الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحج شعيرة لها خصوصية تهفو إليها النفس كل عام

الحج شعيرة لها خصوصية تهفو إليها النفس كل عام
3 نوفمبر 2011 19:58
تهفو النفوس والأفئدة في كل عام إلى الوفود والزيارة لحضرة علام الغيوب في شعيرة لها خصوصية في الزمان والمكان، ألا وهى شعيرة الحج، أما خصوصية الزمان فقد قال عنها الحق سبحانه (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)، وأما خصوصية المكان فقد عبر الحق سبحانه وتعالى بقوله (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إليه سبيلاً). يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه «أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض عليكم الحج فحجوا»، إنه نداء يخاطب به من أسلم ظاهره لله، ومن وقر الإيمان في قالبه وفى قلبه ، إنه نداء الخليل عليه السلام الذي أمره خالقه ومولاه بعدما فرغ من رفع القواعد من البيت أن يصدع في سمع البشرية وروعها قائلاً: «أيها الناس إن الله قد بنى لكم بيتاً فحجوه، فلبت الأرواح في عالمها، والنطف في أصلاب الرجال قائلة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك». التلبية وبهذا تعد التلبية في جوهرها إعلان لطلاقة الاستسلام والخضوع لله، والمسارعة في طاعته ومرضاته، يأتيها الإنسان في حجه آناء الليل وأطراف النهار لتنعكس في جوهرها وحقيقتها على عمله وسلوكه بعد عودته إلى بلده ودياره، فلا يجد خيراً يسارع فيه إلا ويستشعر بذلك أنه يلبى نداء الله، ويرى في ذلك علامة من علامات القبول لتلك الرحلة الربانية التي انتقل بإخلاصه فيها من المادية الإنسانية إلى طهر الحياة الملائكية. والعجيب أن البعض يظن أن العصاة هم أحوج ما يكون للقبول من الله، بيد أن خليل الرحمن يعلمنا أن ذروة الخشوع والخضوع والطاعة لله توجب الانكسار والخضوع بين يدي الله يرجو العبد منه سبحانه الرحمة والقبول، من أجل ذلك قال الخليل وهو في حال تلبسه بعبادة ربه وخالقه عند رفعه للبيت وقواعده (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). والإنسان عندما يحرص على القبول فإنه يرى في الحج آيات كبرى قل أن توجد في نسك سواه، فيرى فيه أنه من أفضل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى خالقه ومولاه، فقد روى الإمام البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين سئل «أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟. قال: جهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا. قال: حج مبرور «. كذلك يرى المؤمن في حجه أنه جهاد الضعفاء والأقوياء. أما الأقوياء فإنهم يجاهدون أنفسهم في الرفث والفسوق والجدال. وأما الضعفاء فإنهم يجاهدون في ذلك وفي الإتيان في المشاعر والنسك. فقد روى الإمام الطبراني أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الجهاد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أدلك على جهاد لا شوك فيه؟ الحج». ويروي الإمام أحمد وابن ماجة عن أم سلمة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الحج جهاد كل ضعيف» . أفضل الجهاد ويأتي المعلم الأعظم ليجعل الضعفاء يطيبون نفساً بجهادهم في حجهم فيجعله في حقهم أفضل الجهاد. وقد روى الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ فقال صلى الله عليه وسلم «لكن أفضل الجهاد حج مبرور». والحج المبرور اختلف العلماء في معناه وتفسيره، فقيل: هو الذي لا معصية فيه، وقيل هو الذي يرجع صاحبه منه خيراً مما كان، وقيل هو الذي لا فسق فيه ولا رفث ولا جدال ولا فجور. وأياً ما كان المعنى المتعلق بالحج المبرور فإن بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بفضله وثوابه تجعل المؤمن يتخلق بأعماله وأحكامه في قوله وسلوكه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». ويقول صلى الله عليه وسلم «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من حجه كيوم ولدته أمه». هذا على سبيل الإجمال. الجائزة الكبرى أما على سبيل التفصيل، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في شريف حديثه فضل كل عمل يأتيه الإنسان في حجه خالصاً لوجه خالقه ومولاه، فقال فيما أجاب به أحد أصحابه حين سئل عن ثواب حجه وأعماله فيه «أما خروجك من بيتك تؤم البيت الحرام، فإن لك بكل وطأة تطؤها راحلتك يكتب الله لك بها حسنة، ويمحو عنك بها سيئة، وأما وقوفك بعرفة فإن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا فيباهى بهم الملائكة فيقول: هؤلاء عبادي جاءوني شعثاً غبراً من كل فج عميق يرجون رحمتي ويخافون عذابي، فكيف لو رأوني؟ فلو كان عليك مثل رمل عالج (اسم جبل) أو مثل أيام الدنيا، أو مثل مطر السماء ذنوباً غسلها الله عنك، وأما رميك الجمار فإنه مدخور لك ، وأما حلقك رأسك فإن لك بكل شعرة تسقط حسنة. فإذا طفت بالبيت خرجت من ذنوبك كيوم ولدتك أمك»، وتبقى الجائزة الكبرى والمزية العظمى في تلألأت ونورانية الحروف والكلمات إذا ما رفع الحاج يده إلى خالقه بالتوبة والدعاء أن يقول له سبحانه: لبيك وسعديك والخير كله بين يديك. يقول النبي صلى الله عليه وسلم «الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم، وإن استغفروه غفر لهم» ولا حرج على فضل الله، فإن هذا الجمع وفد دعي إلى الله من قبل الله بموجب النداء الأذلي لخليل الله، بذلوا للضيافة حقها، فعلت أصواتهم لمولاهم لبيك في الثقلين أنى أشرقت شمس على صبح وليد، لبيك خلف خطى الخليل مع ابنه إذا أسلما طوع المريد، لبيك إن الحمد يسرى بالهداية في ضراعات الوفود، لبيك في الملأ المضيء وفى العلا ومن البراعم والحصيد، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. وهنا تكون حتمية الإجابة بموجب فضل الله ورحمته يا عبادي حق على المزور أن يكرم زائره. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©