الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

شعرية الصورة في بلد الفقر والأساطير

شعرية الصورة في بلد الفقر والأساطير
12 نوفمبر 2014 22:00
إبراهيم الملا (الشارقة) في مزج غرائبي بين الواقعية المحطّمة والأشواق الروحية المحلّقة، وفي ارتحال بصري أقرب للحلم بين خرائب الذاكرة ومشهديات الفردوس المؤجّل، ينطلق بنا كتاب: «سينما ساتياجيت راي» الصادر من مشروع كلمة بهيئة أبوظبي للثقافة والسياحة، وضمن العناوين اللافتة بمعرض الشارقة للكتاب، إلى أرض مأهولة بالشعر والألم والجمال، كما بالبؤس والانعتاق وارتعاشة الكاميرا السينمائية بتجلياتها الفاخرة المنذورة لقلق أصيل في قلب الفنان، وفي توقه الأقصى إلى البراءة والخلاص. «سينما: ساتيا جيت راي»، هو سفر توثيقي وجهد استقصائي متشعب يقدمه لنا الكاتب الهندي تشيداناندا داس جوبتا كأول دراسة شاملة عن المخرج السينمائي الاستثنائي ساتياجيت راي ويعرض فيه تفاصيل عن أفلامه التي قدمها عبر مسيرته المهنية التي امتدت لأربعة عقود. يتناول الكتاب أفلام (راي) بدءا من فيلمه الأول والأشهر: «أغنية الطريق» وصولا إلى فيلمه الأخير «أجانتوك» أو الغريب بتفصيل نقدي تدعمه معرفة المؤلف اللصيقة بالمخرج وأعماله واطلاعه على المصادر الأجنبية المختلفة التي تناولته، ويركز الكتاب على المصادر الأدبية التي اعتمدت عليها أفلام راي، ومدى تأثير معرفته بالثقافة والموسيقا الغربية على ثقافته الهندية وفنه وعقليته. وكما تشير المدونة التعريفية بالكتاب، فإن تتبع مسيرة هذا المخرج الظاهرة الذي ولد في العام 1921 وودعه عشاق السينما الحقيقية المستقلة في العام 1992، هو تتبع لن ينفصل عن استدعاء ما يزيد على مئة وخمسين عاما من تاريخ الهند في الفلسفة والدين والسياسة والفن والثقافة والخصائص الاجتماعية. في الفصل الأول من الكتاب بعنوان: «النهضة البنغالية والمزج الثقافي الطاغوري» يذكر المؤلف داس جوبتا أنه من النادر أن تؤرخ أعمال مخرج سينمائي لعملية التغيير الاجتماعي في بلد ما على مدى فترة طويلة من الزمن على غرار ما فعلته أعمال ساتياجيت راي، والذي سجلت مواضيع أفلامه مظاهر التغير الاجتماعي في الهند لأكثر من مئة وخمسين عاما، حيث تعود بنا أحداث فيلم «الآلهة» (1960) إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ويعود فيلم «لاعبا الشطرنج» إلى خمسينيات القرن التاسع عشر، وتقع أحداث فيلمي «الزوجة الوحيدة» و»غرفة الموسيقا» في نهاية القرن التاسع عشر، وثلاثية «آبو» إلى السنوات الأولى من القرن العشرين، وتتالت بعدها الأفلام المشتبكة بتفاصيل الحياة في بدايات هذا القرن مثل فيلم «الخلاص» و»الرعد البعيد» الذي يصور مجاعة فترة الحرب التي تسببت بها بريطانيا في العام 1943، ورغم المآخذ الكثيرة على الهجمة الاستعمارية الكولونيالية في الهند، إلا أن ساتياجيت راي ـ كما يذكر مؤلف الكتاب ـ يجسد المثال الأكثر سطوعا لحركة التجديد الهندية المستفيدة من التواجد الإنجليزي، بالتحديد من حيث تأثيرهم الحداثي على الفنون وتطوير النظم الاجتماعية وتحرير المرأة وكسر حاجز الكراهية للغرب. ويضيف المؤلف في هذا الفصل من الكتاب أن راي كثيرا ما يوصف بأنه مدافع عن الإنسانية على اعتبار أن الإنسان هو مركز الكون، انطلاقا من المفاهيم الكبرى لعصر التنوير، الذي تبعته الثورة الصناعية، وغزو الفضاء. ويشير المؤلف في الفصل المعنون بـ(ما قبل أغنية الطريق) أن أصول ساتياجيت راي تعود إلى منتصف القرن السادس عشر في راسمندر ديب، في مقاطعة ولاية البنغال الغربية التي تعد مركزا لعلم البيان البنغالي ونقطة محورية في الثقافة البنغالية، وفي جامعة طاغور، تفتح راي على الاتجاهات الأدبية والفنية المعاصرة، وفي العام 1947 أسس راي مع أصدقائه السينمائيين الهنود جمعية كالكتا للسينما، وكتب مقالات عن مشاكل السينما الهندية، وكيفية تطويرها، وكانت الجمعية تقدم عروضا لمخرجين عالميين مثل إيزنشتاين، وبدوفكين، وروبرت فلاهيرتي، ومارسيل كارنيه، وجان رينوار وجون هيوستن، وغيرهم. وعندما زار راي لندن في العام 1950 شاهد مئات الأفلام الأوروبية وتأثر بأفلام الواقعية الإيطالية، وعلى وجه الخصوص بفيلم «سارق الدراجة» للمخرج الإيطالي فيتوريو دي سيكا، هذا التأثير العميق سوف يقوده في رحلة العودة في الباخرة إلى كتابة المسودة الأولى لباكورة أفلامه «أغنية الطريق» لينطلق في صياغة منهج سينمائي طويل وحافل بالتحديات ضد السينما التجارية الزائفة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©