الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حدث غداً

حدث غداً
20 أكتوبر 2012
حدث غداً هو عنوان برنامج إذاعي ممتع كان يذاع على قناة مونت كارلو، ويتخيل ما يمكن أن يحدث لو حدث كذا أو كذا.. وكان يجري لقاءات صحفية ويعرض تقارير.. إلخ .. مثلاً كانت هناك حلقة مهمة تصف دخول هتلر للولايات المتحدة وتصف موكب النصر.. ما حدث معي هو مشكلة مختلفة. يمكن أن نقول إنها عكس ذلك. أكتب مقالاً أسبوعيا سياسي الطابع في جريدة شهيرة.. يشترطون أن يكون المقال عندهم يوم الخميس والمفترض أن يُنشر يوم الاثنين. هكذا أكتب مثلاً عن نتيجة مباراة كرة القدم بين الفريق القومي وفريق جمهورية باكتريا.. أو أكتب عن انطباعي عن فيلم «فاجعة في سوق الخضار» أشرح فيه وجهة نظري حول أن الراقصة فتكات ليست أم الطفلة ريري بل هي خالتها. أرسل المقال للنشر.. في يوم الجمعة يحدث فيضان مروع يلتهم عدة قرى، وفي المساء يشب حريق يدمر عدة بنايات.. يوم السبت تستقيل الحكومة، ويوجه برلماني مهم ركلة في بطن مسؤول حكومي أكثر أهمية. وفي المساء يُسرق مصرف شهير. يوم الأحد تشب الحرب العالمية الثالثة وتلقي روسيا قنبلة هيدروجينية على أميركا فترد أميركا بإلقاء ست قنابل هيدروجينية على روسيا.. وفي مساء الأحد يتفشى وباء جديد أخطر من الطاعون ألف مرة ليبيد أميركا الجنوبية. يوم الاثنين يبتاع الناس الجريدة ليجدوا صورتي أضحك في بلاهة وأخبرهم أن الراقصة فتكات ليست أم الطفلة ريري!.. هكذا أتلقى سيلاً من الشتائم ولا ألومهم لحظة.. إن مقالي وقتها يبدو نموذجا للغيبوبة وانعدام المسؤولية. فشلت مرارا في تعديل موعد إرسال المقال.. استمر الحال لمدة عام.. وقد توصلت لحقيقة هي أن الطريقة الأكيدة لجعل العالم يتغير والأحداث تدور بسرعة، هي أن أكتب مقالي. فيما بعد قرأت عن ذلك الصحفي البريطاني أيام الحرب العالمية الثانية.. كان العالم كله ينتظر أن يدخل جيش الحلفاء باريس ويحررها، لكن إيزنهاور قائد العمليات كان مترددا.. لم يكن يريد تبديد قواته في تحرير باريس، واستهلاك ما لديه من وقود.. لهذا فضل أن يدور حولها رغم إلحاح الجنرالات مثل باتون وعمر برادلي.. الصحفي البريطاني راح يرسل برقيات تصف دخول الحلفاء باريس، وكتب مقالات كاملة عن الاستقبال الحار لهم. لقد أراد أن يسبق الجميع وأن تنشر هذه المقالات قبل أي واحد آخر، ولكنه لم يعرف أن الحلفاء داروا حول باريس. هكذا كان الفرنسيون الذين يجثم النازيون على صدرهم يسمعون الإذاعات في غيظ، وهي تصف فرحتهم بالتحرر ورقصهم في الشوارع.. كان على مقالات هذا الصحفي أن تنتظر عدة أشهر قبل أن تصير صحيحة، لكن مستقبله المهنى كان قد انتهى على كل حال. فكرت أن أفعل ما فعله هذا البريطاني، لكن مع توخي الحذر أكثر.. أنت تعرف أن المصريين يحتفلون بعيد فرعوني هو شم النسيم، يذهبون فيه إلى الحدائق ويأكلون البيض الملون وسمكًا لعين الرائحة هو الفسيخ. تصادف أن كان شم النسيم هو يوم الاثنين الذي ينشر فيه المقال. طبعًا مهما بلغ بي النحس فلن يتم إلغاء شم النسيم أو تلغي الحكومة يوم الاثنين. هكذا جلست يوم الخميس وكتبت مقالاً رائعًا يصف تدافع الناس في الحدائق، وكيف أصيبت حيوانات حديقة الحيوان بالعقم والجنون الذهولي نتيجة الزحام.. وحكيت عن فتاة تعرضت لمضايقات فأسرع شاب شهم وأنقذها، وطالبت بأن تكثف الشرطة وجودها في أماكن الزحام.. لابد من أكثر حالة تسمم بالفسيخ اللعين، لذا وصفت ما حدث لبعض الحالات.. ووصفت تفاهة برامج التلفزيون في ذلك اليوم.. إلخ ... أرسلت مقالي للطبع وجلست راضيًا. دعني أؤكد لك أنه لا أحد يقرأ المقالات قبل نشرها. لا الديسك ولا سكرتارية التحرير ولا رئيس التحرير. يوم الاثنين أبدت زوجتي ملاحظة معقولة: كيف تصدر الجريدة صباح الاثنين وفيها وصف دقيق لما سيحدث طيلة اليوم ظهرًا ومساء؟ هذا صحيح!... يا لحماقتي! .. فاتتني هذه النقطة. رأيت هذا المشهد في فيلم للممثل الكوميدي رد سكلتون، عندما شق الزحام ليقابل المحافظ.. كان يريد أن يصافحه ويناوله صورة تظهره وهو يصافح المحافظ ويناوله صورة!! الغريب أن هذا هو المقال الوحيد الذي مر على خير.. لم أتلق السباب ولم يلمني أحد. لم ير أحد أي شيء غريب في أن تصدر الجريدة صباحًا وفيها وصف لما سيحدث عصرًا.. فقط زوجتي لاحظت هذا، وهذا يدلك على مدى تعسف الزوجات وانتقادهن الدائم لأزواجهن.. لكني لن أكرر هذه التجربة على كل حال. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©