الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«يديد الشحي» يتسامر مع النجوم

«يديد الشحي» يتسامر مع النجوم
14 نوفمبر 2014 02:05
ياسين سالم (دبا الحصن) تختصر ملامح الوالد «يديد الشحي» تاريخاً طويلاً وتعبر عن عشقه البادية، فقلبه يفيض بمحبة وحكمة، اكتسبها من «دبا البيعة» التي شهدت خطواته الأولى على طريق العمل والأحلام، فهو يبحث دائماً عن مكان دافئ في قلوب الناس. يملأ حياة من حوله بالحضور الجميل، ويمثل لهم ذكريات مرتبطة بالناس والمكان، وكم يشعرون بالسعادة عند سماعه يتحدث عن الماضي وحياة الآباء والأجداد، حيث يحرص يديد الشحي عبر جلساته مع أهل منطقته، أن يغرس شجرة الوفاء للمكان والأجداد وتفاصيل الحياة القديمة وأصالتها، ويحلم بأن يمزج العصر بالتاريخ البعيد المملوء بتقاليد راسخة ليفتح عيون الشباب على وهج وخصوصية تميز بهما ماضينا الجميل، لذلك يستحق أن يطلق عليه حامي الأصالة. لم يتأثر بالمدنية، وحمل معه مفاهيم تلك الفترة، فلم يمنعه تقدمه بالسن، حيث تجاوز العقد التاسع من زيارة الأصدقاء الذي ينتمي آباؤهم إلى جيله، ف«يديد» الذي يقيم تحت سفوح جبال دبا البيعة يقطع ما بين 20 و25 كيلومتراً يومياً، متخطياً السيوح والوديان للوصول إلى دبا الحصن وزيارة «الربع»، حتى أصبح وجهه مألوفاً لكل من يسلك الطرق المؤدية إلى دبا، فأقدامه الخفيفة النحيفة تحمله بلا كلل أو ضيق إلى مقصده، أما مشهده باليرز الذي يحمله على ظهره محملاً بصرة من ثياب أو مستلزمات الحياة الأخرى، من طعام، فيعود بالذاكرة إلى الأيام والسنين الخوالي، وقت أن كانت البضاعة تنقل على الأكتاف. الشحي الذي يعيش اليوم وحيداً بعد رحيل زوجته منذ سنوات ولم يرزقه الله بالذرية، ظل صامداً وفياً للعلاقات التي تربطه مع أناس، يحتفون بقدومه ويشاركهم وجبة الغداء، لا سيما يوم الجمعة، حيث يلتقي بعد أداء الصلاة أكبر عدد من المصلين الذين يكنون له الود والتقدير، وبعد الغداء ترى «يديد» قد انسل من البيت كنسمة الهواء طالباً الإذن بالانصراف والتوجه إلى بيته المتواضع المكون من غرفة من الحجر والطين، وحول البيت ينتصب «السيم» في الهواء الطلق، حيث اعتاد النوم خارج الغرفة ليتسامر مع النجوم قبل أن يخلد إلى النوم في سيح دبا، وبين سفوحها يلفحه النسيم القادم من الوادي فهو لم يركن يوماً إلى هواء المكيفات التي يصفها بأنها «أجهزه التخدير»، ومع صياح الديك وقبل بزوغ الفجر، يتهيأ الوالد يديد من جديد للصلاة، وبعدها يشب النار ويقلي القهوة المعتقة التي يتناولها مع حبات يسيرة من التمر، ثم يتفقد «الحلال»، فهو يملك عدداً من الأغنام. وعلى الرغم من المرعى الذي يحيط بمنزله، إلا أنه يقوم في بعض الأحيان بزيارة المزارع لتوفير العشب للغنم الذي تربطه به علاقة حميمة، منذ أيام الصبا، هكذا يعيش الوالد يديد الشحي حياته اليومية، على خطى الأجداد، ولا يخالجه الشك كما يبدو أن تلك المعاني التي تركها الآباء، لم تزل ساكنة في الروح والمكان، لذلك تمسك بها وترجمها إلى أرض الواقع ومارسها بكل عفوية حب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©