الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هاربة من الطلاق

هاربة من الطلاق
3 نوفمبر 2011 19:49
(القاهرة) - كان يوماً أسود في تاريخ العائلة عندما انتهت حياة عمتي الزوجية بالطلاق، وعادت إلينا في بيت الأسرة الكبير الذي كنا نقيم فيه مع جدي وجدتي وأعمامي، كاد الجميع يعلنون الحداد الدائم، فقد سبق ذلك عدة أشهر من المفاوضات وتدخل الكثيرون من أهل الحل والعقد للإصلاح بينها وبين زوجها، لكن لم تكن النهاية سعيدة، وتركت خلفها أبناءها وبناتها ومنهم من لم يبلغ العامين من عمره لأن جدي رفض أن تأخذ أياً منهم عقاباً له ليذوق وبال أمره ويتحمل المسؤولية في تربية الأطفال. البعض ألقى باللوم على عمتي لأنها لم تتحمل ظروف زوجها وساهمت في دفعه إلى تلك الخطوة، ولم تبق أمامه فرصة للاستمرار لأنها كانت جامدة في أسلوب تعاملها معه وأنها كثيراً ما كانت تعود إلى بيت أبيها غاضبة ولم تتعلم الدرس في أي مرة من المرات، كما رفضت نصائح أخواتها وجدتي بأن على الزوجة أن تشعر زوجها برجولته في بيته وألا تتطاول في النقاش معه ولا ترفع صوتها عليه، وأنها كانت تتعالى عليه براتبها رغم أنه يتولى الإنفاق عليها وعلى الأسرة ولا يبخل بما بين يديه، وفي النهاية تحملت عبء هذا الحدث الأكبر والأول من نوعه عندنا، وظل الجميع يعاملونها بقسوة وأصبحت غير مرغوب فيها، تعيش في شبه عزلة، وتجاهلوا شكاواها منه ومن حياتها معه، واستشعروا أنها ليست وحدها المسؤولة عما حدث. وأصبحت عمتي تحت عيون المراقبة والنقد من الصغير والكبير ومن جميع أفراد العائلة، كل واحد منح نفسه الحق في محاسبتها على أي تصرف عادي قد تكون فعلته كثيراً من قبل أو يفعله غيرها الآن، إلا أنه بحكم العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة فإن المطلقة تتحول إلى مادة خصبة للنميمة والقيل والقال، خاصة أن هناك من ينسج الأكاذيب حول أسباب الطلاق ودائماً ما تتحمل المرأة وحدها نتائجه، كل ذلك وعمتي مغلوبة على أمرها لا تستطيع أن ترفض الرقابة المفروضة عليها أو الحصار الحديدي بلا داع، رغم أنها لم تقدم على أي تصرف خاطئ أو خارج عن حدود الأدب، وألمح في عينيها أحزاناً دفينة مضاعفة. مرت سنوات قليلة وتم طلاق ابنة خالتي التي كانت تكبرني بعدة سنوات، ورغم أنها ليست من عائلتنا، ولكن بحكم القرابة وعلاقتها بنا كنا نعيش كل أحداثها بمرارتها، ثم تكرر الموقف نفسه مع ابنة عمي، وبالطبع تعرضت كل واحدة منهما لمثل ما تعرضت له عمتي وما تلقاه كل مطلقة في محيطنا، وقد كنت استمع في كل هذه الأحداث إلى كافة الآراء ووجهات النظر التي كان جلها لا يصب في مصلحة المطلقات، بل يصب جام الغضب عليهن حتى ولو كن مغلوبات على أمرهن، فلا يستثني من ذلك الظالم ولا المظلوم. بالطبع لم تكن الثلاث وحدهن اللاتي تم طلاقهن، ولكن هناك كثيرات غيرهن لكن لا يهمني ذلك لأنهن لسن من قريباتي وإنما في كل حالة كنت استمع لتفاصيل قصة طلاقها وما بعدها، حتى جعلني ذلك أرفض التفكير في الزواج ليس لأنني لست راغبة فيه وإنما خوفاً من الطلاق والوقوع في هذه التجارب المؤلمة، وكنت بين نارين هما أمنيتي في بيت وزوج وأسرة والمخاوف التي تطاردني من النتائج المؤلمة والنهايات الحزينة، غير أن استشعار الخطر القادم جعلني أفضل ألا يتقدم أحد لي وأتمنى ذلك، مع أن المئات وربما الآلاف من حولنا متزوجات ومستقرات في بيوتهن، لكنني نظرت فقط إلى تلك النماذج التي أصابتني بالإحباط. انتهيت من دراستي الجامعية وبعد عام واحد التحقت بوظيفة حكومية وانشغلت بها، إلا أن كل زميلاتي متزوجات وأخواتي الثلاث تزوجن من قبل وزميلاتي في المرحلتين الثانوية والجامعية وتزوجن ووجدت نفسي الوحيدة بلا زواج، ولا أخفي أنني أفكر في هذا الأمر بقلق وتطاردني أشباح الطلاق وغول العنوسة، حتى جاء أحد الشباب ليطلب يدي فإذا بعمي يخبره قبل وصوله إلينا بأنني مخطوبة، وكان ذلك على غير الحقيقة، ولم نعلم بذلك إلا بعد حين، ثم أصدرت جدتي أحد فرماناتها بأن تتم خطبتي لابن عمي الذي لا يجد لديَّ أي قبول علاوة على الفارق التعليمي بيننا فأنا حاصلة على مؤهل عالٍ وهو على مؤهل متوسط، ولا أدري كيف استطعت أن أتجرأ وأقول لا وأرفضه رفضاً قاطعاً مهما كانت النتائج، على غير السائد حينها، فليس من حق الفتاة أن تعترض على الزواج من ابن عمها وهو أحق الناس بها، وقد كانت جرأتي لأنني أرى أن تلك الزيجة هي حكم بالإعدام، فكان الأهون أن أتحمل نتائج قراري، أما المفاجأة الكبري التي لم أتوقعها على الإطلاق ولم تكن في حسباني أبداً، فهي أن أبي أيد وجهة نظري ووقف بجانبي وترك لي الحرية الكاملة في اتخاذ القرار مؤكداً أن هذه حياتي ومن حقي أن اختار من يشاركنيها، وفي نفس الوقت استطاع بحكمته أن يقنع جدتي بأن ذلك ليس عصياناً لأوامرها. ترك ذلك شيئاً في نفوس عمي وأفراد أسرته وخلف وراءه بعض الآثار السلبية في العلاقات العائلية، وكان سبباً في ألا يتقدم أحد من المحيطين بنا لخطبتي خشية الرفض، أما أنا فمازلت في حيرتي بين الخوف من الطلاق بعد الزواج واللحاق بالقطار قبل أن يفوت، وإن كنت الآن أكثر ميلاً من ذي قبل إلى الزواج، خاصة أن أختي الصغرى تمت خطبتها منذ عدة أسابيع، وذلك ليس غيرة منها وإنما هي الطبيعة البشرية، وفي نفس الوقت لا أعيش مشكلة أو أزمة وإنما تسير حياتي كالمعتاد من عملي إلى البيت والعكس والمشاركة في المناسبات الاجتماعية للمقربين، ولكن لا يخلو الأمر أحياناً من الهمسات من بعض النسوة وخاصة العجائز وهن يتساءلن عن مصيري ويظهرن إشفاقهن عليّ ولا أدري إن كانت تلك حقيقة مشاعرهن أم هو التشفي في لأني رفضت ابن عمي وضيعت فرصة من بين يدي. خمس سنوات مضت منذ تخرجي وقد قاربت على الثامنة والعشرين من عمري عندما تقدم لي عريس مجهول، لا أعرف عنه شيئاً، فقد رآني أبوه أثناء عودتي من عملي ورشحني له ورشحه لي لأن العريس مسافر بالخارج، والغريب أنني وافقت بلا تردد من دون أن أعرف عنه أي معلومات، إلا ما أخبروني به عنه، وفي أول إجازة له تمت الخطبة وسعدت بها خاصة أنني استرحت له وكان بيننا قبول، وعاد إلى عمله لمدة عام لحين الانتهاء من إعداد شقة الزوجية في بيت أبيه، ومرت الشهور وتم الزواج وأنا أشعر بسعادة وفرحة كبيرتين، وانتقلت إلى بيت زوجي أو بالأحرى بيت والد زوجي، كنت أيضاً سعيدة بين أفراد أسرته وإخوته وأخواته، وسافر زوجي إلى الخارج، حيث يعمل وانشغلت بعملي وأنا أنتظر عودته بعد عدة أشهر ليصطحبني معه. وعاد زوجي فعلاً حاملاً الأوراق التي سنطير بها، ولكن كانت هناك مفاجأة في انتظارنا لم تكن في الحسبان، فقد أصيب حماي بمرض قلبي ونقل إلى المستشفى لعدة أسابيع، وبعد تماثله للشفاء وعودته إلى البيت ومع اقتراب موعد سفرنا حدثت له انتكاسة أعيد على إثرها إلى المستشفى، إلى أن فات علينا موعد السفر وانتهت مدة التأشيرات، فلم يستطع زوجي أن يسافر أو نسافر ونترك أباه وهو في هذه الحال بين الحياة والموت، وضاعت علينا الفرصة كلها، وظل زوجي معنا، ولكنه تحول إلى فئة العاطلين، ويحز في نفسه أن أعمل وهو بلا عمل. أما الصدمة التي لا يتوقعها عقل عاقل فهي أن حماي لم تكن حالته بهذا السوء وإنما بالغ فيها من أجل عرقلة سفرنا، بل وافتعل مسألة الانتكاسة لكي يفوت علينا الفرصة، لم نجد لهذه التصرفات أي مبرر، غير أنه اعتقد أننا قد نستقل بحياتنا، ولم يكن ذلك في نيتنا، وأصبح زوجي في حالة نفسية سيئة بسبب تعطله عن العمل ونحن ننتظر حادثاً سعيداً عندما كنت حاملاً في الشهر الرابع، لا ندري كيف سنواجه حياتنا وأبوه يعاملنا مثل الأطفال ويتحكم فينا كما يحلو له، ويحركنا مثل قطع الشطرنج، ويضحي بنا في أي موقف. زوجي تائه مثل الريشة المعلقة في الهواء، لا قدرة له على اتخاذ أي قرار خاصة بعد فشله في الحصول على فرصة عمل، فساءت حالته النفسية، لانه يشعر بالنقص في شخصيته ورجولته لأنني أعمل وهو لا يجد ما يفعله غير البقاء مع الطفلة التي أنجبتها، رغم أنني أضع بين يديه كل راتبي وأترك له حرية التصرف في كل شؤون البيت الذي نعيش فيه مثل الغرباء فهو مثلي تماماً لا يشعر بالارتياح. المضايقات من حماي وحماتي تضاعفت وأصبحا يلقيان اللوم عليه بأنه عاطل وأنه لا ينفق على أسرته الصغيرة رغم أن والده هو الذي تسبب في هذا الوضع، فأصبح زوجي عصبيا يثور لأتفه الأسباب حتى في الأحوال التي لا علاقة لي بها، ويتوجه إليّ بالسب والشتم، بجانب ما ألقاه من أبيه وأمه، وقد يحملاني المسؤولية عما آلت إليه الأحوال، وضقت بتصرفات الجميع الذين استمرأوا ممارسة الضغوط عليَّ لأنني أتحمل ولا أشكو، والسبب أنني خائفة وهاربة من الطلاق حتى لا أتعرض لما تعرضت له عمتي ومثيلاتها، ولا أريد أن تصل الأمور إلى هذا الحد وأنا أنتظر قدوم طفلي الثاني ولا أدري إلى أي مدى يمكنني التحمل والاستمرار في الهروب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©