الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الانتخابات التشريعية بالجزائر·· واستحقاقات المرحلة المقبلة

6 مارس 2007 01:29
الجزائر- حسين محمد: حددت السلطات الجزائرية يوم 17 مايو المقبل تاريخاً لإجراء رابع انتخابات تشريعية تعددية في تاريخ البلد، وفور الإعلان عن ذلك، شرعت الأحزاب السياسية في استنفار قواعدها للتحضير لهذا الاستحقاق الانتخابي المهم الذي تعوّل عليه لتحسين موقعها في الساحة السياسية، ولعل أهم سؤال يفرضه الحدث هو: هل تغيّر الانتخابات القادمة الخريطة السياسية الحالية بالجزائر وتفرز خريطة أخرى مغايرة، أم تكرّس الوضع الراهن الذي يميزه سيطرة أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة، وتمريرها لكل مشاريع القوانين الحكومية وإغلاق ساحة المناورة أمام المعارضة ؟· الأحادية والحرية قبل إقرار الديمقراطية في الثالث والعشرين من فبراير عام ،1989 لم يكن البرلمان يعني شيئاً في الجزائر باعتبار أن كل نوابه ينتمون إلى ''جبهة التحرير الوطني'' الحزب الواحد منذ استقلال الجزائر عن فرنسا في 5 يوليو ،1962 ولكن المفارقة أن الجزائريين كانوا يستطيعون الاختيار بكل ''حرية وشفافية'' بين ثلاثة مرشحين في كل دائرة انتخابية، وإن كانوا ينتمون إلى الحزب نفسه· وبعد إقرار التعددية، بدأت المعارضة تطالب الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد بانتخابات عامة مسبقة، فبدأ بالانتخابات المحلية في 12 يونيو 1990 وحققت فيها ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' فوزاً عريضاً، ثم أعلن إجراء الانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر 1991 فحققت الجبهة الإسلامية فوزاً كبيراً مرة أخرى في تلك الانتخابات التي وصفها رئيس الحكومة آنذاك سيد أحمد غزالي بأنها كانت ''نظيفة ونزيهة''، لكن السلطات قامت بإلغائها في يناير 1992 فبدأ الإرهاب وحُلت ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' وأُعلنت حالة الطوارئ، ودخلت الجزائر في أزمة أمنية خطيرة لم تستطع تجاوزها كلية إلى حد الساعة· وحينما اشتد لهيب الأزمة وفشل الحوار بين الرئيس الأسبق ''اليامين زروال'' وقادة ''الإنقاذ'' الذين كانوا في الإقامة الجبرية، أعلن زروال في 31 أكتوبر 1994 العودة إلى المسار الانتخابي بقصد بناء مؤسسات تتمتع بالشرعية الشعبية وتنهي ''المرحلة الانتقالية'' التي كانت فيها الجزائر تسير بمؤسسات معينة، وبدأ بالانتخابات الرئاسية في 16 نوفمبر 1995 وتحول من رئيس دولة معين إلى رئيس جمهورية منتخب، ثم أعلن تنظيم الانتخابات التشريعية في 5 يونيو ·1997 وتميزت تلك الانتخابات بظهور حزب جديد أسسته السلطات باسم ''التجمع الوطني الديمقراطي''، وأسند الرئيس زروال للجنرال محمد بتشين مهمة بناء هياكل هذا الحزب وتجنيد الإدارة الجزائرية لخدمته، وتحصل هذا الحزب على الاعتماد في 21 فبراير 1997 ولكنه فاز بـ 147 من أصل 380 مقعدا نيابيا بعد ثلاثة أشهر فقط من تأسيسه وهو ما اعتبر ظاهرة سياسية غريبة غير مسبوقة!· طعنت أغلب الأحزاب القائمة في نتائج الانتخابات التشريعية التعددية الثانية في الجزائر، وقالت: ''إنها تعرضت لتزوير فاضح لصالح الحزب الجديد المدلل''، حيث أصرت السلطات على إنجاحه وتمكينه من الأغلبية دون أي اكتراث برفض المعارضة واحتجاجاتها الواسعة· بعد عام من حصول ''التجمع الوطني الديمقراطي'' على ''الأغلبية الاصطناعية''، كما سماها رئيس أحد الأحزاب، أعلن الرئيس زروال عن إجراء انتخابات رئاسية مسبقة والانسحاب من الحكم، وفي 15 أبريل 1999 جرت الانتخابات وفاز بها عبد العزيز بوتفليقة، وهو أحد القياديين القدامى لـ''جبهة التحرير الوطني''، فأُسقط في يد ''التجمع الوطني الديمقراطي'' وعرف أن نجمه قد أفل وأن جبهة التحرير ستستعيد ألقها ومكانتها السياسية على حسابه وهو ما حصل فعلاً في ثالث انتخابات تشريعية تعددية في أواخر مايو 2002 حيث حصلت جبهة التحرير على 199 مقعداً، بينما لم يظفر التجمع إلا بـ48 مقعداً فقط مقابل 147 في تشريعيان 1997!· لعبٌ مغلق وبالرغم من هذه الهزيمة القاسية إلا أن التجمع تحالف مع ''جبهة التحرير'' و''حركة مجتمع السلم'' لدعم برنامج بوتفليقة، وأغلق الثلاثة ''مجال اللعب'' بالبرلمان، وأصبح صوت المعارضة ضعيفاً نشازاً لايكاد يظهر أمام أحزاب التحالف الحكومي، وواصلت السلطات تمرير مختلف مشاريع القوانين التي تطرحها على ''نوابها'' بالبرلمان ولم يستطع المعارضة الحؤول دون تمرير قانون واحد، وحتى قانون المحروقات الجديد الذي ظهر في مارس 2005 لم تستطع المعارضة التصدي له بالرغم من أنه يمنح 75 بالمائة من حصة أي حقل بترولي مكتشف للشركات الأجنبية وهو ما اعتبرته رهناً لثروات البلد، ولو لم يتراجع عنه الرئيس بوتفليقة بإرادته ويوعز لنواب التحالف الحكومي بالموافقة على تعديله والتراجع عن النسبة الممنوحة للشركات الأجنبية، لما تمكن أي حزب معارض من تغيير الأمر الواقع· على صعيد حق الأحزاب في تقديم مقترحات القوانين للبرلمان للتصديق عليها، قدمت أحزاب المعارضة 16 مقترحاً قانونياً، إلا أن البرلمان رفض مناقشتها ولم يقبل سوى مقترح واحد قدمته ''حركة الإصلاح الوطني'' الإسلامية بتعديل قانون الانتخابات لمنع التصويت داخل الثكنات والمراكز الأمنية وإلغاء الصناديق الخاصة، وتقليص عدد الصناديق المتنقلة، أما بقية مقترحات القوانين فبقيت في ''الثلاجة''، ولم يقتصر ''إذلال'' المعارضة على هذا، بل حتى حق توجيه الأسئلة الكتابية والشفوية للوزراء لا تكاد تحظى بالأهمية التي تستحقها؛ إذ يتعمد بعض الوزراء عدم الرد على سؤال النائب لأشهر طويلة بل إنّ وزيراً لم يرد على سؤال نائب إلا بعد ثلاث سنوات، وهو ما أفرغ هذه الآلية من محتواها تماماً، أما الحديث عن آليات الرقابة على عمل الحكومة فهو غير قائم سوى في الأدبيات المثالية للبرلمان· ومما زاد الطين بلة أن حزبي ''التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية'' و''جبهة القوى الاشتراكية'' اللذين يحتكران تمثيل منطقة القبائل، غابا عن البرلمان الحالي بسبب أزمة منطقة القبائل ومقاطعتها للانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت سنة ،2002 وهو ما أضعف أكثر أصوات الأحزاب المُعارضة تحت قبة البرلمان· وإزاء هذا الوضع، تحول البرلمان فعلاً إلى مجرد ''غرفة تسجيل'' لمشاريع قوانين الحكومة وكذا الأوامر الرئاسية التي يتم تمريرها كما هي، وفقدَ كثيراً من الوهج والتأثير الذي تميز به البرلمان السابق· ملايين ''المتفرجين''! وتدرك الأحزاب أن تغيير الوضع السياسي القائم مرهون بحياد الإدارة ونزاهة الانتخابات وانفتاح السلطات على الديمقراطية الحقيقية التي تعني الاحتكام إلى الصندوق وعدم توجيه النتائج، ولكنها تدرك أيضاً أن ذلك مرتبط من جانب آخر، بمدى إقناع ''الأغلبية الصامتة'' من ملايين الناخبين الشباب بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع بكثافة يوم 17 مايو المقبل لتقوية صفوفها ووضع حدّ لتقليد المقاطعة الذي دأبوا عليه منذ التسعينيات، ولكن المهمة تبدو عسيرة في ظل يأس الشباب من تغيير الأوضاع القائمة وما يتخبطون فيه من مشكلات عويصة وفي مقدمتها البطالة، ويميل الشبابُ إلى الاعتقاد بأن الانتخاب في الجزائر فعل عبثي ودون فائدة؛ لأن النتائج تُخاط على مقاس ''أحزاب السلطة'' لإحكام القبضة على المؤسسات المنتخبة من برلمان ومجالس محلية وتحويل المعارضة إلى مجرد واجهة أمام الخارج على غرار باقي الدول العربية· وبسبب هذا الاعتقاد المترسخ، تشهد المدن الكبرى نسبة مقاطعة عالية للانتخابات منذ نحو 15 سنة، خاصة في أوساط الشباب والمثقفين، وتستهلك الأحزاب السياسية جهوداً ووقتاً ثميناً من الحملات الانتخابية لإقناع 17,5 مليون ناخب جزائري بالخروج للتصويت أملاً في أن تنقلب الكفة لصالحها، لكن الاقتناع بجدوى الانتخابات يتضاءل من موسم انتخابي إلى آخر، كما تدل الأرقام المستقلة التي تقدم بعيداً عن الأرقام ''الرسمية''، حيث إن قرابة نصف هذا العدد يفضل موقع المتفرج في مختلف الاستحقاقات الانتخابية ليقتصر الانتخاب تقريباً على 9 إلى 10 ملايين جزائري، حوالي 8 ملايين منهم مسنون أميون تعودوا على منح أصواتهم لـ''جبهة التحرير'' منذ الاستقلال إلى الآن· تخوفات من التزوير ويبدو أن أغلب الأحزاب المعارضة تدرك منذ الآن أنه ليس بوسعها منافسة الحزب الحاكم وأحزاب التحالف الحكومي فبدأت منذ الآن تتحدث عن تخوفها من تزوير الانتخابات القادمة لصالح هذه الأحزاب للإبقاء على هيمنة السلطة المطلقة على الحياة السياسية بالجزائر ومراقبة كل شاردة وواردة فيها، ومنذ أيام حذر موسى تواتي رئيس ''الجبهة الوطنية الجزائرية'' الحائزة 8 مقاعد في البرلمان الحالي من تزوير الانتخابات القادمة لصالح أحزاب السلطة، وكذا شراء الأصوات لصالح مرشحيها مستدلاً بما وقع في الانتخابات الخاصة بتجديد نصف أعضاء الغرفة الثانية للبرلمان في ديسمبر 2006 إذ تعمد مرشحون إلى شراء أصوات وذمم زملائهم من المنتخبين المحليين للوصول إلى البرلمان· كما حذرت ''حركة الإصلاح الوطني'' من مناورة سلطوية تستهدف إقصاءها من المشاركة في الانتخابات القادمة أو تحجيم هذه المشاركة باستغلال خلاف داخلي بين جناحين يتصارعان على قيادة هذا الحزب الإسلامي الذي فاز بـ1,2 مليون صوت في الانتخابات المحلية لـ10 أكتوبر ·2002 وفضلاً عن ذلك، اعتُبر منعُ مناضلين في ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' المحظورة ومسلحين سابقين ينتمون إلى ''الجيش الإسلامي للإنقاذ'' المحل، من الترشح للانتخابات القادمة مستقلين أو تحت غطاء أي حزب سياسي، فُهم على أنه مؤشر واضح على عدم انفتاح السلطات على الديمقراطية الحقيقية ورغبتها في مواصلة تقييد الحياة السياسية في الجزائر والمراقبة الصارمة لها منعا لظهور أية مفاجئات في غير مصلحتها· وبالنظر إلى توتر الوضع الأمني بين الفينة والأخرى، ورفض السلطات الاستجابة لمطلب الأحزاب برفع حالة الطوارئ وتمكينها من حق التظاهر وفتح وسائل الإعلام العمومية في وجهها، سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن الخريطة السياسية الحالية ستشهد تغييراً حقيقياً وجذرياً في الانتخابات التشريعية لـ 17 مايو وكذا المحلية المزمع إجراؤها في أكتوبر المقبل، وأغلب الاعتقاد أن الحزب الحاكم ''جبهة التحرير الوطني'' سيحافظ على الأغلبية بأكثر من 150 مقعداً، لكن ''حركة الإصلاح الوطني'' الإسلامية المُعارِضة (44 مقعداً) قد تحل محل التجمع الوطني الديمقراطي (49 مقعداً) في احتلال المرتبة الثانية وترفع رصيدها بمقاعد إضافية، بينما يحل التجمع ثالثاً و''حركة مجتمع السلم'' رابعاً وبرصيد من المقاعد يجعل أحزاب ''التحالف الحكومي'' الثلاثة في موقع مريح لنسج تحالف جديد في الحكومة والبرلمان تقف إزاءه ''الإصلاح'' وبقية الأحزاب الأخرى المُعارِضة الممثلة في البرلمان القادم عاجزة عن تغيير الأوضاع داخله· وبمعنى آخر، فإن أغلب الظن أن نتائج الانتخابات التشريعية القادمة لن تختلف كثيراً عن نتائج الانتخابات السابقة لأسباب سياسية تحديداً؛ إذ إن نتائج الانتخابات التشريعية 26 ديسمبر 1991 جعلت السلطات تحسب لهذه الاستحقاقات المهمة ألف حساب حتى لا يتكرر نفس السيناريو، وكل ما ستشهده الانتخابات القادمة هو تحسن ترتيب مواقع بعض الأحزاب وعدد مقاعدها في البرلمان على حساب أحزاب أخرى وتحسّن موقع المعارضة بـ40 مقعداً إضافياً على الأقل تضمنها منطقةُ القبائل لحزبيها ''جبهة القوى الاشتراكية'' و''التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية'' اللذين قاطعا الانتخابات التشريعية لعام ،2002 ولكن كل ذلك لن يفضي إلى إخلال حقيقي بالخريطة السياسية الحالية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©