الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

منتدى «الاتحاد» يطرح «خريطة معرفية» للمشهد العربي الراهن

منتدى «الاتحاد» يطرح «خريطة معرفية» للمشهد العربي الراهن
21 أكتوبر 2012
افتتح راشد العريمي، رئيس تحرير “الاتحاد” فعاليات منتدى الاتحاد السابع، والذي يحمل عنوان “المشهد العربي ومسارات التحول”. ورحب العريمي بالمشاركين، قائلاً: أغتنم الفرصة لأثني على مساهماتكم المستمرة في رفد صحافة الرأي في صحيفة “الاتحاد” بأطروحاتكم النيرة التي تواكب عالماً يتطور كل يوم. وأعرب رئيس تحرير الاتحاد عن تمنياته بأن تثمر مساهمات المشاركين في إثراء الحوار والنقاش في النسخة السابعة من المنتدى، للخروج بخلاصات تزيل بعضاً من غموض المشهد وتضعنا أمام تفاصيله وأبعاده. وقال العريمي: إذ تموجُ الساحة بتغيراتٍ جمة تفاعلتْ قبل مايزيد على عام، نناقش خلال الساعات المقبلة “المشهد العربي...ومسارات التحول”، حيث تتضمن الجلسة الأولى أوراق عمل ترصد منعطفات مهمة شهدتها بعض البلدان العربية التي تمر بمراحل انتقالية صعبة تسودها حالة من السيولة، كما تحاول رسم ملامح ما يتفاعل من “حراك” عربي. وأشار العريمي إلى أن أوراق الجلسة الثانية تسلط الضوء على سيناريو الاتحاد الخليجي، وتضعه تحت مجهر التحليل، موضحة طموحاتِه وأفقِ تفعيلهِ ومعوقاتِ تحقيقه. واستهل د. بهجت قرني أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة، تقديم ورقته المعنونة بـ”تحديات المرحلة الانتقالية”، بعرض جدول توضيحي يلخص تفاصيل ما جرى في البلدان العربية الستة التي شهدت اضطراباً وتحولاً خلال الآونة الأخيرة، وهي تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا. ويقول د.بهجت إن موضوع التحول الديمقراطي في المنطقة ليس بالجديد تماماً، ولكن الموضوع وصل إلى لحظة فارقة - حتى على مستوى رجل الشارع- مع بداية سنة 2011 عقب قيام ثورة الشارع التونسي، ثم رحيل بن علي، وامتداد هذه الاحتجاجات إلى مصر، وتنحي مبارك في فبراير، ومقتل القذافي في أكتوبر سنة 2011 . أنماط ما بعد الاحتجاجات ويشير د. بهجت إلى ثلاثة أنماط رئيسية: نظام حكم مخلوع: حيث نجحت احتجاجات الشارع في التخلص من رئيس الحكم، وحتى يتم تقديمه للمحاكمة -حضورياً أم غيابياً- ويصبح لأول مرة في التاريخ العربي المعاصر “الرئيس السابق”، وهو على قيد الحياة. وثمة نمط آخر يتمثل حسب د.بهجت في حرب أهلية، وهي تمتد إلى الشوارع والميادين الكبرى، وتتميز بدرجة كبيرة من العنف بين النظام الحاكم، وبعض قوى احتجاجات الشارع، بتأييد خارجي مستتر أو صريح. وأهم أمثلة هذا النمط هو اليمن وليبيا وسوريا، وقد يكون هذا الخطر كامناً أيضاً في البحرين. أما النمط الثالث، فيمثل حسب د. بهجت في مراوحة المكان ومحاولة التكيف، وفي هذه الحالة تنطبق على الأنظمة التي رأت ما يحدث عند الجيران، وتحاول مسالمة الشارع عن طريق إصلاحات سياسية طال انتظارها، أو إجراءات دستورية تهدف إلى تقليل سيطرة الحاكم وتوحش السلطة التنفيذية مع إعطاء سلطات أكبر للسلطة التشريعية وحتى تقليل القيود على عمل منظمات المجتمع المدني، ليكون هناك توازن بين سلطة الحكم وتطلعات المجتمع. ويشير د. بهجت إلى أن أوضح مثال على ذلك هو التعديلات الدستورية التي أعلنت في المغرب في 9 مارس سنة 2011 . وبينما رحب 30 حزباً من أصل 34 حزباً مغربياً بالتعديلات الملكية وكانت نتيجة الاستفتاء عليها 98.5% بالموافقة، أكدت قوى 20 فبراير المعارضة أن الشعب قاطع الاستفتاء، وأن التعديلات ما هي إلا التفاف حول عملية التحول الديمقراطي. وتطرق د. بهجت إلى نجاح محاولة جمع الصفوف عن طريق آلية الحوار الوطني، مسترشداً بما تسميه تجــارب معظـم دول أميركا اللاتينيـة الـ Pactos ، التحالف أو الائتلاف الوطني، لأن بناءه يكفل لسفينة التحول الديمقراطي مواجهة الأمواج المتلاطمة لتصل إلى برالأمان بدلاً من الغرق، وهي في المرسى. ويشير د. بهجت إلى أن ثمة اتفاقاً في الأدبيات السياسية حول التفرقة بين مرحلتين: مرحلة التحول الديمقراطي نفسه، أي انهيار النظام السلطوي، ومحاولة إحلال نظام حكم آخر مكانه، ومرحلة تدعيم الديمقراطية. وحسب د. بهجت لا يقتصر هذا التدعيم على استمرار الممارسة الديمقراطية فقط، بل يتعداها إلى تعميق هذه الممارسة لتقوية جذورها، وأيضاً توسيع دائرة تطبيقها من مكان العمل في المصنع أو المكتب إلى نطاق العلاقات الأسرية. ويتوصل بهجت إلى قناعة مفادها أن عملية التحول الديمقراطي الحالية في صورتها الثورية، أو الإصلاحية لم يكن إذن بالإمكان تجنبها، ليس فقط لتعويض تأخر هذه المنطقة، مقارنة بالوتيرة العالمية، ولكن لأسباب داخلية. ويرى بهجت أن تأخر وتيرة التحول الديمقراطي هو جزء من مشكلة أكبر، تتمثل في انعدام القدرة على التكيف مع التغير، وقد يكون هذا العجز من أهم التحديات التي تواجه المنطقة العربية حالياً، سواء من جانب السلطات الحكومية، الكثير من أحزاب المعارضة أو مجموعات المجتمع المدني، وسواء على المستوى الوطني أوالمنظمات الإقليمية، وفي مقدمتها جامعة الدول العربية. فجوة إدراك ويستنتج د.بهجت أن أحد أهم مظاهر”الربيع العربي” تتمثل في فجوة أجيال بين قيادة سياسية مسنة ومعتلة، وقاعدة شبابية متحمسة ونشطة تشكل الأغلبية في معظم هذه البلاد. وعلى حد قول د.بهجت، لا تخُتزل هذه الفجوة العمرية في عدد السنين فقط، بل أيضاً في القدرة على إدراك ما يحدث في العالم ذي الوتيرة المتسارعة في التغير ثم التكيف معه. وإذا كانت القدرة على التكيف والتغيير هي المفتاح، فمن أين نبدأ؟ البداية من القمة رغم أن عملية التكيف والتغيير هذه عملية مجتمعية ومستمرة، فإن خطابنا - مدعوماً بالتجارب الحالية، إقليمياً وعالمياً - يصر على أهمية البدء من قمة السلطة السياسية لإصلاح نمط الحكم لكي يتحول من تحكم إلى مشاركة وتنسيق، وأن أساسه هو تواصل وحوار مستمر بين القمة والقاعدة. وهناك بالفعل بعض أمثلة على بدء هذا الحوار في الممارسة السياسية العربية. وبالرغم من عثرات هذا الحوار الوطني، فإنه يبقى الأسلوب الناجح وشبه الوحيد بين الجماعات السياسية والاجتماعية المختلفة، حكومية أو غير حكومية، لإنجاز عملية التحول الديمقراطي. خريطة معرفية واستهل السيد يسين مستــشـار مـــركـــز الأهـــــرام للدراسات السياسية والاستراتيحية تعليقه علـى ثلاث أوراق بحثيـة تضمنتها الجلسة الأولى المعنونة بـ”آفاق التغيير في المشهد العربي”، قائلاً إن الأوراق البحثية الثلاث، وهي ورقة د. عبدالحميد الأنصاري وورقة د. بهجت قرني، وورقة د. السيد ولد أباه، تحمل نظرة متشائمة إزاء مسارات تحول المشهد العربي الراهن، بعد اندلاع ما اصطلح على تسميته ثورات “الربيع العربي” في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. وهذا التشاؤم يقوم على أسس مختلفة بالنسبة لكل باحث، د.الأنصاري يؤسس تشاؤمه على مؤشرات كيفية متعددة، تشير إلى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدان “الربيع العربي” بعد الثورات التى قامت فيها. ويعلق يسين على مقولة وردت في ورقة د.الأنصاري، فحواها أن ثمة مساعي بدأت لأخونة الدولة في مصر، وأسلمة المجتمع عن طريق تعيين كوادرها على رأس مؤسسات عديدة، كما دخلت جماعة “الإخوان” فى صدامات مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ونجحت فى الانقلاب عليه، ثم مع المحكمة الدستورية العليا التي بددت بأحكامها مخطط الجماعة في السيطرة الكاملة، حسب الأنصاري، على مجمل الفضاء السياسي المصري. ويشير يسين إلى أن التحليل المتعمق للدكتور “الأنصاري” يثبت أن المستقبل الديموقراطي في كل من تونس ومصر وليبيا يحوطه ضباب كثيف نتيجة لعجز القوى الليبرالية، وهيمنة القوى الدينية. وينوّه يسين بأنه كان قد نشر مقالاً استنتج خلاله أن الثورات جميعاً التى نجحت فى إسقاط النظم الاستبدادية، تحولت عن طريق التيارات والأحزاب الدينية إلى هدم الدولة المدنية تمهيداً لإقامة الدولة الدينية التى تحكمها توجهات حزب “الحرية والعدالة” الإخواني والسلفيين فى مصر، ما يعد ردة كاملة عن التراث شبه الليبرالي، الذي كان سائداً في كل من تونس ومصر. ومن ثم لا مفر من الخلوص إلى نتيجة قد تبدو صادمة للكثيرين، وهي أن ثورات “الربيع العربي” القصيرة يبدو أنها ستتحول إلى خريف عربي طويل! وينتقل تعقيب يسين إلى ورقة د. السيد ولد أباه، التي اعتبرها بمثابة “خريطة معرفية شاملة لثورات الربيع العربي”. واستطاع في فقرات متلاحقة الإحاطة بمجمل الإشكاليات التي تثيرها هذه الثورات. وقد بدأ البداية المنطقية في التساؤل أولاً عن طبقة التحول، وهل كان ثورة أو حركة احتجاجية، وفي هذا المجال يختلف عديد من الباحثين. وعلى حد قول يسين: تتميز ورقة ولد أباه بالتوثيق الدقيق لمراجع هامة عربية وإنجليزية وفرنسية، ومنها اكتشف يسين أن أكبر فيلسوفين ماركسيين معاصرين أحدهما إيطالي، وهو “توني نجرى” والآخر أميركي هو “مايكل هاردت” نشرا منذ سنوات أهم تحليل ماركسي لظاهرة العولمة في كتابهما “الإمبراطورية” الذي ترجم إلى العربية لهما مقالة بالغة الأهمية عن دور الثورات العربية فى قيادة حركة الثورة في العالم، بعد نضوب آفاق الثورة في المجتمعات الصناعية، وهي المقولة التي رفضها بشدة ولد أباه. مطالب عاجلة وتوقف يسين عند فقرة وردت في ورقة د.بهجت، فالأخير يركز على حقيقة مفادها أن “تجارب التحول الديموقراطي تشترك في مواجهة تحد كبير، خاصة في بدايتها وهي ثورة التوقعات والتناسل اللانهائي للمطالب بعد طول انتظار، حيث يطالب الشارع بإشباع المطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتراكمة فى أقصر وقت ممكن إن لم يكن فوراً فقد وصل الصبر إلى مداه”. وهذه الحقيقة- كما يقول يسين- تفسر الموقف الفوضوي فى مصر على وجه الخصوص، حيث قامت كل الفئات الوظيفية والاجتماعية بلا استثناء بإضرابات واعتصامات ومظاهرات تحولت إلى صدامات دامية مع الأمن في بعض الأحوال، بحثاً عن العدل كما يتصورونه برفع شعارات. من الثورة إلى الفوضى وهكذا لا نبالغ إذا قلنا فى النهاية إنه بالنسبة لمصر على وجه الخصوص تحولت الثورة إلى فوضى عارمة، وانهارت قيم التراتبية الاجتماعية والوظيفة والإدارية، ما يشي بسيادة ظواهر الاختلال الاجتماعي وتدهور القيم وعدم الاستقرار السياسي. وفي معرض التعليق على ورقة د. بهجت، يقول د.رضوان السيد، أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية، إن ورقة د.بهجت مفيدة في مجال المقارنة مع تحولات العالم بعد الثورات أو حركات التغير الشعبية والممتدة، والخطر الأكبر بحسب د. قرني، والذي تواجهه الشعوب والدول بعد سقوط الأنظمة الديكتاتورية: هو التحول إلى دول فاشلة. ويواصل د.السيد تعقيبه قائلاً: قدم بهجت نصائح لكيلا نصل إلى حالة الدول الفاشلة أهمها التحالفات الوطنية، والحذر في تلبية المطالب العاجلة، والحكمة في التعامل مع أتباع النظام السابق، وإنجاز تغييرات سريعة يطمئن بنتيجتها الناس إلى أن هناك عهداً جديداً يجلب لهم المنافع ويسدد رعاية المصالح، وسرعة ظهور النخب السياسية الجديدة، واتباع الشفافية في التداول على السلطة، وفي الانتخابات. ظروف استثنائية وبهذا المعنى؛ يرى د. رضوان أن بحث د. قُرني إرشادي، لو كنا نحن العرب ثوريين وغير ثوريين نواجه ظروفاً عادية أو شبه عادية سبق أن واجهتها دول، مثل البرازيل وجنوب أفريقيا وإندونيسيا، والحقيقة أننا نواجه وليس منذ الثورات؛ بل منذ فترة طويلة ظروفاً استثنائية. فلدينا، حسب السيد تحدي التعددية المجتمعية، الذي واجهته بالطبع دولة مثل جنوب أفريقيا. لكنّ جنوب إفريقيا كانت لديها نخبة حزبية قيادية لا تتوافر لدينا نحن على أي مستوى. إنما لننظر في هذا المجال إلى ليبيا وتونس، حيث يمكن أن يبرز تحالف وطني، وتظهر بعض الشخصيات ذات المستوى. ويقول السيد: لدينا تحدي الجوار الإسرائيلي، والجوار الإيراني. وهما شديدا التأثير؛ الأول في كونه جواراً استعمارياً استيطانياً. والثاني في كونه جواراً تدخلياً يستند إلى قوى وطوائف وأحزاب بداخل بعض مجتمعاتنا، نجدها في فلسطين. ولا يجد السيد أن بلدا مثل إندونيسيا واجه مثل هذا الجوار الاستثنائي. ويواصل السيد حديثه عن الظروف الاستثنائية، قائلاً: لدينا تحدي الإسلام السياسي، وهو كبير ونافر. فالإخوان، على حد قوله، شعبويون واستيلائيون، والسلفيون انفجاريون ومصممون. وليس لدينا فكر نهضوي إسلامي، يمكنه استيعاب التطورات الحديثة والمعاصرة في إدارة الشأن العام، والحكم الصالح، والتمييز بين الدعوي والسياسي. صدمة «الإسلاميين» ولن تصبح مجتمعاتنا ودولنا بمأمن، ويقوم حكم صالح، إلا إذا ظهر وتبلور التحالف الوطني المنشود الذي يوليه د. قرني أهمية كبيرة في المرحلة الانتقالية. ويواصل د. رضوان تعقيبه على أوراق الجلسة الأولى، وتطرق هذه المرة إلى ورقة د. عبدالحميد الأنصاري، وهو مقتنع بأن تغييرالأنظمة الديكتاتورية كان ضرورياً، لكنه مصدومٌ بظهور الإسلام السياسي المكوَّن من الإخوان والسلفيين في كل أماكن التغيير. ولذلك يتتبع الأنصاري محاولاتهم للسيطرة على كل منافذ الحرية وإمكانيات التغيير الديموقراطي، فهو يتحدث عن “أخونة” الدولة والمجتمع بمصر، من إقصاء الجيش، وإلى محاولات السيطرة على القضاء والأزهر والإعلام، وتغيير الدساتير بما ينقص مكاسب المرأة وضمانات حقوق الإنسان، وهو لا يرى - استناداً إلى عدد من المعلقين العرب - أملاً في القوى المدنية، ولا في نفس نهضوي من داخل الفكر الإسلامي. ويقول رضوان إن الظواهر والمظاهر التي ذكرها الأنصاري صحيحة، ومع ذلك فإن مجتمعاتنا التي دخلت في مخاض التغيير، وبخاصة قواها الشابة، لن تُسلم بالتخلي عن منجزات الحركة التغييرية العربية، فالصراع مشتعل بمصر وعلى أشده، والتطورات بليبيا، وفي تونس واليمن وسوريا واعدة جداً، والثوران السلفي يائس وبائس ولا مستقبل له، والمعركة ذات جانبين، جانب الرهان على روح الثورات، وجانب الرهان على الإمكانيات الثورية البنّاءة في مجتمعاتنا بما في ذلك دينها وكرامتها وتضحياتها في سبيل الحرية.. وحسب رضوان، لم يراهن مثقفونا الكبار على الإسلام، بل على الإصلاح من داخل الأنظمة القائمة. ويؤكد أن نُجري عندنا الآن أولويتان: العمل النضالي مع الشبان، والعمل النضالي على الدين تفكيراً وإصلاحاً تغييراً للعلاقة بالجمهور وبالقيم والممارسات التي تحكمه. ومن الغريب أن يقول فلان: ديني أفضل من فلان فاختاروني أنا. هزات وثلاثة أنظمة ويواصل رضوان تعليقه على ورقة ولد أباه، مشيراً إلى خلاصات خرج بها تتمثل في نهاية دور الجيوش والقيادات العسكرية الحاكمة. وظاهرة خروج الجيوش من الحياة السياسية بدأت خارج العالم العربي في إندونيسيا وباكستان، وستكتمل هذه الظاهرة في القريب والمنظور. تثبيت الديمقراطية وقبل أن يطرح الأكاديمي المغربي د. عبدالحق عزوزي، تعقيبه على أوراق الجلسة الأولى، وجه الشكر إلى منتدى “الاتحاد” على ما أسماه فعالية علمية فكرية بهيجة متنوعة في انتماءاتها وكفاءاتها على شاكلة المقالات الفكرية النيرة التي تنشر على صفحات “وجهات نظر”. وأعرب عزوزي عن اتفاقه مع د.بهجت عندما فرق بين مرحلة التحول الديمقراطي ومرحلة تدعيم الديمقراطية. ويفضل عزوزي كلمة “تثبيت الديمقراطية” نقلاً عن الكلمة المعروفة عند منظري اَليات الانتقال الديمقراطي consolidologie. التحول وحده لا يكفي ويؤكد عزوزي أن التحول لوحده لا يكفي لتكريس الفكرة الديمقراطية على الواقع وفي عقل أولئك الذين كانوا ضحايا غيابها. ويتساءل من الذي صوت للإسلاميين؟ الشعب... إذن لا الشعب ناضج ولا الإسلاميين كذلك، لكن يجب ألا نقرأ الأمور بهذه الطريقة. والديمقراطية، كما يقول عزوزي تبقى في خانة الانتظار إذا لم يتغير المجال السياسي المغشوش من سلطة ومجتمع مدني وأحزاب سياسية إلى مجال سياسي حقيقي يتساوى فيه الجميع، على حد قول عزوزي، ويتبارز فيه الفاعلون على قواعد ديمقراطية تحكمهم بعد تدمير بنيات كانت تحجز التطور وتكبح سيرورة التاريخ. وبعد دخول المجتمع السياسي الحديث إلى هذه الخانة، يمكن أن نسمي الدولة الجديدة بالدولة الديمقراطية لأنه نكون قد انتقلنا من فترة التحول الديمقراطي إلى فترة التثبيت الديمقراطي. وبمعنى آخر، أياً كان التغيير ونوعيته وطريقته، عن طريق تدخل أجنبي، أو عن طريق ثورة، أو عن طريق تأثير الدول المجاورة أو عن طريق الميثاق التعاقدي، فإن تثبيت الديمقراطية، على حد قول عزوزي يبقى رهيناً بالمسار الذي يحدده الفاعلون للتحول: فإما يودي بالبلاد والعباد إلى بر التغيير الجذري الذي يخلق منظومة معرفية وتطبيقية سياسية كاملة حول الحق الطبيعي والتعاقد والمواطنة، وإما إلى سلطوية جديدة يبقى الفاعلون البارزون، كالجيش مثلاً خلف الستار يحكمون ويسيرون. التجربة المغربية ولا يتفق عزوزي على أن هناك دولاً كالمغرب يمكن أن توضع في خانة الدول التي تراوح المكان، وتحاول التكيف وأن “قوى 20 فبراير” المعارضة تؤكد أن الشعب قاطع الاستفتاء، وأن التعديلات ماهي إلا التفاف حول عملية التحول الديمقراطي”. ويقول عزوزي: الشعب المغربي ذهب يوم الاستفتاء عن بكرة أبيه ليصوت على الدستور الجديد الذي صورته لجنة من المختصين تعدى عددهم الثلاثين، ومنهم من عاش غيابات السجن في سبعينيات القرن الماضي؛ فالاستفتاء، على حد قول عزوزي، كان حقيقة، والرجوع إلى قراءة الدستور المغربي ومقارنته بدستور 1996 سيحيلنا إلى الإصلاح الجذري الذي حققته التجربة المغربية. وعلق عزوزي على مفردة Pactos الواردة في ورقة د.بهجت كمرادف لكلمة التحالفات، فعزوزي يفضل لو تُرجمت الكلمة بـ”الميثاق التعاقدي”، بدلاً من التحالفات. ويقدم عزوزي تفسيراً للميثاق السياسي على أنه “اتفاق بين مجموعة قوى ساعية لتحديد –أو إعادة تحديد- القواعد التي تحكم ممارسة السلطة على قاعدة ضمانات متبادلة للمصالح الحيوية لكل الأطراف المشاركة في العملية”. أي «دومينو» في المنطقة؟ ويعلق عزوزي على ورقة د. الأنصاري، خاصة ما يتعلق بمسألة الدومينو، بمعنى توالي سقوط الأنظمة واحداً تلو الآخر، صحيح أنها لم تقع عند هجوم أميركا على العراق سنة 2003؛ ويشير د. عزوزي إلى أن “المحافظين الجدد” كانوا في تقاريرهم وسياساتهم في البيت الأبيض يقولون إن سقوط نظام صدام سيؤثر سلباً على الأنظمة المجاورة التي ستتهاوى كما تتهاوى أوراق الخريف، وهذا شيء لم يقع. أما بعد ثورة تونس، فيرى عزوزي أنه بالإمكان الحديث عن تذبذبات وتأثيرات على العديد من الدول المجاورة، حتى وإنْ كانت الاختلافات النوعية موجودة، ولسبب واحد هو أن الإنسان العربي العادي لم يفهم بأن القوى والموارد التي تتوافر عليها الدولة مصدرها الجماعة، سواء تعلق الأمر بالفائض الناجم عن العمل أو الموارد الأولية. ويقول عزوزي يكفي التذكير بأن نسبة الفساد والارتشاء لم تصل إلى حد اللامعقول في أوطاننا العربية، إلا لأن الإدراك بماهية الصبغة العمومية للدولة يبقى ضعيفاً. الشباب والأحزاب ويقول عزوزي إن الشباب هم الذين باستطاعتهم- من وجهة نظر عزوزي- أن يقلبوا الأوضاع، فكما أنهم ودون لافتات دينية وأبواق إسلامية خرجوا إلى الميادين والشوارع للقضاء على أنظمة سلطوية، عليهم القيام بما هو أسهل من ذلك ألا وهو ولوج الأحزاب السياسية. فأساس النظام الديمقراطي يقوم على قاعدة فتح المجال السياسي وجعله مجالاً لمنافسة مفتوحة بين كل القوى السياسية في المجتمع؛ وتنظيم اللعبة السياسية من أصعب قواعد الديمقراطية لأنها مسألة سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية. وبعدما انتهى د. عزوزي من تعقيبه، أدار راشد العريمي دفة الحديث نحو المداخلات، التي استهلها الأكاديمي الفلسطيني د.خالد الحروب، فهو يقول، نحن لن نخترع العجلة من جديد، والأهم هو الاستثناءات الثلاثة التي تميز العالم العربي، التعددية المجتمعية الغائبة، والجوار الإيراني والإسرائيلي، وشعبوية الاخوان وغوغائية السلفيين. صحيح أن هناك من لديه مخاوف تجاه التغيير، مثلما أوضح د. الأنصاري في ورقته، لكن على النخبة أن تتحلى بالصبر، لأن التحولات تحتاج إلى وقت، خاصة في ظل ثورة التوقعات والمهم ما أنجزه هؤلاء الشباب أن المنطقة العربية دخلت التاريخ. ويقول الحروب: نحن الآن نعيش في مرحلة أشبه بالنهر، والأنظمة السابقة كانت أشبه بالمستنقع، أي الركود، نحن في حاجة إلى وقت حتى يتمكن هذا النهر من التدفق. ويطرح د.حسن حنفي، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، خلاصة مفادها أن التاريخ ليس مجرد صفحة نقلبها من سوداء إلى بيضاء.. نحن الآن في مرحلة انتقالية لم يجد الشباب ثقافة اسلامية أو ليبرالية يشتغلون بها، كما أن “الإخوان” في مصر ليسوا كتلة واحدة، فهناك تيار “محافظ”، وتيار “وسط”،و” ليبرالي”، وهناك تيار خرج من الإخوان، وانضم الى تيار ثوري.. الآن لو حدثت انتخابات في مصر سيحصل الإخوان على مقاعد أقل. والمطلوب في مصر الآن انتخابات حرة وتحقيق بعض المطالب الفئوية لبسط السيادة على سيناء، الاتجاه نحو الصين، استحقاقات مع ايران وتركيا. مطلوب من المثقفين المساهمة في هذا المسار، بدلاً من البكاء على المسار الثوري. ولفت د. أسعد عبدالرحمن، في مداخلته إلى اختفاء عبارة “لا صوت يعلو على صوت المعركة”، فهذه المقولة انتهت. ويقول عبدالرحمن: من المنظور الاستراتيجي، فإن محركات الانتفاضات أو الثورات كانت ناجمة عن أوضاع داخلية مباشرة ولم تكن لإسرائيل يد فيها. من جانبه طرح خليل علي حيدر تساؤلاً مهماً على ورقة د. بهجت، مؤداه: ماذا عن مصير التعليم في مصر، سواء العام والجامعي؟ وما مدى القدرة على تحقيق الاستقلالية في مصر في هذا القطاع؟ ويستطرد حيدر: لدى الإسلاميين بنوك إسلامية انتشرت في دول الخليج وامتدت إلى لندن ونيويورك، اعتقد أن شعبوية الإسلاميين ليس لها حدود. ويرى د. علي الطراح، سفير الكويت لدى اليونسكو، أن التغيرات التي شهدتها المنطقة، كسر حاجز الخوف، كما حدث التغيير هذه المرة من القاعدة وليس من أعلى، في مصر حدث انفتاح من خلال الاستثمار لكن دون جلب القيم الديمقراطية. ويطالب الطراح بعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام، أو في محاسبة “الإخوان” الذين أصبحوا الآن في السلطة. وبالنسبة لمصر، فإنه حتى ولو لم يكن هناك مرسي في الرئاسة فسيكون من الصعب أيضاً حل كل المشكلات الموجودة في مصر الآن. التغيير الذي حدث لن يكون ضمن الدولة والسلطة فقط، ولكن سيستفيد المجتمع منه، من خلال مقاومة الآفة التسلطية عموماً، وهذا ينطبق على الأحزاب. ويرفض د. عبدالله المدني، مقولة د. رضوان السيد، المتمثلة في عدم وجود تطرف في إندونيسيا، حيث هناك أشخاص مثل باعشير، وغيره، متطرفون، وهؤلاء من أصول عربية، أي تم تصديرهم من المنطقة العربية إلى إندونيسيا. المجتمع الإندونيسي يختلف عن المجتمعات العربية، حيث أن أكثر من 90 في المئة من الإندونيسيين متعلمون، لكن الأمية أكبر في الدول العربية وصلت إلى نسبة كبيرة. كما أن الرئيس الإندونيسي كان عسكرياً، ثم دخل في تحالفات مع القوى المدنية الموجودة. ويلفت د. سعد بن طفلة العجمي، الأكاديمي الكويتي ووزير الإعلام السابق، أن هناك فجوة جيلية في صفوف “الإخوان” وأضيف هناك فجوة وتفاوتات طبقية بينهم، يوسف ندا ليس مثل الفقراء من “الإخوان” في إمبابة، سيظهر صراع طبقي داخل الإخوان، وسيكون ذلك مدعاة لانفصالات داخل الحركة. ويواصل د. سعد بن طفلة: د. رضوان تحدث عن التدخل الإيراني حتى في القضية الفلسطينية، وهذا ينذر بانشقاقات داخل الساحة الفلسطينية. ويرى د.بن طفلة، إن مصر هي التي ستعطينا مؤشرات لما هو قادم، لكن “الإخوان” لا هدف لهم إلا الوصول إلى السلطة، وأشك أنهم سينسحبون من السلطة طواعية. وينتقد الكاتب الصحفي محمد الحمادي، النخب العربية كونها تدور في فلك رد الفعل، وهذا ما سمح للتيارات الدينية بالفعل، ما حدث ليس جميلاً بالمطلق ولا سلبياً بالمطلق، الأمر يحتاج إلى وقت طويل، علينا أولاً التفاؤل والتحدث عن مشروع تنموي، والتمسك بالماضي يجعلنا نخسر الكثير. وفي مداخلته على أوراق الجلسة الأولى، يقول عبدالله بن بجاد العتيبي: لنقف جميعاً على أن ما حدث من تغيير كان تاريخياً والجدل علي تسمية المشهد ليس ترفاً، وليس من دور المثقف الانسياق لما يدور من أحداث، بل لابد من تحليل المشهد. ويتحفظ بن بجاد على من يقول إن الثورات العربية نزيهة وتشبه الثورات الفرنسية وغيرها.. لكن أحلام الجماهير لم تتحقق. ويستغرب بن بجاد من أن حركات الاسلام السياسي في السابق كان يقال عنها إنها فزاعة، والآن هم انتصروا في الانتخابات. والقول إن ما جرى في مصر بسبب الشباب الثائر، وإن الشباب هم الذين غيروا الأمور، غير صحيح. في مصر لم تساند أميركا مبارك، والجيش وقف ضده فسقط بسرعة. في سوريا: هناك تردد أميركي والجيش السوري انحاز للنظام، واختتم بن بجاد مداخلته، متسائلاً: كيف يتحول إلى حكم ديمقراطي مدني وليس أصولياً. ويقول د. عبدالله الشايجي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت: ما نشهده ليس ثورات، ولكنه حراك ثوري وربما إصلاح.. والغريب أيضاً حسب الشايجي أن هناك من يقول ما يجري مؤامرة أميركية. ويلفت الشايجي الانتباه إلى أن في المنطقة مشروعاً أميركياً، ومشروعاً إيرانياً توسعياً ومشروعاً تركياً، لكن هل هناك نواة لمشروع عربي؟ وينهي الشايجي مداخلته، بالقول: إن كثيراً من الأمم مرتاحة لأفول نجم هذا التغيير، خاصة بعد المشكلات التي ظهرت خلال المرحلة الانتقالية. الآثار النفسية للتحولات عرض د. خالص جلبي، بعض النقاط الخاصة بآثار التحولات سلباً وإيجاباً، فمن الناحية السلبية قد يتسع الشرخ السني- الشيعي – العلوي في ظل ذاكرة مثقلة بالسلبيات، كما في الحالة السورية، إضافة إلى انفجار الأحقاد والغرائز البدائية، وغموض البديل غامض، بسبب “كساح” سياسي عمره نصف قرن، وفي الحالة السورية، يقول جلبي، نجح النظام في جر الثورة إلى اللاءات الثلاث المضادة للعنف– الطائفية- التدخل الخارجي، ونمو التطرف الحدي، واللاعقلانية. ويشير جلبي كذلك إلى مخاوف من تفكك الدول إلى دويلات طائفية هي كابوس حتى ولو كانت مجرد فكرة. وعن الآثار الإيجابية، يقول د. جلبي إن التغيير تم ويتصاعد، ولعله أمر لم يحدث- حسب- جلبي- منذ عصر الصحابة. لقد انكسر الخوف، وانتهى عصر الحاكم الإله، وبدأ عصر الشعوب وهو نور سيعم العالم. سوريا ستغير العالم، أما الحركات الإسلامية، فإن المستقبل سيحمل لنا الإجابة على تساؤل مؤداه: هل ستكون مثل تركيا أو طالبان؟ ويتنبأ جلبي بأن العرب سيقفزون إلى مسرح التاريخ خلال الخمسين عاماً المقبلة، فالثورة موجات. أين الاقتصاد السياسي؟ وقدم د. صالح المانع ملاحظة، مفادها أن التحليلات السابقة التي تم طرحها تجاهلت الاقتصاد السياسي الذي كان سبباً في ظهور حركات التغيير، ومطلوب معرفة البعد الاقتصادي والاجتماعي لما جرى من حراك في العالم العربي.. خاصة في ظل الانفجار السكاني، ثمة اشكالية عميقة في العالم العربي.. حيث لا يوجد توازن بين الموارد الاقتصادية ومستويات الإنفاق. هناك دول تحكمت في نموها السكاني، وبعد ذلك أصبحت قادرة على تصدير الغذاء. ويشير د. محمد العسومي، الخبير الاقتصادي، إلى أن هناك أبعاداً مهمة لم يتطرق إليها التحليل، كمستويات المعيشة ومستويات الدخول، وبعد المؤشرات الاقتصادية التي لعبت دوراً في موجة التغيير العربية. ويلفت العسومي الانتباه إلى أنه رغم معايشتنا عصر العولمة، لكن ليس لدينا موقف تجاهها، فهل نتعامل مع صندوق النقد الدولي أم لا؟ هل سيتم إلغاء الدعم؟ في مصر ثمة توجه نحو إلغاء الدعم، رغم أن نظام مبارك لم يكن ليتجرأ على ذلك... ويضيف العسومي مستغرباً من أن ايران وبعد 30 سنة من الثورة يتحدث كبار مسؤوليها عن رؤية اقتصادية، فأين كانت الثورة من الاقتصاد طوال العقود الثلاثة الماضية؟ ويتساءل د. أكمل عبدالحكيم، الكاتب المتخصص في الشؤون الطبية، أين الاقتصاد من مسببات التغيير؟ ويقول لم يحرق بوعزيزي نفسه بسبب الديمقراطية، ولكن بسبب عجزه عن الحصول على مصدر دخل. ويضيف عبد الحكيم إنه إذا كانت الحرب امتداداً للسياسة، فإن السياسة هي امتداد للاقتصاد. لم نسمع كثيراً عن البطالة كسبب للثورات، ويستنج عبدالحكيم أن الوضع الاقتصادي المزدهر وارتفاع مستويات الدخول، يجعل الدول في مأمن من هذه التحولات. الأنصاري «متشائل» من جانبه، يري د.عبدالحميد الأنصاري، أنه (متشائل)، ذلك لأن المحلل الناقد لا يتفاءل ولا يتشاءم، منوهاً بأن هناك من يسرع في الحكم على الانتقادات، فهل هذا يعني أن نكون مصفقين؟ ويؤكد الأنصاري حرصه على النقد لخوفه من حدوث المزيد من الانحرافات، والنقد الذي قدمته هو لحماية أهداف “الربيع” العربي. وعلى حد قول الأنصاري، هناك فرق بين إسلامي ومسلم، الأول يعني أنه يتبنى مرجعية إسلامية للشأن العام، والثانية تعني (كلنا مسلمون). الأنصاري لا يؤمن بالدولة الدينية، ويريد أن يوصل رسالة للإسلاميين، بأن عباءة الإسلام تتسع للجميع، وليس هناك فائدة من إقصاء التيارات الأخرى. وحسب الأنصاري، فإن الإسلاميين ليس لديهم حلول علمية واقعية، فهم يقدمون حلول الآخرين، ولكن بعباءة إسلامية.. سواء في الحكم، أو الاقتصاد أو الاجتماع. إطلالة على الأزمة السورية قبل افتتاح الجلسة الثانية، أدار أيمن الصفدي الرئيس التنفيذي لشركة أبوظبي للإعلام، حواراً مع د. برهان غليون، رئيس مركز دراسات الشرق المعاصر في السوربون ورئيس المجلس الانتقالي السوري السابق، ليشرح للحضور بعض جوانب الأزمة السورية. الصفدي رحب بضيوف المنتدى باسم أبوظبي للإعلام قائلاً، لقد أصبح المنتدى تقليداً راسخاً تحرص الاتحاد على تنظيمه كل عام. وانتقلت الكلمة لغليون الذي قال إن منطق العالِم مختلف كلياً عن منطق السياسي، فالسياسة هي عمل والتزام وإنجاز، ولا معنى للسياسة إلا بوصفها إنجازاً لأهداف محددة.. التاريخ دائماً يشير إلى أن العلماء لم يكونوا سياسيين. انتقلت من موقع الى موقع، لكني سأعود إلى الجامعة مرة أخرى. ويواصل غليون الحديث قائلاً: خلال الأشهر السبعة الأولى من الثورة، كنت أتابع الثورات العربية، وكان يصلني باستمرار دعوات من أجل جمع أطراف المعارضة المشتتة للعب دور مع هذه الأطراف، في البداية لم أنوِ الحضور لاجتماعات المعارضة بسبب صعوبة المهمة، ولكن كان تصوري للسياسة كعمل مباشر، أنها أشبه بمحرقة. ويواصل غليون الحديث عن تجربته قائلاً: مع قبولي رئاسة المجلس الوطني السوري كنت أعرف أن رصيدي سيتضرر، لأنه بعد 6 أشهر ظهرت صراعات داخل المجلس وخارجه، حيث زادت أعداد الطامحين في قيادة العمل داخل المجلس. وحسب غليون، فإن جزءاً كبيراً من المسؤولية يتعلق بأزمة المعارضة وجزءاً آخر يتعلق بالموقف الدولي والإقليمي. ويرى غليون أنه لم يساعد أحد السوريين على التقدم للأمام. سبعة أشهر من عمر المجلس الوطني، لم يكن هناك صندوق لتمويل المجلس، ويقول: كنت اعتمد على راتبي الجامعي للقيام برحلات تتعلق بدور المجلس، الدعم لا يزال ضعيفاً جداً، مقارنة بالتحديات التي يواجهها السوريون. ولخص أيمن الصفدي ما قاله غليون، بأن المجلس فشل في تحقيق الدور المنوط به بسبب عدم وجود دعم دولي. ويقول غليون في البداية كان هناك تأكيد على رفض الانقسام والتأكيد على الوحدة. لكن الطائفية استخدمت من النظام في الماضي، كاستراتيجية للبقاء في الحكم، الطائفية ليست محركاً على الإطلاق. المطالب العميقة للناس ليست طائفية، بل تتمثل في التحرر وضمان حرية الفرد، مركز القوة في الثورة هو الفرد، والناس الذين نزلوا للشوارع، وهم ليسوا إسلاميين، ولم ينزلوا بهويتهم الخاصة بل يطلبون حقهم في الحرية والمواطنة. كما أن تشرذم المعارضة السورية، حسب غليون سببه غياب ثقافة المشاركة السياسية، وغياب الحياة السياسية، ومن ثم تمحورت الأمور حول الفرد. وحسب غليون، في البداية كان الحديث عن سلمية الثورة، لكن النظام عطل إمكانية تجمع الثوار في ميدان واحد. النظام قتل ويقتل لمنع الناس من تنفيذ مليونية على شاكلة ميدان التحرير. لا توجد قوى سياسية معارضة تتخذ قراراً بالتسليح، لذا اضطروا لحمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم. وبخصوص الحسم العسكري، ليس هناك شيء محسوم، فبالإمكان تغيير المعادلة العسكرية، ويمكن تغيير ميزان القوى لفتح إمكانية للتفاوض مع النظام، ولكن ليس بقصد التسوية بل لنقل السلطة في سوريا. الحديث عن مخرج سياسي أو عسكري، يتطلب مفاوضات تعكس ميزان القوى، في إطار مفاوضات لنقل السلطة. برهان يقول إن شجاعة السوريين استثنائية، ويتمنى من المثقفين العرب أن يعربوا عن موقفهم لدعم الشعب السوري. دول “الربيع العربي” لم تساعد الشعب السوري، وثمة تقدير للاحتياجات السورية يصل إلى 300 مليون دولار شهرياً، وهذا ما لا تستطيع دول مثل مصر وتونس تقديمه، عام ونصف مر على الأزمة السورية، الذي مول الثورة السورية هم السوريون سواء من التجار وحتى عامة الناس والنساء اللواتي يبعن مجوهراتهن، ويشير غليون إلى أنه على الأقل بات في سوريا 50 ألف ضحية. وحسب غليون، لا يمكن تجميع المعارضة فهي بحاجة الى إطار يمثل الشعب السوري لا يضم المعارضة فقط بل يضم المجالس المحلية بالداخل. لو كان هناك إرادة دولية لدعم الشعب السوري لتوحدت المعارضة السورية. حكم قاسٍ يستغرب يسين من استنتاج توصل إليه ولد أباه في ورقته، عندما يقول الأخير: “إن بعض الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين من يتامى الثورات الشيوعية المجهضة عززوا لدى العرب هذا الوهم في استئناف حركة التاريخ الفاعلة من الثغر العربي”. ويرد يسين على المقولة شارحاً أنه لا يحب أن يصف ولد أباه اثنين من أكبر العقول الفلسفية الماركسية إبداعاً في عصرنا بأنهم “يتامى الشيوعية المجهضة، ولو قرأ كتاب “الإمبراطورية” بما يتضمنه من تحليل علمي بالغ العمق لظاهرة العولمة لعدل عن رأيه وحكمه القاسي! وفي معرض تعقيبه، على ورقة د. بهحت، يرى يسين أن هذه الورقة أشبه ما تكون بـ”خريطة معرفية مقارنة” للتحول الديموقراطي في العالم، ويعتمد فيها على مؤشرات كمية يوجزها فى جدول بالغ الأهمية عن بعض سمات الحراك العربي، حيث يتعقب تطورات الأوضاع في كل من ليبيا والبحرين واليمن وتونس ومصر وسوريا من حيث:- خصائص أو نوع الثورة والانتفاضة. أين الخلل؟ يرى عزوزي أنه ضد زج الدين في السياسة والسياسة في الدين. ويطالب بضررة الاشتغال الآن بالأولويات في تسيير الشأن العام كالتعليم والاقتصاد، هذا هو المطلوب، أما الدخول في مزايدات ومغالطات، فهذا ليس فقط خطراً على المجال السياسي العام، وإنما هو أيضاً خطر على الدول العربية نفسها. ويؤكد عزوزي أن وصول الأحزاب الدينية إلى السلطة يعني أن هناك خللاً، يكمن في الشباب وفي الأحزاب السياسية. وينوه الأكاديمي المغربي أيضاً بأن الشباب لا يلجؤون إلى الأحزاب السياسية لضعف المواطنة الحزبية في العالم العربي. هذا هو المشكل، وهذا هو الذي يجب تغييره.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©