الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من بلاد الصين إلى كوريا واليابان والهند

من بلاد الصين إلى كوريا واليابان والهند
18 مارس 2009 01:54
عرفت الحضارات القديمة الكتابة التي دونوا فيها كلّ ما يحتاجونه من معاملات وسجلات للناس، فضلاً عن كون الكتابة هي أداة تدوين معارفهم وإبداعاتهم المختلفة في العلوم والآداب والفنون المختلفة· ونتوقف عند بدايات تلك المعارف الكتابية وتدوين الكتب لنبدأها من بلاد الصين، الذين برزت عندهم في وقت مبكر مشكلة كيفية نسخ الكتب بسرعة، خاصة الكتب الدينية لتلبية حاجات عدد متزايد من القراء· ويشير د· الكسندر ستيبتشفيتش في ''تاريخ الكتاب'' إلى أنّ الصينيين منذ العصر القديم قد توصلوا الى وسيلة لنسخ الكتب بشكل ميكانيكي بواسطة النقوش الحجرية· وفي العصر القديم أيضاً كان الصينيون يستعملون في الغالب أختاماً مصنوعة من الحجر او العظم أو المعدن لينسخوا الكثير من اللوحات المختلفة والنصوص الدينية القصيرة· قد بقيّ سكان الصين يستعملون هاتين الطريقتين خلال العصر الوسيط· ففي عهد أسرة تانغ (618 ـ 906 م) تورد المصادر بشكل متميز ''عمّال النسخ'' الذين كانوا مُخولين بنسخ الكتب من نقوش حجرية، وفي اليابان أيضاً، كانت الكتب تنسخ بهذه الطريقة حتى القرن الرابع عشر الميلادي· القوالب الخشبية كانت الأوساط الدينية في عهد أسرة الصيني تانج، وحتى في وقت لاحق، تفضل نسخ الكتب بهذه الطريقة على نسخ الكتب بواسطة القوالب الخشبية التي تطورت حينئذ لأنّها كانت تعتقد أنّ الحجر فقط يمكن أن يحفظ النصوص الأصلية للكتب المُقدسة وجَمَال الكتابة الصينية القديمة· ولقد عايش إنتاج الكتاب في الصين تطوراً قوياً في عهد الأسرة المذكورة، التي قام حُكامها المتعلمون بجهود كبيرة لتطوير العلوم والفنون ولبعث اشراق الإمبراطورية القديمة، وكان ذلك يُماثل في مغزاه عهد اوغسطين بالنسبة لتطور الثقافة الرومانية· وقد وصلت الصين حينئذ الى قمّة تطورها الثقافي في عهد الإمبراطور مينغ هوانغ (712 ـ 756م) الذي عاش فيه اكبر الشعراء والفنانين الصينيين· مكتبة تاي تسونغ كما يرجع المؤرخون الفضل في هذه النهضة الثقافية بالصين إلى سياسة التسامح التي انتهجها الحُكام الصينيون إزاء كافة التعاليم الدينية والفلسفية، سواء التي كانت تبرز في الصين نفسها أو التي كانت تأتي إليها من أنحاء مختلفة من العالم· ففي بلاط الحكام الصينيين في ذلك الوقت ـ القرن السابع الميلادي ـ كان يمكن للمرء أن يشاهد في الوقت نفسه البوذيين والكنفوشيوسيين المُبشرين الأوائل بالمسيحية· كما نجد في بداية حُكم هذه الأسرة هو قيام الإمبراطور تاي تسونغ (627 ـ 649م)، بتأسيس مكتبة كبيرة في العاصمة الإمبراطورية تشانغ ـ آن، حيث تذكر بعض المصادر إنّها كانت تحتوي على 54 ألف لفافة بينما ترفع بعض المصادر الأخرى هذا الرقم الى 200 ألف لفافة! أقدم نصّ في مغارة! وفي عهد هذه الأسرة، وبشكل مُؤكد ومنذ القرن الثامن الميلادي، بدأ في الصين نسخ الكتب بواسطة القوالب الخشبية، وفي الواقع أنّ المؤرخين يذكرون أنّ بعض اللوحات والنصوص قد نُسخت بهذه الطريقة منذ نهاية القرن السادس الميلادي، إلاّ أنّه لم يتمّ العثور حتى الآن على أية نسخة عن تلك الفترة· أما أقدم نصّ مطبوع بواسطة القوالب الخشبية في الصين وموجود حتى الآن فيعود تاريخه إلى سنة 757م· وكان هذا النصّ قد اكتشف سنة 1944م في مغارة بمنطقة ستشوان، وهو يتضمن أحد النصوص البوذية المقدسة ''رهاراني سوترا''· إلاّ أن أقدم كتاب مطبوع بواسطة القوالب الخشبية في الصين محفوظ حتى الآن يعود إلى سنة 868م، وهو يتضمن النص البوذي ''سوترا الماسية''· مشروع الوزير تاو كانت الصين عقب انهيار أسرة تانغ قد دخلت في فترة الاضطرابات الاجتماعية الكبرى، حين كان الحُكام وكذلك الأسر الحاكمة يتغيرون بسرعة، ولكن في هذه الفترة بالذات، الحافلة بالاضطرابات الاجتماعية، برز الوزيرالنشيط فنك تاو (932 ـ 953م) الذي قرر إصدار طبعة نقدية لمؤلفات بواسطة الكُتّاب الكلاسيكيين التسعة· وهكذا بدأت الصين أهم فترة في تطوير الطباعة بواسطة القوالب الخشبية، وقد ذاع صيت الوزير فنك تاو بسبب هذا المشروع الكبير الى حدّ أنّ التواريخ القديمة ربطت اختراع الطباعة باسمه· أما السبب الذي دفع الوزير فنك تاو لتبني هذا المشروع الثقافيّ والمعرفيّ في تاريخ الصين، فيرجح المؤرخون إلى وجود ملاحظة تعود إلى سنة 932م· إذ كان هذا الوزير، كغيره من الكثيرين الذين سبقوه، قلقاً لأنّ نصوص الكلاسيكيين المنسوخة باليدّ كانت تنتقل في البلاد في روايات مختلفة، دون أن تكون بينها أية رواية صحيحة، وحين شاهد الوزير الكتب المطبوعة بواسطة القوالب الخشبية أمر على الفور أن تُنجز طبقة مُحققة لنصوص الكلاسيكيين التسعة· ولأجل هذا فقد شكل الوزير تسع لجان من أفضل الخبراء الموجودين في الأكاديمية القومية ''كو ـ تزوتشين''، الذين عملوا 21 سنة لإنجاز هذه الطبعة المُحققة· وبالإضافة إلى هذا فقد أمر الوزير بتجنيد أفضل الخطاطين والفنانين لإعداد الألواح الخشبية اللازمة للطباعة، كما عيّن على رأس هذا المشروع ''تين مين''، مدير الأكاديمية القومية الذي تولى سنة 953م إعلام الإمبراطور بإنجاز الطبعة المُحققة لنصوص الكلاسيكيين التسعة التي احتوت على شروح مناسبة وطبعت في 130 صفحة· كان لمشروع الوزير الصيني الثقافي هذا أهمية كبيرة بالنسبة إلى تطور الطباعة الصينية، ولذا يُقارن المؤرخون والخبراء هذا الاختراع المعرفي من ناحية الاختراع باختراع ''جونتنبرغ'' بالنسبة إلى طباعة الكتب في أوروبا، إلاّ أنّ الفرق بين الاثنين كان كبيراً بالنسبة للفارق الزمني بينهما· كتب في الشوارع نتيجة لازدهار الطباعة والتأليف عند الصينيين في ذلك الوقت، فقد تطورت لديهم شبكة منظمة لتوزيع الكتاب في أرجاء البلاد الواسعة· وهكذا كانت كتبهم تباع في المكتبات وفي الشوارع والساحات العامة· ومن هذه الفترة فقد أرّخ المؤرخون الصينيون لأقدم لوحة معروفة في العالم تمثل إحدى المكتبات وقد رُسمت هذه اللوحة في لفافة، الاحتفال الربيعي على ضفاف النهر، حوالى العام 1100م· وهي تمثل مكتبة ''كايفن'' عاصمة الإمبراطورية للصين آنذاك، كما أشار المؤرخون إلى وجود مكتبة عامة عامرة في المدن الصينية الأخرى خلال عهد أسرة سونغ· الطباعة الكورية جاءت في أواخر القرن الرابع الهجري الميلادي الديانة الجديدة ـ البوذية ـ من الصين إلى كوريا التي أثرت بصورة كبيرة في تطور الثقافة الروحية والكتابة والطباعة لدى الكوريين· ويرجع أقدم نصّ طبع في كوريا إلى العصر القديم، وقد أخذت حينئذ بالطريقة التي كان الصينيون قد اخترعوها وطبعوا فيها كتبهم المقدسة، أي الطباعة بواسطة النقوش الحجرية· وقد حفظت لنا كما يقول الكسندر ستيبتشفيتش من فترة القرن الخامس الميلادي نماذج من هذه النقوش الحجرية، التي كان يريد منها حُكام كوريا أن تُخلد بطولاتهم أثناء الحرب أو أن تُسجل أبرز الحوادث المهمة التي تحدث في عصرهم· وتبرز الاكتشافات الكورية في السنوات الأخيرة على نصّ كوري مطبوع فيها بواسطة القوالب الخشبية ممّا أصبح يُشكك في كلّ القناعات السائدة حول أسبقية الصينيين في استعمال الطباعة بالقوالب الخشبية· كما أكتشف الآثاريون في العام 1966م في معبد ''بولفوك ـ سا'' بالقرب من العاصمة الكورية القديمة ''كيونغ يو''، على أقدم نصّ مطبوع بواسطة القوالب الخشبية ممّا يُعرف في العالم حتى اليوم· ويوضح النصّ المُكتشف عن الكتاب البوذي ''فيمالا ميربهاسا سوترا''، أو ''دهاراني سوترا''، الذي تُرجم من اللغة السنسكريتية إلى اللغة الصينية العام 704م، ثم أنتقل إلى من الصين إلى كوريا حيث طُبع حتى العام 751م كحد أقصى، حين تمّ انجاز ''الأسطبة'' ـ برج بوذي على شكل قبّة ـ التي حفظ فيها النصّ المذكور، والذي طُبع على شكل لفافة من الورق لا يتجاوز عرضها 6,5 سم، بينما يصل الطول الأصلي لها إلى 7 أمتار، وتحفظ اليوم في المتحف الوطني في العاصمة الكورية سيؤول· 20 عاماً للطبعة الكورية ثم شهدت الطباعة في كوريا آفاقاً أرحب للتحسن والتقدم خاصة خلال القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي كنتيجة لتطور التعليم في عموم البلاد· وقد حدث العام 989م أنّ الملك الكوري ''هون دونغ''، طلب من الإمبراطور الصيني أن يرسل له نسخة كاملة من مجموعة المؤلفات البوذية ''تريبيتاكا''· وخلال أعوام 1011 ـ 1014م، جرى العمل في أمر الملك لإنجاز القوالب الخشبية اللازمة لإصدار الطبعة الكورية لهذه المجموعة، وأنجز العمل خلال 20 عاماً· بعد ذلك وبمرور الأعوام تطورت الطباعة لدى الكوريين، حتى أنّهم أدخلوا تحسناً وتطويراً مهماً على تقنية الطباعة منذ القرن الثالث عشر الميلادي، بحيث أحتل الكوريون المرتبة الأولى في العالم في هذا الميدان· أما أقدم كتاب طُبع بواسطة الحروف المعدنية المتحركة فكان ''سانغ يونغ ـ يمون''، أي قواعد مفصلة وأصيلة لأصول السلوك، الذي طبع العام 1234م في 28 نسخة بجزيرة غانغ هوا· ثم استمر النشاط الطباعي الكوري لنصل إلى القرن الخامس الميلادي الذي شهد انطلاق مشاريع طباعية ضخمة ومن أبرزها المشروع الطبي الكبير ''هيانغ ياك تشيسونغ بانغ''، الذي صدر العام 1433م، وتضمن 85 جزءاً، والمُؤَلّف الآخر الكبير ''أوبيانغ يوتشوي''، الذي صدر في كوريا العام 1445م ويقع في 365 صفحة أي على عدد أيام السنة الواحدة! طلاب اليابان في الصين استقطبت الحضارة الصينية القديمة العديد من الدارسين فيها نتيجة لتقدم الدراسة والمعرفة فيها· فقد كان الطلاب اليابانيون يسافرون للدراسة في الصين، ويرجعون إلى بلادهم وهم مُحملين بمنجزات الثقافة الصينية· بينما كان عدد من المُبشرين الصينيين يذهبون إلى مدينة ''نار'' عاصمة اليابان ليؤثروا على حياة أبناء الإمبراطورية· وكان الصينيون يحملون معهم الكتب المؤلفة عندهم، خاصة الكتب الدينية، ثم الكتب الطبية والأدبية وغيرها··· كما أنّ الصينيين الزائرين لليابان كانوا يحملون معهم تقنية الطباعة بواسطة القوالب الخشبية، ومن بينهم الراهب ''غمبو'' الذي عاد إلى بلاده بعد أن قضى 18 عاماً في الصين وحمل معه 5000 كتاب بوذي· ونتيجة لهذا التمازج الثقافي والفكري بين الصين واليابان، فقد أخذ اليابانيون يقلدون الصينيين في كلّ مجال، ففكروا في أن يقوموا بأنفسهم في طباعة القوالب الخشبية· وكان المساعد على تنفيذ ذلك المشروع التأثير المعروف للرهبان البوذيين في مختلف مناحي الحياة اليابانية، خاصة في الحياة الثقافية والدينية للعاصمة ''نار''· ويروى أنّ حكام اليابان كانوا متحمسين للديانة البوذية أيام حُكم الإمبراطورة ''سهوتوكو'' التي حكمت اليابان بشكل مُتقطع خلال الأعوام 748 ـ 769م، حيث نجد مشروعاً ضخماً للطباعة وقتذاك، إذ أمرت الإمبراطورة حينئذ بتشييد مليون ''باغوده'' صغيرة ـ معبد بوذي يتميز ببرجه المتعدد الطبقات ـ وأن يُعلّق على كلّ واحدة نصّ مطبوع· وهكذا تسارعت ظروف الطباعة المتقدمة في اليابان والتي ركزت في طباعتها أولاً على الكتب الدينية، حيث انتهت الإمبراطورة من طباعة النصوص العام 770م، ثم وزعت تلك النصوص المطبوعة على المعابد في أرجاء اليابان، ويدللّ هذا المشروع على أنّ اليابان قد أتمت طباعة أول نصوص على الورق بواسطة القوالب النحاسية عوضاً عن القوالب الخشبية· طباعة سوترا··· ولعلّ من المفيد أن نشير إلى أنّ أبرز مشاريع الطباعة في المعابد اليابانية التي قد تمت هي طباعة كتاب ''سوترا العظيمة الحكيمة'' خلال القرن الثالث عشر الميلادي، ويقع في 600 صفحة· وتشير الوقائع التاريخية أنّ أغلب هذه الكتب الأولى قد اختفت خلال الحروب الأهلية في القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي، ولكن في أواخر القرن التالي اكتسبت الطباعة اليابانية دفعة ونشاطاً جديداً من التطور والتقدم جاءتها من كوريا وأوروبا· وكان لتأثير الدول المجاورة أثره البيِّن على ثقافات الشعوب المجاورة، فقد تأثر الأويغور الأتراك الذين استقروا خلال القرنين الثامن والتاسع الميلادي في منطقة الواحة الكبرى تورفان، التي تقع اليوم في جمهورية تركستان· وكان هذا الشعب قد طوّر فيها ثقافة هامة إلى أن تمكن المنغوليون من تدمير دولتهم في القرن الثالث عشر الميلادي· ولكن تمكنت بعثة ألمانية قد نقبّت في المنطقة خلال أعوام 1902 ـ 1907م، من اكتشاف عدد كبير من الكتب المطبوعة بواسطة القوالب الخشبية، التي حفظت إلى الآن بفضل المناخ الجاف لواحة تورفان· وأنّ الكتب التي كانت تطبع في تورفان كانت تتمّ بست لغات وهي: ''الأويغورية، الصينية، السنسكريتية، التوتغورية، التيبتية، والمنغولية''، بينما كانت تستخدم الوثائق والأوراق المختلفة سبع عشرة لغة، بعدها تحولت هذه الواحة ـ تورفان ـ إلى جسر لنقل تقنية الطباعة من الصين إلى الشعوب الأخرى· الكتاب في الهند عاشت بلاد الهند الواسعة عصرها الذهبي إبّان العصر الوسيط في تطور العلم والرياضيات والهندسة والأدب، وشهد إنتاج الكتاب فيها تطوراً كبيراً نتيجة لتلبية احياجات المدارس الكثيرة، حيث كان الطلاب يتعلمون التاريخ والمعارف والطبّ، وكانت الكتب تُنسخ تلبية لحاجات الجامعات العديدة بالهند، خاصة جامعة نالاندا ولمكتبتها الفنية التي كان يستفيد منها الطلاب والأساتذة على حدّ سواء· وخلال القرن الثامن الميلادي وعند قدوم العرب، وانتشار الإسلام في شبه القارة الهندية، خاصة في القرن الحادي عشر الميلادي، فقد كان لهما الأثر الكبير على مصير الكتب التي تجمعت حتى ذلك الحين· وقد كانت النصوص الهندية القديمة مُعرضة للضياع والفقدان إذ أنّ المشافهة خلال العصر الوسيط لا تزال وسيلة متطورة لتناقل النصوص الأدبية والعلمية· وكان الرهبان الهنود ينسخون الكتب الدينية في معابدهم· ومع تدفق المسلمين إلى بلادهم تطور في الهند إنتاج جديد للكتاب يرتبط بديانة وثقافة المسلمين بشكل متوازٍ مع استمرار النشاط التقليدي لنسخ الكتب في عموم الهند· واستعمل الهنود خلال العصر الوسيط سعف النخيل كمادة للكتابة وتحدث الرحالة الصيني ''زوان زانغ'' عن الاستعمال الواسع لسعف النخيل في الهند، إذ أشار إلى أنّ حول المعبد البوذي في ''كونكانابور'' جنوب الهند كانت توجد هناك غابة من النخيل تؤمن المادة الأولية لإنتاج الكتاب في داخل المعبد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©