامح الأولى للعولمة كما تحققت في مدينة بغداد خلال العصر العباسي، وذلك في ندوة «ثقافات مشرعة: العولمة وآثارها الثقافية والحضارية» التي أدارها المصري سيد بخيت، وشارك بها أيضا الروائي المصري يوسف زيدان، والكاتب ووزير الثقافة السوري الأسبق رياض نعسان آغا، وقدمت مساء أمس الأول في إطار البرنامج الثقافي المصاحب للدورة 33 من معرض الشارقة للكتاب بمركز اكسبو. تحولات بغداد قال ماروزي، في سياق قراءته العولمة من منظور تاريخي، إن العاصمة العراقية الأولى شهدت تطوراً اقتصادياً كبيراً في عهد أبو جعفر المنصور، وتحولت ابتداء من 1762 م. وخلال خمسمائة سنة تالية، إلى عاصمة لا مثيل لها في كل العالم من حولها، في هندستها المعمارية وفي نظامها المائي وحراكها الاقتصادي؛ فلقد نشطت فيها حركة التجارة كما تحولت إلى مجمع للعلماء في كل الحقول، في الفلك والرياضيات والفيزياء واللغة، وهي استقطبت كل الفنانين والشعراء وامتد إشعاعها الحضاري والثقافي إلى نطاق واسع من جغرافيتها التي كانت تغطي مساحة واسعة من الخارطة الارضية، وبالتالي كانت هي «عاصمة العالم» التي تتعايش فيها الديانات والثقافات المتعددة، وكانت حينذاك النموذج الأول والوحيد لـ»العولمة» التي باتت الآن مرتبطة بأمريكا على وجه التحديد. وبدا غريباً لدى ماروزي، الذي عاش في مناطق نزاع وما بعد نزاع عديدة مثل العراق ودار فور وكابول ومقديشو، أن تتحول بغداد من مجدها السابق إلى ما هي عليه الآن من انقسامات وصراعات طائفية؛ متهكماً على الذهنية التي تحرّك جماعة متطرفة مثل «تنظيم الدولة الاسلامية»، وقال إن دعاتها والمنتسبين إليها ربما كانوا في حاجة إلى العودة للمدارس وإعادة قراءة التاريخ حتى يعرفوا ان عصر الخلافة الاسلامية كان مبدعاً وخلاقاً وكان متقبلاً أصحاب الديانات الأخرى، وكان مغايراً تماما لما يتبنونه. في رده عن سؤال فيما لو كان يرى أن بغداد العصر العباسي تشبه واشنطن الآن في مسافتها من العولمة، قال ماروزي «إن أمريكا لم تعد هي القوة المهيمنة في العالم وأن هناك قوى أخرى تتقدم في المشهد الراهن في آسيا وخصوصا الصين». رؤية ضيقة لكن الروائي المصري يوسف زيدان لم يتقبل قراءة ماروزي لحالة بغداد العباسية، وقال «مع إعجابي بالملاحظة الذكية إلا إنني أعتقد أن بغداد قدمت نمطاً خاصاً بها ولم تسع إلى تعميمه في بقية أنحاء العالم كما فعلت وتفعل واشنطن»، وكان الباحث المصري طرح في مداخلته وجهة نظر ناقدة للمشروع الثقافي العربي خلال العقود الستة الماضية، فبرأيه أن العرب انطلقوا دائما من رؤية ضيقة لواقعهم ولقدراتهم وموقعهم في العالم وأن التجلي الأول لهذه الرؤية المأزومة تمثل في الموقف الخلافي بين الدول العربية من غزو صدام حسين للكويت، وثانيا في الموقف من احتلال أميركا العراق، ثم في قراءة «الاصطخاب» الذي حصل قبل أعوام قليلة في مصر وليبيا وسوريا وتونس، إذ لم يمض الكثير من الوقت حتى بدأ الكلام عن «مؤامرات وخطط صهيونية وماسونية.. تحاك ضد الدول العربية». وقال زيدان إن العرب فاتهم أن يتبنوا رؤية مماثلة لتلك التي عبّر عنها غاندي حينما قال «إنني على استعداد أن أفتح نافذتي لكل التيارات؛ ولكنني لست على استعداد أن أسمح لتيار أن يقتلعني من جذوري»، مشددا على أهمية التأسيس على الواقع وتطوراته وليس على الأوهام. وانتقد زيدان تبني المثقفين المصريين في ستينيات القرن الماضي لدعوة جمال عبد الناصر من دون نقدها وقراءتها بعمق، كما قال إننا لا يمكن أن نتحرك بعزل أو غفل العالم من حولنا، مبيناً الدور الكبير الذي تلعبه وسائل الإعلام في الوقت الراهن. رعب الإعلام وحول «الاعلام» و»الإنترنت» و»الصورة»، تركزت مداخلة السوري رياض نعسان آغا، وهي الأخرى جاءت ناقدة للرؤية الثقافية العربية على مدى العقود الستة الفائتة، وقد ابتدرها باستعراض بانورامي لمشهد دخول التلفزيون إلى البلاد العربية، وهو المولود سنة 1947 ورافق التجربة منذ بدايتها. وذكر نعسان آغا جملة من التطورات التقنية التي رافقت ظهور التلفزيون، مشيرا إلى أن كل انتقالة تحققها الاكتشافات في هذا المجال كانت ترعب أجهزة الإعلام في بلده، التي كانت ترتبك في قراءة المستجدات أو تتعامل معها بحذر مفرط. وقال إن العرب أنفقوا على محطات «التشويش» التي تصد الصور القادمة من بلدان عربية مجاورة، أكثر مما أنفقوا على محطات التلفزة التي تنقل صورتهم إلى العالم من حولهم، وان خوف العرب من بعضهم كان أكبر من خوفهم من سواهم. وضرب مثلا على ذلك موقف أجهزة الأمن السورية مع ظهور البث التلفزيوني العربي عبر الأطباق اللاقطة «الدش»، وقال إن السلطات السورية انقسمت حينذاك فبعض أفرع الأمن كانت تعتقل الأسر التي تستخدم «الدش»، في حين بعضها الآخر كان يكتفي بتنويه الأسر إلى أن هذه الأطباق ستتسبب في تشويه ثقافة وقيم أولادهم. وأكد نعسان آغا أن العولمة هي قدرنا، سواء استهوتني أم لا، وهي نتاج هذا التطور التقني الكبير، وعلينا أن نتعايش معها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©