الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السعادة رهن بحرية المشاعر

السعادة رهن بحرية المشاعر
3 نوفمبر 2011 16:39
إذا كان ظلام الأرض أجمل أنواع الظلام رغم حضوره القوي والمسيطر، لكنه يستسلم برفق لخيوط الفجر الدقيقة الوديعة وينسحب بخجل كقائد نبيل.. أما ظلام النفوس، فيبدو قاسياً متجبراً تحتاج النفس البشرية لصراع عنيد لطرده من أعماقها. بهذه العبارة، قدمت سناء أبو شرار لروايتها الجديدة “في انتظار النور” الصادرة عن دار الهلال بالقاهرة، ووصفت الحياة بأنها تتابع الليل والنهار، وقالت “لأننا نخفي في أعماق الظلام ما لا نريد أن يكشفه النور يتتابع الظلام والنهار في نفوسنا أيضا، فتبدو العيون النافذة الوحيدة لما تخبئه الصدور تماما كما تبدو نوافذ البيوت أول محطة لحلول الظلام وأول محطة لاستقبال النور”. وتضيف سناء أبوشرار: “هناك ابداع بوصف الجمال وابداع بوصف السعادة وآخر بوصف المشاعر، ولكن من أين يأتي الإبداع بوصف الألم لأن رحلته شاقة لمن يعيشها ولمن يشاهدها ويكتب عنها؟”. الرواية تقع في 196 صفحة من القطع الصغير، وتتحدث عن الألم الذي تعانيه امرأة احترقت في مطبخ فيلتها الفخمة، وكانت نسبة نجاتها من الموت 5% فقط، وتقرر في لحظة حرجة من الألم والأنين أن تحيا وتجعل من الإرادة الخيط الرفيع الذي يصلها بالحياة... تحيا الألم الفظيع في غرفتها المعقمة في قسم الحروق بالمستشفى بكل تفاصيله.. يفصلها عن العالم الخارجي ومن تحب حاجز زجاجي ترقب من خلاله وجوههم الحزينة الباكية أو الصامتة في ما يتحررون هم من وجودها الماضي بحياتهم. وقد نجحت الكاتبة بنقل صورة أسيرة الألم من ناحية وطلقاء ذلك الألم من ناحية ثانية، وأنه في الحياة هناك من لا تتوقف سلطتهم الا بإرادة القدر؛ لأن من حولهم فقدوا القدرة على اتخاذ القرار فيأتي القدر كي يمنح تلك القدرة والحرية الممنوعة ولو من خلال الألم أو لوح زجاجي قوة جديدة تتساقط عليه دون ان يستطيع جسدها ان يعبر عما ترفضه مشاعرها او عقلها. كما نجحت بامتياز في ان تنقل القارئ لعالم مغلق على صاحبه وألمه وتقتحم المعاناة روحه ليعيش اللحظات بكل تفاصيلها وتجعله جزءا من الأنين والصراخ والصمت اليائس. فالشخصية الرئيسة “سهام”، حقيقية وما زالت موجودة، وقد عايشتها الكاتبة لساعات وشاهدت المباضع والملاقط داخل غرفة العمليات التجميلية وهي تنهش جسدها لإزالة اللحوم المحترقة وتزرع أخرى، وصوّرت بدقة وموضوعية ما صاحب هذا من مشاعر وأحاسيس إنسانية وشخصية، وتقمصت دور بطلتها بألمها وتفجر إرادتها لمقاومة الموت وتجاهل نظرات الآخرين التي وصلت لدرجة الدعاء لها بالرحمة أي الموت مقابل تعلقها بالحياة. وتدور أحداث الرواية بتفاصيلها خارج ذلك العالم الذي تراه بعيون المعاناة، ومن خلال نافذة صغيرة تطل على ممر رمادي اللون يصبح انغلاقها بألمها حرية لمن هناك خلف الممر الرمادي... وتكون السعادة حيث يحيا الآخر حراً طليقا بمشاعره وأفكاره، وانه حين نكبله بما نريد تصبح حاجته للحرية اشد إلحاحاً. الإرادة والجمال تنسج الكاتبة أحداث الرواية المتعلقة بشخصيات متنوعة كل واحدة تمثل شريحة اجتماعية ونفسية مختلفة عن الأخرى، ومن ضمنها الزوجة الجميلة التي تربت وترعرعت بأن الجمال هو كل ما تملك، وتكتشف بعد سنوات من فشلها كأم خطأ تلك المفاهيم، فتقول لوالدتها “هذا ما تعلمته منك طوال حياتي وأنت ترددين على مسامعي: إن الجمال هو أهم ما تمتلكه المرأة كنت تباهين بجمالي، والآن تلومينني لأجل هذا الجمال.. هل نسيت أنك أنت من أخبرني بأن أكون أميرة في بيتي وأن لا أكون خادمة؟ لقد تصرفت تماماً كما أخبرتني، اعتنيت بنفسي وعشت حياتي كما رسمتها أنت لي، وحين نكون معاً في المناسبات تفخرين بجمالي وزواجي الناجح من رجل ثري والآن ولأن هذا الرجل لم يعد يريدني تشعرين ليس بالخجل مني فحسب، بل بالنفور”. ومن وجهة نظر الكاتبة، فالزواج قد يكون للبعض أداة تدمير لعدم استسلام الآخر لتقليل الخسائر واستمرار الصراع ليفقد الطرفان ملامحهما الحقيقية الجميلة، وتشق تشوهات جديدة طريقها للنفوس لتبدو مرهقة وممتلئة بالغضب الصامت أو المعلن.. وقد يكون ـ أي الزواج ـ جميلا لا يتوقف عن التجدد والإشراق يمنح من حوله الدفء والاستقرار، ويمد الطرفين بالقوة والحب والاستمرار لمواجهة صعوبات الحياة. كما جعلت بطلتها “سهام” التي تسلحت بالحب والإرادة للشفاء من حروقها التي أتت على جمالها كله تعرف الحياة من خلال التمرد والخروج على طوق المعاناة والألم، “الحياة كالكثبان الرملية المتحركة” تقول، وهي ليست مشروعاً ضخماً للنجاح أو الفشل بل عطاء إلهي يحسن التمتع به من يمتلك الحكمة، فيمكن ان تتحول الحياة خلال ثوان قليلة إلى جحيم. وتربط بين الإرادة والنجاح باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، فحتى الشعوب إن لم يكن لها إرادة حقيقية للتغيير، فلن تتغير ومن وجهة نظرها فإن الكنز الحقيقي للأمة والفرد لا يكمن بالأموال بل بإرادة التغيير والتحمل لتحقيق أي هدف كان. الزواج والمال وتقدم الكاتبة صورة جديدة للتحرر، فشخصيتها التي لجأت للدين بعد رفضها العيش مع رجل يفضل الأفلام الجنسية على فراشها، “رجلي متزوج من الحاسوب” تقول، وولدها الذي درج على خطوات والده واهمل صحته ودراسته “أريد أن أصبح حرة بمشاعري وانطلق إلى عالم أوسع من هذه الأرض.. تكفيني نظرة إلى السماء كي أرى أن كل ما على الأرض يعلوه الغبار وأنه صغير أمام السماء”، ودفعتها لتدرك أن أحد أسباب شقاء الإنسان هو سعيه الدائم وراء السعادة التي يعتقد أنها توجد حين تلبي رغباته الدنيوية. كما تقدم صورة غير نمطية للزواج فتراه لا يحتاج لكثير من المال أو الكلمات او الهدايا لينجح بل لنظرة صادقة وابتسامة حنونة دافئة تجعل البيوت مفتوحة والقلوب سعيدة “الابتسامة أغلى ثمنا من البترول” وانه ـ اي الزواج ـ مواجهة الواقع مع الشريك الآخر وليس فقط منح الامتيازات والتسهيلات للطرف الآخر”المرأة تريد الرجل الذي يقف أمامها كرجل حقيقي”. وتطرح الكاتبة مفهوماً مبتكراً للمرض فهو من وجهة نظرها استعادة للبصيرة أو صحوتها لنقرر ما كان يجب أن نفعله دون تأثير معنوي أو عاطفي “دوائي هو السعادة التي أتمنى أن أراها مشرقة على وجوهكم”، فعقب مرض البطلة “سهام “ انفرط عقد النظام العائلي الصارم الذي وضعته الأم/ القائد، وتغيرت الكثير من المفاهيم “الطلاق غير مسموح به في عائلتنا”، ولم يعد مهما ما يقوله الآخرون ومارس الجميع حقهم في اتخاذ قراره وترتيب أولوياته وفق مصالحه وعواطفه، فلم يعد الطلاق محرما أو يعطي الحجاب انطباعاً متخلفاً عن العائلة الثرية. ترى كيف ينقذ الزواج الثاني الزواج الأول؟ “انا رجل ومن حقي”، فيبدو أن الكاتبة تعطي مبرراً للرجل غير المرتاح في بيته بالزواج الثاني.. فمعظم النساء يطلبن الطلاق فور معرفتهن بعلاقة أو الزواج بأخرى سراً، لكن الكاتبة جعلت زوجة حكيمة تضحي وتقبل باختيارها ضرة تنافسها في زوجها وتربية أولادها، وهذا نموذج لامرأة صححت موقفها بعد أن اكتشفت انها السبب ليس تجاه الزوج، بل الأولاد أيضاً الذين نسيتهم في غمرة لهاثها وراء المركز الوظيفي والاجتماعي على حساب العائلة. رسالة تحذير وتوجه سناء أبو شرار رسالة تحذير من السكرتيرات، خاصة عندما يطلعن مديريهن على ظروفهن الزوجية لينفذن منها لقلب رجل متعب يعاني غياب الاهتمام به وبأولاده، وتفضيل الزوجة الملابس وسهرات الصديقات والمجوهرات والرصيد البنكي على حساب احتياجات العائلة، وكم من الرجال انبطحوا ولم يصمدوا أمام الإغراءات العاطفية والجنسية، وهدموا أسرهم وراء نزوة لا تلبث أن تزول. وغالباً ما تكون مأساة الغير فتحة ضعيفة في جدار قلعة منيعة يتسلل منها من كان يحلم بدخول تلك القلعة بعيدة المنال، فـ”نهال” السكرتيرة كانت تحب بصمت وتتعمد أن ترش قطرات من عطرها على مكتبه قبل حضوره.. كانت مأساة زوجته المحترقة فرصتها الذهبية للتسلل لقلعته المنيعة وإقناعه بأنها قارب النجاة الذي ينتشله من بين أمواج الألم وينقله لعالم الجمال والراحة النفسية التي يتوق لها. وتكمن المأساة الكبرى عندما تصبح الخادمة الآسيوية أماً بديلة وحنانها وعطفها واهتمامها أكبر من حنان ورعاية الأم الحقيقية المنساقة وراء نزواتها الدنيوية و”برستيجها” الاجتماعي، وتقدم للأولاد ما هو أغلى من المال وآخر صيحات الموضة. كما توجه الكاتبة رسالة تحذير واضحة للنساء اللاتي يتاجرن بجمالهن “هل نسيت ابنة من اكون ومن يتمنى زواجي حتى الآن”، أو يشغلن مراكز وظيفية عالية “أي سعادة لامرأة بين الملفات”، ويعايرن أزواجهن بأنهن يتحملن مصاريف البيت وينقلن رجالهن من دائرة المشاركة إلى مربع تنفيذ الطلبات، وتقول لهن بصراحة ووضوح “ستأتي لحظة يتمرد هؤلاء ويستعيدون رجولتهم المفقودة ويبنون علاقة شرعية او غير شرعية خارج عش الزوجية”. ويذكر ان سناء أبو شرار من مواليد غزة تقيم في عمان، وتعمل محامية، لكنها تنحاز للأدب، وقد صدرت لها مجموعتان قصصيتان هما “اللاعودة” و”جداول دماء وخيوط الفجر”، وخمس روايات هي “أنين مدينة” و”غيوم رمادية مبعثرة” و”أساور مهشمة “ و”أوراق الميرامية” و”رحلة ذات لرجل شرقي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©