الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحتاوي..مسرحضد الجهل..

الحتاوي..مسرحضد الجهل..
28 أكتوبر 2015 23:05
رضاب نهار لم يكتب سالم الحتاوي (1961 - 2009) عن الإمارات وحدها، فقد كان يكتب عن كل الناس أمس واليوم وغداً. قرأ أحوالهم وترجمها إلى حوارات احتضنتها خشبة المسرح. وهو وإذ يعتبر واحداً من أهم المسرحيين الإماراتيين، فإنه الأكثر إنتاجاً أيضاً. ولطالما وجدت مسرحياته صدى إعلامياً ونقدياً واسعاً حتى خارج الوسط المحلي. كذلك جاءت الجوائز العديدة التي حصّلها من داخل وخارج الدولة، لتؤكّد غناه المسرحي والإبداعي. اختصر الحتاوي القضايا والإشكاليات الإنسانية الكبرى، وحوّلها إلى مشكلات قد تحدث في قرية صغيرة نائية ربما غير معروف موقعها. مسقطاً أطراف الصراع على شخصيات بسيطة جعلها تترجم بعفوية مطلقة ما يمكن أن يقوله أصحاب الفكر والفلسفة. حيث قدّم لنا نسخة سلسة من الجدالات العقيمة عبر العصور، أوردها علي لسان أهل البيئة المحلية الغارقين في حدود المكان حتى الأقصى. ومنه قارب وتطرّق إلى الجهل، الكره، القتل، الشرف، الصدق، الحب، الانعتاق والحرية والهوية. وواجه معتقدات أخذت أصحابها إلى هوة الانغلاق والتعصّب. ومثلما طوّع الحدث، تمكّن الحتاوي من تطويع اللغة واستخدام مفردات ذات جمالية تصويرية عالية تعبّر عن محتوى زاخر بصراعات من وحي الواقع ومن وحي الخيال. إذ راح يستحضر الكلمات الفصيحة ويضعها في قوالب تعكس هموم الإنسان المعاصر وتعيد صياغتها مجدداً، معتمدةً على ما تلقاه عند القارئ والمتفرج من ردود أفعال. تنقسم التجربة المسرحية عند الحتاوي إلى أكثر من مرحلة. فمن طقوس السحر إلى التجريب إي المسرحيات الجماهيرية بالإضافة إلى كونه كتب مسرحيات للأطفال. قاصداً في كل مرة قضيّة بحد ذاتها تجسّدها الشرائح الاجتماعية في المجتمعات الخليجية والعربية. لكنه في كل مرة، كان يذهب إلى حبكات تبرز قدرته على رصد الحدث ووضعه في إطار زماني ومكاني يناسب توجّه الشخوص وما يعيشونه. من مسرحياته: «مواويل»، «ليلة زفاف»، «جنة ياقوت»، «حكاية رأس وجسد»، «أحلام مسعود»، «أرض الخير»، «مراديه» و«الياثوم». «صمت القبور» سالم الحتاوي الرجل: من يقتل لا يصعب عليه الكذب.. فالطرق الملتوية هي السبيل الوحيد للوصول لمبتغاه. لقد أوهمني بأنه سيقوم بتربية ابني.. فتركته بحوزته رغم شكوكي في نياته. وعند عودتي (يرتمي على قبر صغير ويضرب عليه ويبكي) أخبرني بأن حيوانا افترسه وهو يلعب خارجاً بالقرب من هنا.. (يبكي ويمسح على القبر بيده.. ينظر الشاب إلى القبر الآخر ويدور حوله وهو يتبادل النظرات مع العجوز) لقد كان يحفره لدفن ابنك بعد أن يقضي عليه (يحمل الشاب المعطف الذي كان يحيكه العجوز) وهذا كان يحيكه كفناً له. الشاب: والرحى؟ الرجل: كان يطحن القمح للاحتفال بموته. الشاب: مشعوذ حقير. العجوز: أجل مشعوذ. وأنتم أرواح يجب أن تموت لكي أعيش. الشاب: بل ستموت بغيظك. ولن تدرك غايتك.. كنت أظن أن الإنسانية غيوم تظلل هذا الوجود والحب بين الناس حبات عقد تربط بعضها البعض لهذا آمنت بك وصدقتك. الرجل: هكذا نحن دائماً.. نسمع ونتبع قرارات غيرنا.. العجوز: لأنكم قوم مسيرون لا مخيرون.. اندثر ماضيكم وولي عهد قيادتكم. الشاب: لأي كره تكنه في قلبك أيها الساحر.. لم كل ذلك.. أي ذنب اقترفه في حقك.. لما تسفك دماءهم إرضاء لتربة هذه القبور. العجوز: لكي أنصفهم.. كي لا أجعلهم يشربون من دمائكم كما شربتم من دمائهم.. يجب أن ترتوي عروقهم وتشم أنفاسهم رائحة دمكم. الشاب: لماذا؟ ما الذي فعلناه بك لم تحترق بحمم حقدك؟ العجوز: (غاضباً) إني أتقطع غيظاً ببقائكم. الشاب: (صارخاً) لماذا من أنت أيها العجوز؟ الرجل: إنه العراف الذي تبحثون عنه ومن يرقد بهذه القبور هم قومه. الشاب (باستغراب) العراف؟ قومه. العجوز: أجل العراف الذي لن يطفئ نار قلبه إلا فناؤكم.. أنا من لعنكم وشاء أن يحلّ الخراب دياركم.. أنا من يهوى شرب دمائكم.. يجب أن تموتوا كي أعيش.. يجب أن تفنوا كي أبقى. الشاب: ستشرق شمس الحرية وينكشف ظلامك وتعرى حقيقتك (يلتفت الرجل) لن نسمح للجهل أن يرافقنا من جديد (يلتفت للقبور) لقد أيقنت أنها قبور جوفاء (يهمّ بالانصراف). الرجل: إلى أين؟ الشاب: إلى بلدتي.. حيث أموت لأرقد بسلام.. إلى الواقع.. العجوز: بل إلى الموت والهلاك.. على وحشة الظلام الخانق.. الشاب: (يرفع الطفل) إنه الفجر الجديد الذي سيبدد غيومك السوداء.. العجوز: واهمان.. أنتما واهمان.. ستعودون شئتم أم أبيتم. الشاب: بل أنت الواهم، فقد أيقنت جيداً بأن العالم ليس إلا مقبرة (ينصرف). العجوز: (صارخاً) ستعودون لتطلبوا عفو ورضا القبور.. لن ينفعكم سوى هذا التاريخ العريق.. لن يسعفكم سوى ذلك الرجل الذي قتله أهل بلدتك.. وأتباعه الذين يرقدون بهذه القبور.. الرجل: (مقاطعاً) قبور.. قبور.. قبور.. (ينبش القبور متنقلاً بينها) أية حقيقة تتوارى في عتمتها وأي تاريخ يغطى بترابها.. وأي شجعان بواسل تتوسّد صمتها.. لا حاجة لنا في عودة تاريخ يغطي السواد بعض أجزائه (يقف على خشبة المسرح مرتدياً ما أخرجه من القبور في اتجاه الجمهور) نحن من سيصنع القرار ومن سيبني جيلاً وفجراً جديداً.. العجوز: (يحمل جردل الماء وهو يضحك مواصلاً الرش على القبور) إظلام
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©