الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

الصومال متاهة الحروب و مؤتمرات المصالحة

10 مارس 2007 02:28
هذه واحدة من أغرب الرحلات التي قمت بها إلى منطقة تعد أكثر مناطق القارة الأفريقية اضطرابا، منطقة لم تعرف طعم الاستقرار أو السلام على امتداد العقود الأربعة الماضية· وبالتالي لم تدرك التنمية ، مما جعلها في حالة سيئة من التخلف والفقر والأمية· قطعت خلال هذه الرحلة قرابة 13000 كيلومتر عبر الأجواء، غرابة الرحلة تكمن أيضا في صعوبات الاتصال والتنقل في عصر أصبح العالم فيه قرية كونية صغيرة، ولعل عدم الإحساس بقيمة الوقت من أهم بصمات التخلف التي طبعت سلوك الإنسان في هذه البقاع المنسية وصراعاتها الأزلية· وغرابة الرحلة التي تستعد لها بعدد من التطعيمات ضد أمراض انقرضت في بقية أصقاع الأرض، تكمن أيضا في الاستغراب الذي ارتسم على وجه موظفة الحجز في مكتب الطيران في أبوظبي، وهي تبحث عن مطارات ومحطات لم تسمع بها ربما من قبل!!·لنبدأ الرحلة من المحطة الأخيرة، ونستعيدها معا· كنت بمعية صديق في فندق هيلتون أديس أبابا عندما اتصل بالسفير الصومالي لدى إثيوبيا عبدالكريم فارح، وأبلغه بوجودي ورغبتي في لقائه، أبدى الرجل ترحيبا واستعدادا للحضور إلينا مجرد ان ينتهي من الحلاق الذي أسلم له رأسه ، واجتماع سريع في مقر الاتحاد الأفريقي، وبالفعل جاءنا وهو يرتدي ملابس رياضية، وبعد تعارف سريع استأذننا منصرفا بعد أن زودني برقم الهاتف النقال لزميله السفير الصومالي في نيروبي واسمه محمد علي الملقب بـ ''أميركا''، فهنأت نفسي على هذه المعرفة ممنيا النفس بإنجاز مهمتي طالما ان '' أميركا'' طرف فيها· بمجرد وصولي للعاصمة الكينية نيروبي هاتفت الرجل الذي رد علي بعد جهد جهيد استنفد صبري، ولكن سرعان ما استعدت نصيحة صديق ''انك في حضرة أفريقيا حيث الإحساس بالزمن مفقود مفقود'' · ورد علي'' أميركا'' أخيرا، وعندما عرف أنني أريد لقاء رئيس الوزراء الصومالي علي محمد قيدي، قال انه سيعود من باريس بعد مشاركته في القمة الأفريقية الفرنسية عن طريق دبي· وبعد يومين من الانتظار عرفت بوصول قيدي من مصدر آخر وبأنه سيحضر اجتماعا صباح اليوم التالي مع ممثلين من الأمم المتحدة وسفراء عرب وأجانب في فندق نورفوك· دعوة على الغذاء في التاسعة من صباح ذلك اليوم كنت عند مدخل الفندق الذي يعود تشييده إلى مئة عام خلت ، وشهد قبل نحو ربع قرن تفجيرا استهدفه من قبل إحدى المنظمات الفلسطينية لأنه كان مملوكا لرجل أعمال إسرائيلي ويستقبل العديد من الأفواج السياحية الإسرائيلية، وقد أصبح اليوم ضمن الامبراطورية الفندقية للأمير الوليد بن طلال· بعد تأخير نصف ساعة حضر قيدي ومعه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الصومال رئيس الوزراء ووزير الخارجية الغيني السابق فرانسو لونسيني فال· وقفت مرابطا عند باب مقر الاجتماع ، وبعد ان انفض خرجت مع قيدي الذي ذكرته بأول لقاء لي معه بأبوظبي في نوفمبر·2005 طلب مني البقاء حتى ينتهي من اجتماع جانبي آخر عقده مع بعض المسؤولين الأوروبيين في زاوية جانبية بالقرب من مدخل الفندق اقترحها على عجل السفير ''أميركا''· وكنت أيضا جالسا على بعد خطوات منهم· انف0ض الاجتماع الثاني ليطلب مني قيدي هذه المرة ان نلتقي على الغداء في فندق آخر هو فندق ''ريجنسي فيو'' وقد تأخر كثيرا وعرفت من بعض مرافقيه ان توجه لاجتماع بمقر السفارة الأميركية في نيروبي الذي يقع في ضواحي المدينة، وهو عبارة عن قلعة محصنة انتقلت إليها السفارة بعد التفجير الذي تعرضت إليه مع نظيرتها في دار السلام العام·2001 وأخيرا حضر وتوجه إلى الطابق الثاني عشر من الفندق الذي يقيم فيه الرئيس الجديد للبرلمان الصومالي الذي كنت قد التقيته في اليوم السابق·وبعد اجتماع ليس بالقصير نزل الرجلان ومرافقوهما، وتوجهنا الى المطعم الإيطالي بالفندق ، الذي اختير لإرضاء قيدي المعروف بتذوقه للطعام الإيطالي منذ سنوات دراسته هناك التي تخرج منها طبيبا بيطريا· وبعد الغداء الإيطالي الدسم الذي أعقبته جلسة شاي في طابق الميزانين أبلغني قيدي بأنه لا يستطيع إجراء أي حوار لأنه مرهق وجدوله مزدحم· رغم كل الوقت الذي انتظرته، وحاولت ان ألتمس له عذرا· فالرجل كان محرجا من الهجوم الذي شنه في اليوم السابق نائبه حسن ابشر على الأمم المتحدة واتهمها فيه بعرقلة جهود المصالحة الصومالية التي أصبحت بمثابة ''تجارة'' للمنظمة الدولية كما قال ابشر، وهاهو قيدي يجتمع بهم اليوم، ليس ذلك فحسب بل ان صوماليي كينيا يتحدثون عن شراء قيدي فيللا الزعيم السوداني الراحل جون قرنق في نيروبي بما لا يقل عن مليوني دولار وتسجيلها باسم قريب ليعيد تأجيرها للأمم المتحدة التي خصصتها بدورها مقرا لإقامة قيدي نفسه أثناء تواجده في المدينة التي أصبحت معبرا للمسؤولين الصوماليين في طريقهم من وإلى مقر الحكومة الانتقالية في بيداوا· وهذا الاتهام الصومالي للأمم المتحدة يعكس تعلق الصوماليين بنظرية المؤامرة وهم يعتبرون المنظمة الدولية خصما الى جانب كينيا التي يقولون انها استفادت كثيرا من تردي أوضاع بلادهم، وعندما يتعلق الأمر بالعرب يكيلون الاتهامات لمصر ويعتبرونها المسؤولة عن عدم دعم العرب لهم في رحلة التيه الصومالي المتواصل منذ أكثر من 16عاما وعشرات مؤتمرات المصالحة الوطنية! المصالحة على قدم وساق! في لقائنا مع الشيخ آدم محمد نور الرئيس الجديد للبرلمان الصومالي الذي يتخذ من مدينة بيداوا مقرا له أسوة بباقي مؤسسات الحكومة الانتقالية تحدث عن دور البرلمان في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الشعب الصومالي، وقال ان ولادة البرلمان جاءت تتويجا للعملية السياسية التي بدأت في كينيا واستغرقت نحو العامين والنصف ، وكانت من ثمارها تشكيل البرلمان والحكومة الانتقالية· وقال ان التجانس والانسجام والاتفاق يسودان أعضاء البرلمان، ولاخلافات بين أعضائه، وهو جاهز لاستكمال عملية المصالحة الوطنية ،وتحقيق الاستقرار وسيادة القانون في الصومال· بحيث ينعم الجميع بالأمن والاستقرار في مناخ يسوده القانون· وهذا التجانس الخالي من الخلافات بين النواب، الى جانب ان الحكومة بدورها انبثقت من البرلمان، يعني الكثير لنا من أجل حشد الطاقات كلها لتحقيق آمل وتطلعات شعبنا في الاستقرار والسلام والتنمية· واضاف نور المعروف شعبيا باسم نور مدوبي ان البرلمان سيشهد خلال الشهرين المقبلين نزولا ميدانيا لنوابه الى مناطقهم في مختلف أقاليم البلاد لتعريفهم ببرنامج المصالحة الوطنية وتعزيز الوحدة الوطنية، وسيكون ختام هذا النزول الميداني إعلان تحقيق هذه المصالحة التي من شأنها إنهاء آية خلافات أو منازعات بين ابناء الشعب الواحد· وبرنامج المصالحة الوطنية الذي نعمل من أجله سيشمل مختلف فئات ومكونات الشعب الصومالي· وقال ان مؤسسات الحكومة الصومالية من برلمان وحكومة ورئيس للبلاد تعمل معا من أجل تمكين الشعب الصومالي من تجاوز المحنة والمعاناة التي مر بها على مدى الستة عشر عاما الماضية، واضاف ان المطلوب في المرحلة الحالية رص الصفوف وحشد الطاقات لإنجاح هذه الجهود والمبادرات الكفيلة بانهاء أي خلافات بيننا حتى نتفرغ للبناء والتنمية· وقال رئيس البرلمان الصومالي انني أغتنم فرصة هذا اللقاء مع'' الاتحاد'' لأدعو إخواني العرب للمساهمة في كل ما من شأنه انجاح جهود المصالحة الصومالية· و حتى يشارك العرب بفعالية أكبر لتحقيق النجاح المنشود لهذه الجهود· وحول الضجة التي صاحبت اختياره للمنصب بديلا لسلفه، وما تردد بأن البرلمان مجرد أداة بيد الرئيس عبدالله يوسف الذي يعين من يريد مما ألقى بظلال من الشك حول حقيقة دور واستقلالية البرلمان بحسب ما ذكرت تقارير إعلامية حينها ، قال نور مثل هذه الأقاويل اسمعها منك فقط، والرئيس ليس عضوا في البرلمان حتى يختار، وأنا شخص معروف في البلاد، وفي الدورة الاولى تنافست مع الرئيس السابق للبرلمان الذي فاز علي بفارق ضئيل في الاصوات، وقد أتاحت فترة العامين الماضين للاعضاء للاقتناع بأنني الشخص المناسب لهذا المنصب، والقادر على لعب الدور المطلوب منه في هذه المرحلة الدقيقة في تاريخ الشعب الصومالي، وعلى هذا الاساس تم اختياري للمنصب عن قناعة بقدراتي في العمل لأجل وحدة الصومال وجمع كلمة الصوماليين وتحقيق المصالحة الوطنية· وأضاف ان الرئيس مشغول هو بدوره بتحقيق هذه المصالحة وبالتالي قد يكون راغبا في ان أتولى المنصب، ولكن لم يصرح بهذا الامر او يتدخل فيه· وهو قد يرى في الشخص المناسب لشغل هذا الموقع الحساس في هذا الظرف الحساس ولكن لم يتدخل بل لم يكن موجودا عند عقد جلسات الاختبار، وبالتالي مثل هذه الأقاويل التي ذكرتها لا أساس لها من الصحة· وحول الانباء التي ترددت عن استعداد البرلمان لطرح الثقة في حكومة رئيس الوزراء علي محمد قيدي ومدى رضا المجلس عنها، قال رئيس البرلمان الصومالي بالعكس نحن راضون عن اداء الحكومة التي اختارناها نحن، واذا ما ارتكبت خطأ فنحن على استعداد لمحاسبتها والقيام باستجوابها ، ولو لم نكن راضين عنها لما تمكنت من الاستمرار في مهامها· الانتقال إلى العاصمة وحول الموعد المقرر ان يعقد فيه البرلمان جلساته في مقديشو عاصمة البلاد قال نور بعد انتهاء برنامج النزول الميداني للنواب خلال الشهرين المقبلين والخاص بالمصالحة الوطنية ، سيعقد البرلمان جلسة لتقرير ما اذا كان سيواصل عقد جلساته في بيداوا أم سينتقل الى العاصمة؟· وقبل هذه المشاورات أتوجه مع الرئيس ورئيس الوزراء الى العاصمة لمتابعة الاعمال ميدانيا هناك· وعن الجهات التي تقف وراء التدهور الأمني الذي تعاني منه عاصمة البلاد قال رئيس البرلمان ان هناك بعض الصغار من بقايا عناصر الحركة التي تطلق على نفسها'' المحاكم الاسلامية'' يتلقون تعليمات من الفارين في الخاج بإثارة القلاقل من خلال إلقاء قنابل أو قذائف هنا او هناك يقفون وراء هذا التصعيد· وكما تعلم فإن هناك من يرصد الامكانيات لتحقيق المصالحة، وبالمقابل هناك من يرصد إمكانياته للهدم وإثارة القلاقل· وعما اذا كانت عملية المصالحة الوطنية ستشمل كافة الحركات السياسية في البلاد بما فيها عناصر من المحاكم الاسلامية قال رئيس البرلمان الصومالي ان المصالحة تستهدف كافة مكونات الشعب، وأشخاص كالذين قاموا بأفعال هؤلاء لا توجد دولة في العالم على استعداد للجلوس معهم، ولكننا في إطار السعي للمصالحة الوطنية على استعداد للجلوس مع أي شخص حريص على أمن واستقرار وسلام الصومال· وفي ختام اللقاء عبر رئيس البرلمان الصومالي عن أمله في القيام بجولة عربية لاطلاع المسؤولين ونظرائه من البرلمانيين العرب على حقيقة التطورات الجارية في الصومال بعيدا عن التقارير الاعلامية المغرضة أو المشوهة، وجدد النداء كما قال للاشقاء العرب للمساهمة بدور أكبر في حل معاناة إخوانهم في الصومال لإنجاح المصالحة الوطنية ودعم مشاريع اعادة الإعمار·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©