السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

طوغان: سأظل أرسم حتى وفاتي

طوغان: سأظل أرسم حتى وفاتي
13 نوفمبر 2014 23:51
مجدي عثمان (القاهرة) كانت هذه القراءة في رحلة وأعمال عميد رسامي الكاريكاتور المصريين معدة للنشر مع معرضه الأخير «ذكريات من زمن فات» في سبتمبر الماضي، في قاعة بيكاسو بالزمالك. لكن القدر عجل أحمد طوغان، فأبعده المرض أولاً عن حضور المعرض الذي ضم نخبة من لوحاته التي تؤرخ بالخطوط والألوان لتفاصيل من حياة الناس في الريف المصري. وغيّبه، ثانياً، عن الحياة نفسها. أحمد ثابت طوغان، في مسيرته الفنية الطويلة، لم يكن كاريكاتورياً عادياً، ولم يكن تشكيلياً تشغله الأفكار الذهنية. كان على وجه الدقة، مؤرخاً بأدواته الاستثنائية، لتفاعلات المجتمع والسياسية وآثارها على مصائر الوطن والناس. من هنا جاءت رسوماته، الصامتة، الخالية من الدلالات والحروف الزائدة، أكثر ضجياً من كل الصراخ والثرثرة في الشوارع والصالونات. كان طوغان راقداً في المستشفى حينما افتتح معرضه «ذكريات من زمن فات»، في قاعة بيكاسو. كأنه بذلك أراد أن يكرر ما حدث مع زميله مصطفى حسين قبل وفاته بسنوات عندما أقام معرضه في العاصمة البريطانية لندن، وهو على كرسي مدولب، حين كان يمثل للعلاج هناك من مرض السرطان. لكن طوغان كان حاضر الذهن لكي يتحدث عن المعرض. عن مضمون اللوحات ورسائلها التي تعود إلى فترة الأربعينات من القرن الماضي لكي تسرد وقائع من يوميات الريف المصري خلالها. يسرد طوغان حكايات الريف بأسلوب يمزج ما بين فن اللوحة المعلقة والرسم الكاريكاتوري بما له من تحريفات خاصة تبرز مضمون الشخصية تحت عنوان «ذكريات من زمن فات». يقول طوغان عن ذلك: اتجهت للعمل في رسم لوحات فنية للريف المصري فترة الأربعينيات التي لا يوجد اهتمام بها، وقمت بتسجيل وتوثيق كل اللحظات التي مر بها الريف في هذه الفترة كي تظل عالقة في الأذهان. وتعد تلك هي المرة الثانية التي يختار فيها طوغان فترة الأربعينيات عنواناً لمعرضه، حيث أقام معرضاً عن مصر للفترة ذاتها، افتتحه في أوروبا في 29 أبريل الماضي، ولعل ذلك المعرض يؤكد إيمانه دائماً في الغد الذي يراه يحمل الكثير الرائع، فحتى في أصعب مراحل حياته نجد الابتسامة لا تفارقه. الصقر الصائد «طوغان» أو كما تعني الكلمة «الصقر الصائد» الحاصل على جائزة النيل مؤخراً ـ والتي تعد أعلى جوائز الدولة، وتحول اسمها بعد ثورة يناير من جائزة مبارك إلى جائزة النيل ـ من مواليد 1926، ويعد أحد رسامي الجيل الأول، رخا وزهدي وعبدالسميع، عمل معهم على تمصير فن الكاريكاتور، وإنْ سبقوه إلى ذلك، حيث بدأ ذلك الفن في مصر على يد ثلاثة من الأجانب، هم الأسباني سانتيس ورفقي التركي وصاروخان الأرمني، كما شارك في تأسيس جريدة «الجمهورية» ورسم الكاريكاتور السياسي فيها منذ أكتوبر عام 1953، أي قبل صدورها بحوالى 6 أشهر، ومن يومها ورسومه تنشر على صفحاتها يومياً. وقال عن جائزة النيل: «كل من حولي سعداء جداً بالجائزة، وأنا أشعر بعد هذا العمر الطويل أنه تم الاعتراف بي، أما الجوائز الأخرى فقد حصلت على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى وجائزة مصطفى وعلي أمين، وجائزة حقوق الإنسان وكانت عن لوحة تمثل سجناً كبيراً مكتوباً عليه العالم الثالث والبوسطجي في يده خطاب مكتوب عليه الإنسان، والعسكري الواقف بالباب يقول له: «لا يوجد هنا أحد بهذا الاسم». القضية الأولى قال طوغان إن حقوق الإنسان تشكل قضية الكاريكاتور الأولى لدى كل رسامي الكاريكاتور في العالم، ومن أشهر اللوحات ما رسمه الفنان الياباني «سكاي» حين رسم الآلة المتوحشة الضارية وهى تلتهم الإنسان فلا تبقي ولا تذر، كما تعرض بعض رسامي الكاريكاتور إلى الصراع بين المثقف والسلطة، فرمز إليهما الرسام الكندي «هيريرا» بصراع القلم والعصا، وأن معظم الفنانين رسموا أكثر ما رسموا «سجن الباستيل»، لأنه كان يخضع للقوانين، أما سجن «جوانتنامو» فهو سجن لا يحاسب فيه السجان عما يحدثه بالسجين. وعن فترة الأربعينيات التي اختارها عنواناً لأعمال معرضه، قال طوغان إنها من الفترات العزيزة إلى قلبه التي يحن إليها لتذكره بصباه وشبابه، وتلك الأحداث والمشاهدات التي تلح على عقله طوال الوقت ليقدمها لأبناء هذا الجيل الذي لم يعاصرها، حيث يريد أن يريهم تلك الأحداث بعيونه من خلال المشاهد التي رسمها لأشخاص وأماكن تلك الفترة، فأستعاد من الذاكرة شكل الشوارع والحارات والأشخاص والمباني والطرق والمقاهي. بدايات الموهبة يشير طوغان إلى أن تعلمه الرسم بدأ في مدرسة الأقباط الابتدائية في ديروط عن طريق مدرس الرسم الذي قال له «أنت طريقك أنك تكون رساماً فلا تهمل هذه الموهبة»، وأحضر له كتباً عن أصل الرسم الكاريكاتوري، واستمر في طريق الرسم إلى أن انتقل مع الأسرة إلى الجيزة مع بوادر الحرب العالمية الثانية، إلى أن بدأت رحلته مع فن الكاريكاتور في الصحافة عام 1947 في مجلة «الساعة 12»، ويذكر أنه قرر وقتها مقاطعة الرسم بعد أن ظل يرسم لوحة طوال الليل، وحينما ذهب بها إلى تلك المجلة في الصباح، قابله أحد الأشخاص وكان رساماً وعامله بطريقة سيئة، ومزق اللوحة وقال له إن الرسم الكاريكاتوري من عمل الكبار فقط، إلا أن صديقه الكاتب الساخر المعروف بالولد الشقي محمود السعدني الذي كان يطالع رسومه على الحوائط في الشارع وأعجب بها، طرد تلك الفكرة من رأسه وقال له «تلاقي الراجل ده رسام وخاف منك»، وأشار إليه بأهمية مقابلة الفنان عبدالمنعم رخا، وإنه هو الذي سوف يحدد استمراره في الرسم أم لا. ويضيف أنه عندما ذهب لمقابلة رخا، أحسن استقباله، وقال له «إنت هتبقى فنان عظيم» ونادى على الفنان «زهدي» حيث كانا يعدان لإصدار مجلة لنقابة الصحفيين اسمها «المساء»، فعمل بها معهما ولكنها لم تصدر، موضحاً أنه تعلم من أستاذه رخا أن الإنسان يستطيع قهر الظروف التي يعيش فيها إذا ما تمتع بروح السخرية، متذكراً أنه بعد أن دخل رخا السجن وذهب إليه أحد أقاربه بعد أسبوع من سجنه فسأله «عامل إيه يا أستاذ دلوقتي؟» فقال له «هانت فات أسبوع وباقي 4 سنوات سجن إلا أسبوع!»، فروحه الساخرة لم تفارقه رغم سجنه ظلماً بعد أن تضايق من رسومه صدقي باشا رئيس الوزراء وقتها، فدبر له مكيدة ليتخلص منه، وهذه التجربة علمته أن يكون صادقاً مهما حدث، خاصة أن الاعتقالات والسجون أصبحت عادية بعد ذلك، فكل من حوله تم سجنهم حتي محمود السعدني، وهو لا علاقة له بالسياسة. التحق طوغان بعد ذلك للعمل بجريدة «الجمهور المصري» المستقلة، وكان صاحبها أبو الخير نجيب وفديا، ذا توجه مضاد للاحتلال ومقاومة سلوك الملك، حتى أنها كانت أحياناً ما تهاجم حزب الوفد، ويقوم أبو الخير بإقامة محاضرات تحض على ضرورة تحرير الأرض وقداسة الوطن حتى أنه كان يخصص غرفة رقم «8» في المجلة لتدعيم المقاتلين المصريين الذين يقاومون الإنجليز في قناة السويس بالمال والسلاح، وكان رئيس الغرفة هو فتحي الرملي والد المؤلف لينين الرملي، وكانت رسومه في المجلة تدعو للثورة قبل حدوثها، حيث آمن رئيس التحرير بأن الثورة قادمة لا محالة. بلاغة الكاريكاتورنشر طوغان عدداً من الكتب، أولها كتاب «أيام المجد في وهران»، شرح فيه القضية الجزائرية من واقع معايشته للمقاتلين ووضع وثائق مهمة في ذلك الكتاب، منها خطاب بيد عسكري فرنسي كتب فيه «أننا ظالمون وأننا نرتكب جرائم ضد شعب يناضل من أجل حريته»، ووثيقة أخرى أنهم كانوا يتاجرون في الفتيات بعد أن يذبحوا رجالهم، علاوة على صور فوتوغرافية للطائرات التي شاركت في العدوان على الجزائر، سواء كانت فرنسية أو أميركية أو ألمانية. يرى طوغان أن بلاغة الكاريكاتور في صمته، وخطوطه فقط، وأكثر رسوم الكاريكاتور بلاغة هي التي تُنشر من دون تعليق، حيث إن الرسم والفكرة العميقة التي تطل من بلاغة الصمت يفهمها الجميع، ولذلك فالكاريكاتور فن للجميع، وأن فن الكاريكاتور العربي لا يفتقر إلى الجرأة ولكنه أقل تفاؤلاً، وهذه مشكلته، وأن الكاريكاتور دائماً يحقق الانفراج بعدما تضيق الحلقات جميعاً على مستوى قضايا الشعوب، وأن رسامي الكاريكاتور في كل الأزمات والحروب والكوارث يكونون في أول صفوف المقاومة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©