السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام انطلق إلى آفاق الأرض عقيدة وشريعة

31 أكتوبر 2013 21:46
يطل على العالم الإسلامي بعد أيام هلال شهر جديد وعام جديد، وهلال المحرم من كل? عام يجدد للمسلمين ثقتهم بأنفسهم، ويفتح أعينهم على يوم مأمول وغد مرتقب. ونحن في هذه الأيام نستعد لاستقبال ذلك الحدث الذي غير وجه التاريخ فابتدأ منه التاريخ، حيث سنستقبل عاماً جديداً من أعوام الهجرة التي ارتضيناها تاريخاً لمسيرتنا، وقيداً نقيد به أعمالنا، حيث إن المسلمين أَرَّخوا بها تاريخهم، وربطوا بها مجدهم وكيانهم، حيث كانت الهجرة تحولاً إيجابياً في اندفاع الإسلام وانطلاقه من قيوده، وتأتي هجرة الرسول– صلى الله عليه وسلم– لتجدد فينا الأمل بأنه ما بعد الضيق إلا الفرج، وما بعد العسر إلا اليسر، فقد انتهت الهجرة بإقامة دولة الإسلام الفتية في المدينة المنورة، حيث انطلق الإسلام إلى آفاق الأرض عقيدة وشريعة، وما زال إشعاع الهجرة ممتداً في العالم. وفي هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – وهجرة أصحابه الكرام - رضي الله عنهم أجمعين- من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة عِبَرٌ ناطقة تستفيد منها الأمة عبر الدهور، إذا أرادت أن تكون وثيقة الصلة بعناصر القوة التي تستعيد بها ما كان لها من سؤدد وعزة وكرامة بين الشعوب والأمم، وسنتحدث عن ثلاثة مواقف من الهجرة: حب الوطن من الإيمان انطلاقاً من قول رسولنا – صلى الله عليه وسلم- وهو يخاطب وطنه مكة المكرمة: “وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ”(أخرجه الترمذي)، فقد أحبَّ المسلمون أوطانهم، اقتداء بنبيهم محمد – صلى الله عليه وسلم– الذي عَلَّم الدنيا كلها حب الأوطان والأماكن المباركة والوفاء لمسقط الرأس، حيث يظهر حبه – صلى الله عليه وسلم – لوطنه مكة، وحرصه على البقاء فيها لا يبرحها، لولا أنه – صلى الله عليه وسلم - أُخرج منها مضطراً مرغماً. أجل فما من الوطن بُدٌّ، وما للإنسان عنه من منصرف أو غنى، في ظلِّه يأتلف الناس، وعلى أرضه يعيش الفكر، وفي حماه تتجمع أسباب الحياة، وما من ريب أن ائتلاف الناس هو الأصل، وسيادة العقل فيهم هي الغاية، ووفرة أسباب العيش هو القصد مما يسعون له ويكدحون، ولكن الوطن هو المهد الذي يترعرع فيه ذلك كله، كالأرض هي المنبت الذي لا بُدَّ منه للقوت والزرع والثمار. وهل ينسى الإنسان وطنه؟ وهل ينسى الأرض التي وُلد على ثراها، وأكل من خيرها، وشرب من مائها، واستظل بظلِّها؟، وما أحسن ما قال الشاعر: بلادٌ أَلِفْنـاهَـا عَلــــــــى كُلِّ حَالـــةٍ وقَدْ يُؤلَفُ الشيءُ الذى ليسَ بالحَسَنْ وَنَسْتَعذَبُ الأرضَ التِي لاَ هَواءَ بهـا ولا مــــــــاؤُهَا عَــــــذْبٌ ولكِنَّها وَطَـنْ إن محبة الوطن دليل أصالة المرء ونبله، كما حكى الأصمعي عن أعرابي يقول: “إذا أردتَ أن تعرف الرجل، فانظر كيف تحنُّنه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكاؤه على ما مضى من زمانه”، لأن ذلك دليل الوفاء، وأصالة الآباء. كما أن حب الوطن من الإيمان، والعيش فيه مع قسوة الحياة يُعَدُّ نعمة عظيمة لا يعرفها? إلا من فقدها. هجرة جندب بن ضمرة كان (جندب بن ضمرة) أحد مسلمي مكة المكرمة، الذين لم يغادروها مع المهاجرين? إلى المدينة المنورة، وعندما نزلت الآية الكريمة: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا” (سورة النساء الآية (97). عندئذ ضاق صدر جندب بالبقاء في مكة، مع أنه مريض، وكان شيخاً كبيراً: فقال لأهله: والله مالي من عذرٍ، إني لدليل في الطريق، وإني لموسر، فاحملوني على سرير إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم –، ما أنا ببائت ليلتي هذه بمكة!! وصدقت عزيمة جندب، فلم يبت ليلته بمكة، ولكنه أيضاً لم يبت أية ليلة بالمدينة، فقد كان له الموت السعيد بالمرصاد، ينتظره في الطريق قريباً من مكة، في موقع يقال له حتى اليوم (التنعيم). وكان جندب وهو يحتضر... يصفق بيمينه على شماله، ويقول: اللهم هذه لك ?وهذه لرسولك أبايعك على ما بايعك عليه رسولك!!، فأدركه الموت في الطريق، ومات جندب قبل أن يدرك أربه ظاهراً– فقال أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم - : لو بلغ إلينا لتم أجره ، وقد مات بالتنعيم، كما كان ذلك مثار سخرية عليه من قومه الهازئين، الذين قالوا عندما بلغهم خبره: (ويح جندب لا هو بلغ الذي يريد، ولا هو أقام في أهله، فمات بينهم فجهزوه ودفنوه). ولكنه – رضي الله عنه – أدرك أربه وحقق رغبته حقيقة وواقعاً، لقد جهل هؤلاء الهازئون ?من قومه أن الأعمال في ثواب الله بالنيات، وإن كان الله عز وجل لا يرضاها دائماً وحدها دون ?عمل، ما لم تحل دون الأعمال حوائل لا تطاق، فقد تقبل الله تبارك وتعالى هجرة جندب وإن? لم تتم، وكتب الله له ثوابها كاملاً وإن لم تتحقق، حيث جاء بنوه إلى النبي – صلى الله عليه وسلم- وأخبروه بالقصة، فأنزل الله سبحانه من قرآنه ما يغيظ الهازئين من جندب (الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5/349): “وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (سورة النساء الآية (100). التوكل على الله لقد أخذ رسولنا – صلى الله عليه وسلم – في حادثة الهجرة بالأسباب كاملة، فاختار الطريق، واختار الرفيق، واختار من يأتيهما بالأخبار، والطعام، ومن يمحو آثار الأقدام... إلخ، لذلك فقد كان–عليه الصلاة والسلام- على ثقة كاملة بأن الله معه وناصره، وهذا يتجلى في موقفه– صلى الله عليه وسلم – وهو في الغار عندما أحس أقدام المطاردين تقترب، وعندما بدأ أبو بكر – رضي الله عنه- يقلق ويشعر بالوجل، وكان يقول: (يا رسول الله لو نظر أحدهم بين قدميه لرآنا)، ففي الغار: قطع أبو بكر ثوبه مزقاً، ثم سد بها جحور الغار حماية للرسول – صلى الله عليه وسلم – من الحشرات، وكان أبو بكر أشد خوفاً، منطلقاً من قاعدة: أنَّ قتل الرسول – صلى الله عليه وسلم – قتل للأمة كلها، أما هو فواحد منها، عند ذلك كان النبي – عليه الصلاة والسلام - يُسَكّن روعه، وَيُبَدّد قلقه، قائلاً له: (ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا) (أخرجه البخاري)، وفي ذلك تنبيه للمسلمين إلى أن الاعتماد في كل أمر من أمورهم لابُدَّ أن يكون على الله تعالي، ولكن هذا الاعتماد لا ينافي أخذ جميع الاحتياطات التي جعلها الله في هذا الكون أسباباً، لذلك لابد أن نعلم أن الأخذ بالأسباب هو جوهر التوكل على الله تعالى. ‎الدكتور يوسف جمعة سلامة ‎خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©