السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديون الفيدرالية... والأزمة المالية القادمة

3 يناير 2011 20:03
منذ عامين تعرضت الولايات المتحدة لأعنف أزمة مالية منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. الأزمة بدأت في"وول ستريت" عندما أدى التهافت العشوائي والخطر على الرهونات العقارية إلى خسائر فادحة لم يتوقعها السواد الأعظم من المراهنين. كما فقد ما يقرب من 4 ملايين وظائفهم خلال ستة شهور من وصول الأزمة إلى ذروتها بحيث يمكن القول إنه لا تكاد هناك مدينة في أي ولاية أميركية تخلو من أثارها. وبينما نواصل العمل من أجل إصلاح بنيتنا المالية ودفع الاقتصاد للحركة مجدداً، فإننا بحاجة إلى عمل عاجل لاستباق الأزمة المالية القادمة والحيلولة دون وقوعها. في الحقيقة أخشى أن تندلع الأزمة القادمة في واشنطن. وهناك أسباب لذلك منها أن الدين الفيدرالي الإجمالي تضاعف في السنوات السبع الماضية حتى وصل إلى 14 تريليون دولار. وهذا الرقم لو تم تقسيمه على تعداد الشعب الأميركي فيعني أن كل أسرة أميركية قد باتت مدينة بـ100 ألف دولار. وهذه الزيادة الهائلة في الاقتراض الفيدرالي هي نتيجة ليس فقط للأزمة المالية وإنما لعدم رغبة الحكومة على مدى سنوات في اتخاذ الخيارات الصعبة اللازمة لكبح جماح العجز البنيوي طويل الأمد في الاقتصاد الأميركي. علاوة على ذلك من المقدر أن تشكل النفقات المجمعة لمشروعات الضمان الاجتماعي، والرعاية الصحية ما نسبته 45 في المئة من الإنفاق الفيدرالي (مقارنة بـ27 في المئة فقط عام 1975). ويتوقع مكتب الميزانية التابع للكونجرس أن الإنفاق على بنود الاستحقاقات السنوية (الخدمات التي توفرها الدولة للمواطنين)، يمكن أن يتضاعف ثلاث مرات بحلول العام 2035 بحيث يصل إلى ما يعادل 4.5 تريليون دولار حسب أسعار الدولار اليوم. على المنوال نفسه، نجد أن الإنفاق الحالي على الدفاع غير قابل للاستمرار، كما أن قانوننا الضريبي يشتمل على العديد من البنود التي تراعي المصالح الخاصة، والتي ليس لها علاقة برخائنا الاقتصادي. ما لم يتم اتخاذ اللازم من أجل معالجة جوانب الخلل هذه، فإن الدين الفيدرالي يمكن أن يرتفع من 62 في المئة من الناتج القومي الإجمالي هذا العام إلى 185 في المئة عام 2035. وهذا النمط المستمر بلا هوادة من الاقتراض الفيدرالي سيمثل تهديداً مباشراً لاستقرارنا المالي، وذلك من خلال تقويض ثقة المستثمرين في التزام الولايات المتحدة بتعهداتها. ومما يفاقم من هذا الاحتمال تلك الإشارات المقلقة التي أرسلتها الأسواق المالية خلال الأزمة ولعل أبرزها ارتفاع تكلفة قيمة التأمين على الأسهم والسندات التي تتحملها الحكومة الفيدرالية. ونظرا لأن ما يزيد عن 70 في المئة من ديون الخزانة الأميركية المستحقة للمستثمرين الخصوصيين سوف تستحق -كما هو مقرر وفقاً للجداول الزمنية المعمول بها- خلال الخمس سنوات القادمة فإن أي تآكل في ثقة المستثمرين سيؤدي إلى زيادات حادة في نسبة الاقتراض الحكومي والخاص. ولأن الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بوضعية فريدة كسوق مفضلة للاستثمار، لا يزال المستثمرون ينظرون إلى سندات الخزينة الأميركية على أنها ملاذ آمن في أوقات الأزمات. والأحداث التي وقعت في اليونان وأيرلندا تمثل جرس إنذار فيما يتعلق بمسألة فقدان الثقة أو اهتزازها. فلو فقد المستثمرون الثقة في الدين العام الأميركي، كما هو الشأن في هاتين الدولتين، لكان من المحتم أن نأخذ في حسباننا أن أسعار الفائدة المرتفعة والمتقلبة ستؤدي إلى خسارة المؤسسات المالية التي تحتفظ بالأوراق المالية التابعة للخزانة الأميركية، وبالتالي رفع تكاليف التمويل لمؤسسات الكفالة المصرفية المعرضة بشكل كبير للصدمات الناتجة عن أسعار الفائدة. وفي مثل هذه الحالات فإن المحتم أن ندفع جميعاً المزيد من الفوائد على الاقتراض الشخصي والمؤسساتي، وهو ما يؤدي بالتبعية إلى أضرار فادحة على الاقتصاد. وحل تلك المشكلات المتراكمة سيتطلب التزاماً من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة بإعداد حزمة شاملة من تخفيضات الإنفاق وزيادة الضرائب على مدى عدة سنوات قادمة. ويجب أن يكون معلوماً لنا أن معظم التغييرات المطلوبة لن تحظى بقبول شعبي وستضر بالعديد من جماعات المصالح بشكل ما، وهو ما يحتم علينا ضرورة العمل على تنفيذ تلك التغييرات على مراحل، وأن تتم في الوقت الذي يواصل الاقتصاد تعافيه من آثار الأزمة المالية التي عانينا منها في السنوات الأخيرة. ورسم خطة شاملة الآن سيكون مؤشراً على الالتزام الصارم من جانب الحزبين بذلك النمط من الانضباط طويل الأمد في مجال الميزانيات، وهو النمط الذي سنكون في مسيس الحاجة إليه للمحافظة على مصداقية أميركا في الأسواق المالية العالمية، وتحقيق استقرار القطاع المصرفي في الداخل. والثقة التي أبداها الجمهور الأميركي خلال هذه الأزمة كانت من ضمن الأسباب الرئيسية التي ساعدت على كبح وتيرة التدهور في الأزمة المالية الأخيرة، وهو ما ساعد على تجنيبنا خسائر قد تكون أكثر فداحة مقارنة بما تكبدناه بالفعل. ويجب ألا نركن إلى ثقة الجمهور أو المستثمرين ونأخذها كشيء مسلم به، لأن تلك الثقة ستتوقف في نهاية المطاف على التصميم والعزم الذي تبديه حكوماتنا في التعرف على الأخطار المتوقعة وعلى قدرتها في اتخاذ إجراءات منسقة للتصدي لتلك الأخطار. يبقى بعد ذلك القول إن الاقتراض الحكومي المفرط يمثل خطراً واضحاً على استقرارنا المالي طويل الأمد، وهذه الحقيقة في حد ذاتها تفرض علينا العمل والتعاون كأميركيين، وأن ننظر إلى ما وراء مصالحنا الحزبية الضيقة، ونظهر للعالم أننا مستعدون تماما للقيام بجهود جسورة لحماية مستقبلنا الاقتصادي. شيلا.بي. بير رئيسة مجلس إدارة مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية بواشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©