الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التعاونيات الشبابية» تضع حدا للمواقف العشوائية في الجزائر

«التعاونيات الشبابية» تضع حدا للمواقف العشوائية في الجزائر
23 أكتوبر 2012
شرعت الجزائر مؤخراً بمعالجة ظاهرة استفحلت في العقدين الأخيرين وكانت أحد أوجه الفوضى وغياب سلطة القانون، وهي ظاهرة تفشي المواقف الفوضوية للسيارات، حيث استولى آلاف شبان على الشوارع والطرقات والأزقة بالمدن وحوَّلوها إلى مواقف للسيارات ليجبروا السائقين على دفع «مبالغ نقدية» مقابل ركن سياراتهم فيها. وتأتي هذه الخطوة بعد أن تمكنت السلطات من معالجة مشكلة تنامي الأسواق الفوضوية دون حدوث اضطرابات اجتماعية كما كان متوقعا؛ حيث أزالتها وأوجدت «التعاونيات الشبابية» لتنظيم القطاع، وترجو السلطات أن تتمكن من معالجة مشكلة المواقف الفوضوية للسيارات بكيفيةٍ مشابهة. حسين محمد (الجزائر) - بدأت ظاهرة المواقف الفوضوية للسيارات تظهر في الثمانينيات مع تنامي عدد السكان، وبداية بروز البطالة في أوساط الشباب خاصة، حيث بدأ بعضُهم «يحتلّ» طرقات وأزقة ضيقة ومساحات شاغرة مختلفة قرب الإدارات والهيئات العمومية والأسواق، ويحوِّلها إلى «مواقف» للسيارات، ويفرض على سائقيها دفع مبالغ مالية مقابل «حقوق» الرَّكن. إلا أن الظاهرة لم تكن شائعة لأسباب عديدة أهمها أن المواقف النظامية كانت تتسع للسيارات التي لم يكن عددُها كبيراً. تنامي الظاهرة في التسعينيات، بدأت ظاهرة «المواقف العشوائية» للسيارات تتنامى مع ارتفاع معدلات البطالة ودخول الجزائر في أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة آنذاك، ثم استفحلت بشكل لافت للانتباه في السنوات القليلة الماضية بعد أن تضاعف عدد السيارات في الجزائر وتجاوز 5.5 مليون مرْكبة، منها قرابة مليوني مركبة في الجزائر العاصمة وحدها، وأصبحت المواقف العمومية عاجزة عن استيعابها، فاغتنم آلاف الشبان العاطلين عن العمل الفرصة، وقاموا بـ«احتلال» أغلب الشوارع والأزقة وكل مساحة فارغة متاحة قرب إدارة مهمة أو هيئة عمومية، وتحويلها إلى «مواقف سيارات» غير قانونية، وأصبحوا يفرضون على كل صاحب سيارة يريد ركْنها في «مواقفهم» دفع مبالغ مالية تتراوح بين 30 و50 ديناراً. وتتضاعف أحياناً إلى مائة دينار (الدولار يساوي 78 ديناراً جزائرياً)، وأصبح أصحابُ السيارات يجدون أنفسهم مجبرين كل يوم على دفع مبالغ مالية معينة مقابل رَكْن سياراتهم في هذه «المواقف» عوض أن يركنوها مجاناً باعتبارها شوارع عمومية في الأصل. وأدى الوضع إلى بروز الكثير من الخلافات والمشاحنات بين الشبان الذين يحتلون هذه «المواقف» والسائقين، حيث يصرّ الشبان على أن يدفع السائقون مبالغ معينة مقابل ركن السائقين لسياراتهم وحراستها، بينما يرى أصحاب السيارات أنهم يخضعون لـ»ابتزاز سافر» في ظل سكوت السلطات وتغاضيها عن هذه الظاهرة غير القانونية، ويقوم أغلبُهم بدفع ما يُطلب منهم من «إتاوات» خوفاً على أنفسهم وسياراتهم، لاسيما وأن أغلب الشبان يحملون عصيّا وهراوات، وهي رسالة واضحة لكل من يرفض الدفع، ويؤكد حميد حسناوي، وهو عامل بمطبعة خاصة أن «الكثير ممن رفض الدفع وجد زجاج سيارته مكسوراً أو مذياعَها مسروقاً بعد عودته، بل إن شابا في بودواو (35 كيلومترا شرق الجزائر) أقدم منذ نحو ثلاث سنوات على قتل صاحب سيارة رفض أن يخضع لابتزازه، وتبيّن بعدها أن الشاب خارجٌ من السجن. خارجون على القانون تؤكد مصادر عديدة أن أغلب «محتلي» هذه «المواقف» الفوضوية، هم شبانٌ ذوو سوابق قضائياً وخارجون من السجون، ما جعل هذه «المواقف» محلّ نزاعات لا تنتهي بينهم وبين أصحاب السيارات، وقد تدخل الأمن مراراً وأوقف المئات منهم، لاسيما بعد أن اتضح له أن بعض «المواقف» قد تحوّلت إلى بؤر لترويج المخدرات. وإزاء تفاقم هذه الظاهرة وخروجها عن نطاق السيطرة، وعدم استفادة الدولة منها في شيء، خاصة ما تعلق بالضرائب، فكرت السلطات مراراً في معالجتها بشكل يحفظ حقوق الدولة ويضفي على هذه «المواقف» طابعاً نظامياً، فأصدرت منذ عام 1996 عدة مراسم لتنظيمها، ما مكّن البلديات من منح رخص لبعض الشبان لممارسة عملهم بشكل قانوني، إلا أن المعالجة كانت جزئية ولم تقض على فوضوية الظاهرة، ما دفع السلطات إلى التفكير في حلول شاملة، شبيهة بحل إزالة الأسواق الفوضوية وتوفير بدائل لها، فأصدرت تعليمة لكل بلديات الجزائر الـ1541 بضرورة جرد كل المواقف العشوائية وأسماء العاملين بها ومطالبتهم بتقديم ملفات إدارية بغرض إنشاء «تعاونيات شبانية» تمهيداً لتسيير هذه المواقف في إطار قانوني وفقاً لمرسوم جديد سيصدر لاحقاً فور إكماله. ومع بداية تطبيق هذه التعليمة منذ أسابيع قليلة، اصطدم رؤساء البلديات بمشكلة اشتراط صحيفة السوابق العدلية في تكوين الملف، حيث أثار هذا الشرطُ حفيظة الآلاف من المسبوقين قضائياً ورأوا فيه نيّة مبيّتة لإقصائهم، وإحلال شبان آخرين بدلهم في هذه المساحات التي أصبحوا ينظرون إليها على أنها «ملكٌ» لهم بالتقادم، ولذلك أحجموا عن تقديم ملفاتهم، ما دفع العديد من رؤساء البلديات إلى مراسلة وزارة الداخلية ملتمسين منها «إلغاء هذا الشرط، حتى تنجح فكرة التعاونيات الشبانية»، بحسب مختار بوروينة، رئيس بلدية «سيدي أمحمد» بقلب الجزائر العاصمة. نزاعات واستحسان يتوقع مراقبون وقوع نزاعات كبيرة بين المسبوقين قضائياً الذين يسيِّرون هذه المواقف العشوائية وبين السلطات في الأيام القليلة المقبلة، لاسيما وأن هؤلاء المسبوقين يهددون بالرجوع إلى عالم الجريمة والسرقة إذا اُنتزعت منهم هذه «المواقف». في المقابل، أثارت فكرة «التعاونيات الشبابية» استحسان العديد من الشبان العاملين بالمواقف الخاصة، ومنهم يوسف تولماتين، الذي يعمل رفقة 3 شبان آخرين بموقف قريب من الساحة المركزية بمدينة «الرويبة» بعد أن حصلوا على رخص عديدة من البلدية منذ عام 1997 إلى الآن، ويؤكد يوسف أن أصحاب المواقف لا يقفون ضد فكرة إضفاء الشرعية عليها والإسهام في دفع الضرائب، ومتى طالبتهم السلطات بإنشاء تعاونية جديدة فهم مستعدون لها، بينما يؤكد قويدري نذير، صاحب موقف قرب مستشفى المدينة، أن هذا الحل سيمكّن من إنهاء الاحتقانات والخلافات «المُزمنة» بين السائقين وأصحاب المواقف. ويضيف «الكثير من أصحاب السيارات يشتكون منا ويتهموننا بالابتزاز، وهذه المشاحنات اليومية تتعبنا، لدينا رخصة من البلدية ونحن نعمل في إطار قانوني وإذا أرادت السلطات أن ننتظم مجددا في تعاونية أخرى فنحن مستعدون». أما زميله عمر بوطيش، شاب مصاب بالسكري وأبٌ لطفل، فيؤكد أن الصورة التي ترسخت عنهم كشبان مبتزين، هي صورة نمطية مبالغ فيها. ويؤكد «الكثيرُ من السائقين لا يدفعون، ونحن نلتزم المرونة في الأمر، لو لم تضطرني الحاجة لما عملتُ في هذا الموقف، ولكن ما باليد حيلة». اجتثاث الآفة ينتظر أصحاب السيارات نضوج فكرة «التعاونيات الشبابية» بفارغ الصبر لوضع حدٍّ لما أسموه «فوضى المواقف العشوائية» ومعرفة الأماكن التي ستتحوَّل إلى «مواقف» من الشوارع التي يكون فيها الركنُ مجانياً، يقول العياشي بن أسباع (موظف) «لا يُعقل أن أجد أمامي في كل شارع تضطرني الحاجة للتوقف المؤقت فيه، شابا يقف أمام رأسي بهراوة ويطالبني بالدفع مسبقاً، هذا يكلفني الكثير من المال يومياً وأنا موظفٌ محدود الدخل، الدولة يجب أن تعالج جذرياً هذه الآفة التي تغاضت عنها طويلاً حتى استفحلت، يجب أن تُحدد مساحات التوقف المدفوعة من باب مساعدة هؤلاء الشباب، وأن يعود الرَّكْن في الشوارع مجانياً كما كان، من غير المقبول أن يحتل شاب شارعا عموميا ويتقاضى إتاوات عن كل سيارة تقف فيه وكأنه ملك أبيه، هذا أمرٌ عير معقول ويجب أن ينتهي».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©