الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حركة «تيري جونز» في كندا!

18 أكتوبر 2012
عبدالله عبيد حسن كاتب سوداني مقيم في كندا لا أدري.. إن كـان وزيـر خارجيـة تركيـا الـذي حذَّر زملاءه في اجتماع مجلس حلف شمال الأطلسي "الناتو"، المنعقد خلال الآونة الأخيرة بكندا، من تصاعد موجة العداء ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا، والأخطار التي تنشب نتيجة للأعمال العدائية التي تقوم بها -كما قال الوزير التركي- جماعات صغيرة من المتطرفين المسيحيين، مدعومة سراً بأصحاب المصالح الذين يدفعونهم للتجرؤ على إهانة رموز الإسلام ومقدساته. لا أدري إن كان في علم الوزير (وهو يتحدث من أوتاوا عاصمة كندا) أن هذا الوباء قد امتد أيضاً إلى كندا وطن الشعب الطيب المهذب. إن الشعب الكندي يقدس التعددية العرقية والدينية ويحمي مجتمعه بدستور ديمقراطي يقوم على ميثاق الحريات والحقوق؟ لم تمض بضعة أسابيع على خطاب الوزير التركي، والذي حاز إعجاب الحاضرين والرأي العام الكندي على حد سواء، حتى وجدنا أنفسنا أمام أزمة مخطط لها بطريقة شيطانية، أزمة ربما كانت ستدخل كندا إلى طريق انقسام المجتمع وتهديد أمنه واستقراره. وأصل الحكاية أن القس الأميركي الدكتور تيري جونز (والمشكوك أصلاً في شهادته العلمية) قد جاء بشكل مفاجئ إلى محطة الحدود الكندية "وترسور". وطلب "جونز" من مسؤولي الجمارك والجوازات فيها السماح له بدخول كندا بناءً على دعوة من أنصاره في تورينتو بهدف الحديث في اجتماع جماهيري ينظمه أنصاره هناك. وكما نعلم فإن القس جونز هو صاحب فكرة حرق المصحف الشريف في فلوريدا، تلك الفكرة الشيطانية التي أخافت الرأي العام والمسؤولين في أميركا وعلى رأسهم أوباما وقائد القوات الأميركية في أفغانستان، حيث تبرأوا جميعاً منها ومن صاحبها المهووس. وتفاصيل ما جرى العام الماضي معروفة للجميع. لكن الجديد في الأمر أن تلك الفكرة الكريهة أصبح لهـا علـى ما يبدو أنصار هنا في كندا، حيث اتضح أنهم كانوا يعدون لحفل "حرق المصحف" في إحدى الحدائق العامة أمام مبنى مجلس الوزراء في أوتاوا. لقد تصرف مسؤولو الحدود في "وترسور" حسب القانون الذي يمنحهم سلطة تقديرية في منع دخول أي "زائر" يعتقدون أن دخوله يهدد الأمن والاستقرار في بلدهم. وأثناء التحقيق مع جونز، وهو تحقيق استمر أربع ساعات، رجع المسؤولون الأمنيون في المحطة الحدودية إلى الملفات ووجدوا أن القس مطلوب للعدالة في قضية مقامة ضده بتهمة تهديد أمن واستقرار المجتمع الأميركي. لقد هاج وماج أنصاره وأعلنوا أنهم سيرفعون دعوى قضائية ضد "الحكومة الجبانة" التي منعت زعيمهم من الحديث للشعب الكندي. مرّ اليوم الموعود بهدوء ولم ينفذ أنصار جونز وعيدهم بحشد الجمع الكبير من أنصارهم المزعومين. وفي تقديري أن محاولة جونز دخول كندا، وللغرض الذي أشرنا إليه آنفاً، هي جزء من الخطة الشريرة الساعية إلى إشعال نار الفتنة بين المسلمين والمسيحيين. بمعنى أن تحذير وزير الخارجية التركي من تنامي "الإسلاموفوبيا" التي يغذيها يمين مسيحي متطرف في أوروبا. كان ينبغي أن يشير كذلك إلى أن الخطر يشمل الولايات المتحدة وكندا أيضاً، حيث توجد منظمات تعمل باستمرار وبلا كلل من أجل نشر وتعميق مشاعر الخوف من الإسلام. في الدائرة الانتخابية التي أسكن بها، فوجئنا بنداء من منظمة سمّت نفسها "الكنديون المتحدون ضد الإرهاب"، وهي واجهة أخرى لـ"المنظمة من أجل حب الميثاق والدفاع عن الهندوس الكنديين". وقد وجّه النداء دعوة لسكان الحي طالبهم فيها أن يخرجوا بكلابهم يوم الجمعة ويتمشوا حول مسجد الحي أثناء الصلاة وبعدها، وأن يحيطوا سور المسجد بكلابهم! ومع سخف الفكرة التي لم تنفذ لأن عقلاء الهندوس منعوا مساعيهم من المضي في طريقها، فإن الهدف كان هو أن يتواجه المصلون مع أصحاب الكلاب، مما يقود أخيراً إلى معركة لا يعلم أحد مداها. خلال سنوات حكم المحافظين في كندا اعتبرت الحكومة أن المهاجرين المسلمين الجدد القادمين من شبه القارة الهندية وأفغانستان يحملون معهم -كما زعمت- بذرة "الإرهاب الإسلامي"، من باب الاتهام المعلب والمجهز مسبقاً. ورغم فجاجة التمييز ضد المسلمين، فالواقع يقول إن كل الشباب المحاكمين أمام القضاء الكندي بتهمة الانتماء إلى "الإرهاب الإسلامي" هم في الواقع كنديون بالميلاد والمنشأ والعيش والإقامة والدراسة. أما الآن، وقد دخل في حلقة الإرهاب مواطنون كنديون غير مسلمين، فإن التساؤل المطروح هو: هل تنتبه السلطات الكندية لهذا الواقع الجديد وتعمل على تأمين سلامة واستقرار المجتمع، أم يظل كل اهتمامها الأمني موجهاً ضد المسلمين؟ الإرهاب هو الإرهاب أياً كانـت هويـة فاعله. والسلطة العاقلة يجب أن تتعامل معه بغض النظر عن ديانة أو جنس أو لون الإرهابيين. وعلى المسلمين الكنديين من جانبهم أن ينتبهوا ويخرجوا من القوقعة التي يعيشون فيها، وأن ينشطوا ويكافحوا في إطار القانون ووفق الطرق السلمية والمدنية لحماية أنفسهم والحفاظ على هويتهم والدفاع عن مقدسات دينهم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©