الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة المالية وأوجه الشبه مع كساد الثلاثينيات

الأزمة المالية وأوجه الشبه مع كساد الثلاثينيات
18 مارس 2009 01:48
في الوقت الراهن يلوح شبح ''الكساد الكبير'' الذي ضرب العالم في ثلاثينيات القرن الماضي في الأفق مسبباً الاكتئاب للأميركيين· وهذا الاكتئاب لا يرجع فقط إلى البطالة التي وصل معدلها إلى 8,1 في المئة، ولا إلى خسارة ما يقرب من 13تريليون دولار في سوقي العقارات والأوراق المالية منذ عام 2007 ، وإنما إلى ذلك القلق غير واضح المعالم الذي ينتابهم، ويجعلهم يشعرون بأنهم على وشك السقوط في هوة اقتصادية عميقة قد يصعب النجاة منها· قد يتضح فيما بعد أن هذه المخاوف لم تكن قائمة على أساس، ولكن إلى أن يحين الوقت الذي يحدث فيه ذلك، لاشك أن تلك المخاوف تغذي مشاعر التشاؤم، وتدعو الناس والشركات على حد سواء، إلى اكتناز الأموال، ومفاقمة ضعف الاقتصاد· ومرجعنا الوحيد لهذا النوع من الانهيار، هو الكساد الكبير· غير أن مقارنة الوضع الحالي بما كان سائداً زمن ذلك الكساد في ثلاثينيات القرن الماضي تبدو غير منطقية على الأقل من الناحية الظاهرية· ويمكن القول إننا ''بعيدون تماما'' -حتى الآن- عما كان موجوداً في ثلاثينيات القرن الماضي، كما تقول''كريستينا رومر'' رئيسة مجلس مستشاري أوباما الاقتصاديين''، في حوار مفيد أجرته مؤخراً· ففي عام 1933 وصلت نسبة البطالة إلى أعلى مستوياتها، وهي 25 في المئة· كما كان الناتج المحلي الإجمالي في أدنى مستوياته يقل بنسبة 25% عن أعلى مستوى وصل إليه عام ،1929 في حين أن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي لم يهبط خلال الأزمة الحالية سوى بنسبة 2 في المـئة فقط· علاوة على ذلك، فإن الكساد العظيم لعب دوراً في تغيير تفكيرنا ومؤسساتنا· فالبؤس الإنساني المرافق للاضطراب الاقتصادي، تقلص الآن مقارنة بما كان عليه من قبل، كما ''لم يكن لدى الأميركيين في ثلاثينيات القرن الماضي سوى عدد محدود بدرجة تدعو للشعور بالألم من شبكات الأمان الاجتماعية التي تساعد الناس الآن على الخروج من الأزمات'' كما تقول ''رومر''· فحتى عام 1935 لم يكن هناك نظام فيدرالي للتأمين ضد البطالة، كما لم تكن البرامج المطبقة حالياً مثل برنامج كوبونات الغذاء، أو الرعاية الصحية معروفة في ثلاثينيات القرن الماضي· ومن المعروف أن الحكومات تستجيب بشكل أسرع لحالات تدهور الأسواق أو ركودها· وهكذا فإنه رغم كثرة عدد البرامج التي اشتملت عليها مبادرة''العهد الجديد'' التي أطلقها الرئيس ''فرانكلين روزفلت'' في الثلاثينيات، فإن سياسة ''التمويل بالعجز'' (عندما تكون الإيرادات غير كافية لتغطية النفقات)، لم تستخدم سوى بشكل محدود للغاية في ثلاثينيات القرن الماضي كما تقول''رومر''· علاوة على ذلك، تم تعويض بعض من نفقات فرانكلين روزفلت الزائدة من خلال فرض زيادة ضريبية تم تفعيلها في السنة الأخيرة من ولاية''هربرت هوفر''(الرئيس الحادي والثلاثون للولايات المتحدة 1929-1933)، أما العجز الفيدرالي فقد ارتفع من 4,5 في المئة من الناتج القومي الإجمالي عام 1933 إلى 5,9 عام ،1934 وهي زيادة ليست كبيرة· وإذا قارنا ذلك بما هو موجود الآن، فسوف نجد أن عجز الميزانية المستهدف في السنة المالية ،2009 يبلغ 12,3 في المئة من الناتج القومي الإجمالي ارتفاعاً من 3,2 في المئة في السنة المالية ·2008 وجزء من هذه الزيادة يعكس ما هو معروف باسم ''أدوات الاستقرار التلقائية''(في حالات الانكماش الاقتصادي يزداد الإنفاق الحكومي وتنخفض الضرائب) أما الباقي فينبع من''برنامج التحفيز'' الضخم· ويأتي على رأس ذلك قيام ''الاحتياطي الفيدرالي'' بخفض معدل الفائدة الفورية إلى صفر تقريباً، وقيامه بالإقراض مباشرة في الأسواق التي يحجم المستثمرون الخصوصيون عن الاستثمار فيها، بما في ذلك سوق العقارات· ويفترض أن تؤدي الإجراءات الجريئة التي تقدم عليها الحكومات إلى تعزيز بعض الآليات الطبيعية التي تؤدي إلى تعافي الاقتصاد· فعندما يتزايد الطلب، تتزايد في الوقت نفسه الضغوط الداعية للمزيد من الإنفاق، كما يؤدي سداد القروض، وتخفيض أعباء الديون، إلى تهيئة المناخ العــام للمزيد من الإنفاق، وهو ما ينطبق أيضاً على المخزونات الزائدة· بعد كل ذلك، هل يمكننا القول إن المشابهة بين الأوضاع الحالية، والأوضاع التي كانت قائمة في ثلاثينيات القرن الماضي مبالغ فيها، وتهويلية، دونما ضرورة؟ ربما كان الأمر كذلك، ولكن ليس بالضرورة، أو ليس من المحتم أن يكون الأمر كذلك· فعلى سبيل المثال، نجد أن بعض علماء الاقتصاد الذين تخصصوا في دراسات ''الكساد الكبير''، والذين استبعدوا يوماً إمكانية تكراره، يبدون الآن أقل ثقة بآرائهم السابقة· من هؤلاء المؤرخ الاقتصادي''باري أيخن جرين''، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا في ''بيركلي'' الذي يقول:''لسوء الطالع أن أوجه التشابه بين (ذلك الوقت والآن) تتزايد بشكل مطرد، وما كنت أعتقد أنني يمكن أن أرى ذلك خلال حياتي''· ويقول'' جاري ريتشاردسون'' أستاذ الاقتصاد في''يو سي إرفين'': ''ما أستطيع قوله إن هذا هو أول ركود اقتصادي يحدث منذ الثلاثينيات، ويشبه ما حدث فيها''· ومن أكثر مظاهر الأزمة الحالية شبها بما كان موجوداً في الثلاثينيات، تلك المساجلات والنزاعات حول من يجب أن يوجه إليه اللوم، وحول ما يجب عمله للخروج من براثن الأزمة الطاحنة· وقد اقترحت إدارة أوباما على أوروبا واليابان تدشين ''حزم تحفيز'' أكبر غير أن الأوروبيين رفضوا الاقتراح بأسلوب لا يخلو من الفظاظة· كما اقترحت الإدارة الأميركية أيضاً على صندوق النقد الدولي زيادة القروض المقدمة للدول الفقيرة للتخفيف من الضغوط، التي تتعرض لها تلك الدول جراء الأزمة الحالية· ويقول بعض الخبراء إن هذه الخلافات قد تدفع بعض الدول إلى تبني سياسات حمائية وسياسات اقتصادية تقوم على مراعاة المصلحة الوطنية في المقام الأول ·ولا أحد يدري كيف ستنتهي تلك المنازعات والخلافات المريرة: هل ستسود القوى التي تدفع الاقتصاد لأسفل وتهيمن على تلك القوى التي تحاول رفعه لأعلى أم أن العكس هو الذي سيحدث؟ الشيء الذي نستطيع التأكيد عليه، هو أنه عندما يأمل الناس في حدوث الأفضل، ويستعدون في الوقت نفسه لتقبل الأسوأ، وعندما يتوقفون عن القلق بشأن الكساد، وعندما يختفي الشبح الذي يصيبهم بالخوف، فإن الأزمة الحالية سوف تنتهي حتماً· روبرت صمويلسون محلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©