الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صبحي فحماوي: أسعى لإنبات حضارتي

صبحي فحماوي: أسعى لإنبات حضارتي
3 نوفمبر 2011 16:38
يجمع صبحي فحماوي بين فن الرواية والقصة والمسرح ويهندسها كما يهندس حديقة ويجعلها كلوحة فسيفسائية متناسقة تزهو بألوانها وتنصهر فيها الشخصيات والمواقف وتتفاعل دون أن تطغى واحدة على الأخرى وقد صدر له حتى الآن ست روايات وخمس مجموعات قصصية وخمس مسرحيات درامية. في حوار مع “الاتحاد الثقافي” غيرة وألم من وضع ثقافي قائم فهو يناهض الشللية الأدبية ويتمسك باستقلاليته خارج أي اصطفاف أدبي أو سياسي ليمارس حريته ويقول ما يشاء لكنه فخور بثقافته العربية رغم شكواه المرة من التهميش. يرى فحماوي وهو بالمناسبة مهندس حدائق أن الكاتب كالسمكة يجب أن يسبح في كل الاتجاهات ووصف حاتم الطائي الذي ذبح فرسه تكريما لضيفه الرومي بأنه رجل متلاف لممتلكاته واعتبر نفسه كاتبا للحقيقة نافيا وجود أصنام أدبية نعبدها. ويؤكد أنه يسعى لإعادة ما ٍسماه “إنبات حضارته الكنعانية” في فلسطين وكتابتها من مصادرها الأساسية بأقلامنا وليس بأقلام ملوثة لآخرين. وفيما يلي تفاصيل الحوار: ? يقال إن الثقافة بالأردن مأزومة ما رأيك؟ ? الثقافة في الأردن تعاني من الشللية التي قد تجعل من الجاهل أفلاطون وقد تهمش المبدع بحجة أن كتابته ضعيفة.. هذا هو حجر الزاوية في إضعاف الأدب العربي فلا يوجد اهتمام أو رعاية حكومية للثقافة الحقيقية، فالتليفزيون الأردني الذي خرّج كثيرا من مشاهير التلفزة العربية يراوح مكانه وكأننا نعيش في الستينات فلا يغطي المشهد الثقافي ولا يقدم للمشاهد العربي والعالمي المطبوعات التي تخضع أيضا للشخصانية. فبعض الكتب التي تمولها وزارة الثقافة ضعيفة ومملوءة بالأخطاء، وبعض ما يرفض ثمينة وكأنها تريد أن يكتب الكاتب ما تريده هي، علما بأن جان بول ساتر كان من اكبر المناهضين لحرب فرنسا في الجزائر لكنها تفخر به وألمانيا تفخر بكارل ماركس وهو المناهض لسياستها وتنظمان لهما أسابيع ثقافية في كل مناسبة. ومن المفروض ألا تدعم الدولة الأدب الذي تريده هي وإنما تترك الكاتب يعبر عمّا يراه إبداعا خارج كل الأطر والبراويز المحدودة لأدائه الفني. أكتب الحقيقة ? توصف بأنك روائي متمرد فما فلسفتك في الكتابة؟ ? لست روائيا متمردا بقدر ما أنني اكتب الحقيقة ببساطة فنية ففي “رواية الحب في زمن العولمة” كتبت عن طفل يشاهد سمكة صغيرة في وادي تسير مع التيار فتابع سيره وراءها وأمسكها بيده فوجدها ميتة وهذا يؤكد أن الروائي يجب أن يكون كالسمكة التي تسبح في الاتجاهات كافة وهذا ما أقوم به حتى اشعر بأنني أقدم فنا يعيش وليس فنا ميتا. فعندما أكتب عن حاتم الطائي بعكس كل ما كتبوا أنه في منتهى الكرم فأصفه بأنه رجل متلاف لممتلكاته ويذبح فرسه التي هي كل ما لديه في الكر والفر والحرب والسلم وتحميل الحطب والماء والرياضة فكيف يذبحها لرجل غريب آت من بلاد الروم! فهذا لا يعني أنني متمرد على تاريخي العظيم وإنما اقصد “النفقة نصف العيش” مقارنة بما كتبته عن امرأة ألمانية تلاحق آخر حبة من الأرز في صحنها لتجيب عربيا يسألها “نحن نستطيع شراء كل الأرز في العالم لكننا نأكل حاجتنا فقط ونترك في السوق لشعوب العالم ليأكلوا”. هذا ليس تمردا وإنما كتابة مفيدة لها معنى فإذا أردت ألا تثير أحدا في كتاباتك فأنت تقدم مادة ليس لها طعم ولا لون ولا رائحة، هذا النوع من الكتابة لن يكون لها تأثير في الساحة الأدبية. الوحدة خيارنا ? أنت روائي مسيس أو مسكون بالهم القومي.. ماذا فعلت بك السياسة والسياسيون؟ ? أرى أنه لا خلاص لشعوبنا العربية إلا باتحاد يشبه الاتحاد الأوروبي بحيث تفتح جميع الحدود الاقتصادية لتنتقل البضائع والأفكار دون حواجز. وهنا أود التأكيد على أنه لا مستقبل لأمتنا دون وحدتها مع بقاء القادة العرب في مواقعهم وصفاتهم فهم ليسوا قضيتي.. وهذا ما كتبته أيضا في روايتي “حرمتان ومحرم” تحت عنوان “الحدود.. دود ..دود”. ? بعض المبدعين يشكون من التهميش لأنهم خارج أي اصطفاف.. فهل عانيت؟ ? لو كنت في حزب ما لوجدت من يدعمني في وسائل النشر فبعض الروائيين الذين ينتمون لحزب يجدون من يدعم نتاجهم الأدبي من زملائهم الحزبيين لكنني مستقل منذ طفولتي ولم انتسب لأي تنظيم سياسي أو أدخن سيجارة. ورغم إنتاجي الأدبي أشعر بالتهميش الذي لم يحد من انتشاري لأن الشمس لا تغطى بغربال فالممثل السوري ياسر العظمة استعان بعدد من قصصي في مسلسله “مرايا” وصدر عني ثلاثة مؤلفات نقدية عربية. ? عند الكتابة أين يتجه مجهرك وعينك صوب ماذا بالضبط؟ ? أهتم أن يكون أدائي دراماتيكي يحدث توترا وإدهاشا لدى القارئ.. دراما تجعلك تتابع الحدث من خلال قصص وحكايات وأحيانا أضع “الخريفيات” وتعني باللهجة الفلسطينية الحدوتة الشعبية. وأهتم بأن أقدم قضيتي الوطنية فتراب الوطن الذي منه نبتنا وعليه نعيش يستحق أن نقدسه وغالبا ما أفتش عن أشياء مفقودة فالطفل الصومالي يبحث في قصصي عن رغيف الخبز والمرأة تبحث عن زوج يوفر لها ما تريد بينما الملياردير كما جاء في رواية “الحب في زمن العولمة” يفقد صحته مصابا بالإيدز. كما أنني أضيء بالفانوس الزوايا المعتمة لقضايا لا يدركها الناس العاديون وأظهرها للقارئ كما هي لعله يدرك ما يدور حوله. لا أصنام ? بعض الروائيين تأثروا بنماذج إبداعية فمن كان مرشدك في مشوارك الإبداعي؟ ? لم يبق هناك أصنام لنعبدها لذلك من الصعب أن احدد بمن تأثرت فقد قرأت وعمري تسع سنوات معظم الأدب الإغريقي المترجم وأدب القرون الوسطى واطلعت على الأدب الغربي ونتاج أمريكا اللاتينية وتتلمذت على أيادي الكتاب العرب منذ ألف ليلة وليلة والجاحظ وحتى توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وغالب هلسا وإميل حبيبي وغسان كنفاني وغيرهم.. أنتمي لثقافتي العربية. ? أعمالك الأدبية تحكي المسكوت عنه لكنك تهرب للرمزية كما يقول ناقدون.. ما تعليقك؟ ? لا اكتب أدبا رمزيا ومذهبي واقعي اجتماعي حديث وعندما يكون هناك تعمية للأماكن والشخصيات فلا يعني الإخفاء وإنما يعني التعميم فالمشكلة التي نعيشها هنا في الأردن متشابهة أو متقاربة لمثيلاتها في المغرب أو موريتانيا. فالثورات العربية الأخيرة أوضحت أن شرارة انفجرت في تونس فانتقل النور من أقصى جنوب الوطن إلى شماله وهذا دليل على أننا نعيش حالة واحدة وشعورا واحدا .. لا أخفي شيئا خلف كتابتي فهي إنسانية بحتة تهتم بالإنسان والسلام والمبادئ والمساواة والبيئة وتجعل الإنسان نباتا أخضر لتحل مشكلة الصراع على سطح الكرة الأرضية. حضارتي كنعانية ? في الآونة الأخيرة انحزت للتاريخ فماذا أعطاك من زاد لعمل مستقبلي؟ ? في روايتي “قصة عشق كنعانية” حاولت أن أعيد إنبات حضارتي الكنعانية الفلسطينية كي لا تفقد جذورها مع مرور الزمن ووظفت في هذا قول هومي بابا في كتاب “اختلاق إسرائيل القديمة.. إسكات التاريخ الفلسطيني” فالأمم مثل الروايات تفقد جذورها في خضم الزمان وأساطيره ولا تستعيد أفقها إلا في الخيال...الأمم عبارة عن سرد للتاريخ. وعزز من ثقتي بتاريخي قول كيث وايتلام مؤلف كتاب “اختلاق إسرائيل...”: “يحتاج التاريخ الفلسطيني أيضاً إلى أن يخلق لنفسه فضاءً حتى يتمكن من إنتاج روايته الخاصة للماضي وبهذا يساعد في استعادة أصوات السكان الأصليين التي تم إسكاتها في خضم اختلاق إسرائيل القديمة”. وكل ما فعلته هو استعادة أصوات السكان الأصليين التي تم إسكاتها.. فمن خلال قصة عشق وغراميات جميلة استطعت استعادة أسماء الكنعانيين وعملتهم وأشهر السنة وأرجوانهم ومفاهيم آلهتهم وعلاقاتهم الاجتماعية وزراعاتهم وصناعاتهم وتجاراتهم وإبحارهم بالسفن الفنيقية عبر بحر الظلمات لاكتشاف ما يسمى اليوم “أميركا” . واكتشفت في رواية “قصة عشق كنعانية” أشياء كثيرة كان من الضروري الكشف عنها قبل فترة طويلة فمن أهم أهداف الرواية هو الكشف عن المخفي الأعظم.. أريد إحياء تاريخنا الفلسطيني الكنعاني المكتوب بطريقتنا نحن وليس بأيدي الغير”. ? في ظل الربيع العربي ما هو المطلوب من المثقفين؟ ? في روايتي “الحب في زمن العولمة” وظفت مقولة الروائي البرتغالي جوزيه ساراماجو “العالم الديمقراطي تحكمه منظمات غير ديمقراطية.. لقد أصبح الغرب في مؤخرة الحضارة لذا علينا أن نعوي ضد الحكومات”. وكذلك مقولة جيمس كارفيل مستشار الرئيس الأسبق كلينتون ساخراً من عصر العولمة الذي أتلف الإنسان وجعله مجرد مستهلك لمنتج الرأسمالي: “الآن وقت جمع الأموال وليس وقت توزيعها”. وقوله: “كنت أتمنى أن أكون رئيساً أو بابا الفاتيكان وأما الآن فأتمنى أن أكون سوق مال كي أهدد من أشاء!”. وكذلك وظفت مقولة عملاق الإعلام الأمريكي الملياردير تد تيرنر في كتاب “فخ العولمة”: “العالم يئن والحكومات مفلسة والأموال في قبضة بضعة صبية.. إننا على وشك ثورة فرنسية جديدة ينقل فيها الأثرياء بعربات تجرها الثيران إلى ميدان المدينة لتقطع رؤوسهم!”. وما جاءت به الثورات العربية لم يكن متوقعاً على كافة الصعد ذلك لأنها تفوقت على كل ثورات التاريخ وليست الثورة الفرنسية وحدها تلك الثورة التي لا تقارن بالانتفاضة الفلسطينية السابقة ولا بالثورات العربية التي تعم الوطن العربي حالياً. والروائي لا يقوم بالتثوير وإنما يكتفي بالتنوير وبالتصوير للواقع المر الذي يعيشه الناس وكثيراً ما كتبت فصورت مسيرة الشعوب العربية المكبوتة نحو “عصر الصوملة”. لقد أوصل تحالف الحكام مع الرأسماليين الشعوب العربية إلى حائط مسدود وموت محقق مما جعلهم يثورون قابلين بحرق أنفسهم أو بالرصاص الذي يطلق عليهم من قبل الحكام الظالمين لأنه لا يختلف كثيراً عن حيواتهم الميتة ببطء!. المطلوب من الروائيين العرب الكتابة عن هذا العصر العولمي الرأسمالي المتوحش الذي لا يمكن أن يستمر متغولاً بعدة مليارديرات، يعيشون إلى جوار عدة ملايين من الجوعى أو العاطلين عن العمل.. المسألة مسألة رأسمال متوحش يحفر قبره بظلفه!. إن الحل قد يأتي بالتغيير الوراثي للإنسان والحيوان فلو تحول إلى إنسان أخضر يعيش على التمثيل الضوئي فلا يأكل لحم أخيه حياً فسوف يتوقف الصراع على هذه الكرة الأرضية!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©