السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الطريق إلى البيت العتيق

الطريق إلى البيت العتيق
25 أكتوبر 2012
الحج مدرسة، وموسم يتسابق فيه المسلمون في كل الدنيا لأداء الفريضة الواجبة عليهم. ولموسم الحج مناسك وشعائر فرضها الدين الحنيف لا بد أن يلتزم بأدائها الحاج أو المعتمر في مكة المكرمة خاصة والمدينة المنورة عامة. ولذا يشد المسلمون الرحال صوب الديار المقدسة ويقدمون إليها من كل فج عميق. كما أنّ للحج أياما مشهودات معلومات يجب أن يتمها الحاج لتحتسب حجة له ويثاب عليها من الرحمن الرحيم. وقد حظيت الكعبة المشرفة عبر التاريخ باهتمام المؤرخين والكُتّاب والأدباء والشعراء الذين أسهبوا في سرد الحديث عن مكانتها في نفوس المسلمين كافة. أشارت المصنفات والمعاجم لذكر معلومات وافرة عن “الكعبة المشرفة” مما أضفى عليها قدسية نظراً لمكانتها الدينية في نفوس الجميع وحسبنا هاهنا الوقوف على تلكم المعاني في دقائق لغتنا الجميلة. الكعبة من كعب اشتق اسم الكعبة من كعب، قال الله تعالى: “وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين” وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم وحمزة: وأرجلكم، خفضاً؛ والأعشى عن أبي بكر، بالنصب مثل حفص؛ وقرأ يعقوب والكسائي ونافع وابن عامر: وأرجلكم، نصباً؛ وهي قراءة ابن عباس، ردّه إلـى قوله تعالى: “فاغسلوا وجوهكم”؛ وكان الإمام الشافعي يقرأ: وأرجلكم. واختلف الناس فـي الكعبين بالنصب، وسأل ابن جابر أحمد بن يحيى عن الكعب، فأومأ ثعلب إلى رجله، إلى المفصل منها بسبابته، فوضع السبابة عليها، ثم قال: هذا قول المفضل، وابن الأعرابي؛ قال: ثم أومأ إلى الناتئين، وقال: هذا قول أبي عمرو بن العلاء، والأصمعي. قال: وكل قد أصاب. ويعني الكعب: العظم لكل ذي أربع. والكعب: كل مفصل للعظام. وكعب الإنسان: ما أشرف فوق رسغه عند قدمه؛ وقيل: هو العظم الناشز فوق قدمه؛ وقيل: هو العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم. وأنكر الأصمعي قول الناس إنه فـي ظهر القدم. وقيل: الكعبان من الإنسان العظمان الناشزان من جانبي القدم. وفي حديث الإزار: ما كان أسفل من الكعبين، ففي النار. قال ابن الأثير: الكعبان العظمان الناتئان، عند مفصل الساق والقدم، عن الجنبين، وهو من الفرس ما بين الوظيفين والساقين، وقيل: ما بين عظم الوظيف وعظم الساق وهو الناتئ من خلفه، والجمع أكعب وكعوب وكعاب. ورجل عالي الكعب: يوصف بالشرف والظفر؛ قال: لما علا كعبك بي عليت. حج إلينا فلان... ذكرت فريضة الحج بمعانٍ كثيرة لما لها من اشتقاقات وافرة حفظتها ذاكرة العربية عبر الأيام. فالحج: القصد. حج إلينا فلان أي قَدِمَ؛ وحجه يحجه حجاً: قصده. وحججت فلاناً واعتمدته أي قصدته. ورجل مَحجوج أي مقصود. وقد حجّ بنو فلان فلاناً إذا أطالوا الاختلاف إليه، قال الشاعر المخبل السعدي: وأشهد من عوف حلولاً كثـيرة يحجون سبَّ الزبرقان المزعفرا أي يقصدونه ويزورونه. قال ابن السكيت: يقول يكثرون الاختلاف إليه، هذا الأصل، ثم تعورف استعماله في القصد إلى مكة للنسك والحج إلى البيت خاصة؛ تقول حجَّ يحج حجاً. والحجّ: قصد التوجه إلى البيت بالأعمال المشروعة فرضاً وسُنّة، تقول: حججت البيت أحجه حجاً إذا قصدته، وأصله من ذلك. وجاء في التفسير: أنّ النبي، صلى الله عليه وسلم، خطب الناس فأعلمهم أنّ الله قد فرضَ عليهم الحجّ، فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فأعرض عنه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعاد الرجل ثانية، فأعرض عنه، ثم عاد ثالثة، فقال عليه الصلاة والسلام: ما يؤمنك أن أقول نعم، فتجب، فلا تقومون بها فتكفرون؟ أي تدفعون وجوبها لثقلها فتكفرون. وأراد صلى الله علي وسلم: ما يؤمنك أن يُوحى إليَّ أنْ قُلْ نعم فأقول؟ ويقال: رجل حاج وقوم حجاج وحجيج والحجيج: جماعة الحاج. قال الأزهري: ومثله غاز وغزي، وناج ونجي، وناد وندي، للقوم يتناجون ويجتمعون في مجلس، وللعادين على أقدامهم عدي؛ وتقول: حججت البـيت أحجه حجاً، فأنا حاج. وربما أظهروا التضعيف فـي ضرورة الشعر؛ قال الراجز: بكل شيخ عامر أو حاجج الحَرَم المكيّ الشريف للحرم المكيّ الشريف منزلة كريمة لدى المسلمين. فالحرم: الحرم بالكسر، والحرام: نقـيض الحلال، وجمعه حرم؛ قال الأعشى: مهادي النهار لجاراتهم وبالليل هن عليهم حرم ويروى: محارم الليل أي أوائله. وأحرم الشيء: جعله حراما. والحريم: ما حرم فلم يمس. والحريم: ما كان الـمحرمون يلقونه من الثياب فلا يلبسونه؛ قال: كفى حزنا كري عليه كأنه لقى، بين أيدي الطائفين، حريم حَرَم مكة المكرمة أما حرم مكة المكرمة فهو: معروف وهو حرم الله وحرم رسوله. والحرمان: مكة والمدينة، والجمع إحرام. وأحرم القوم: دخلوا في الحرم. ورجل حرام: داخل في الحرم، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث، وقد جمعه بعضهم علـى حرم. والبيت الحرام والمسجد الحرام والبلد الحرام. وقوم حرم ومحرمون. والمحرم: الداخل في الشهر الحرام، والنسب إلى الحرم حرمي، والأنثى حرمية، وهو من المعدول الذي يأتي على غير قياس، قال المبرد: يقال امرأة حرمية وحرمية وأصله من قولهم، وحرمة البيت وحرمة البيت؛ قال الأعشى: تأوين لحرمي مررت به، يوما وإن ألقي الحرمي في النار وهذا البيت أورده ابن سيده في كتابه المُحكم، واستشهد به ابن بري في أماليه على هذه الصورة، وقال: هذا البيت مصحف، وإنما هو: لا تأوين لجرمي ظفرت به، يوما، وإن ألقـي الجرمي في النار الباخسين لبيكَ اللهم لبيكَ ذكر جابر بن عبد الله في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: “ثم أهلّ بالتوحيد لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك”. والتلبية إجابة بعد إجابة، أي الطاعة على الدوام مأخوذة من: لب بالمكان أي أقام به، وفي حديث رواه ابن ماجه: “ما من مُحْرِم يُضحي يومه ـ أي يظل يومه ـ يلبي حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه فعاد كيوم ولدته أمه”. وهي قول: لبيك اللهم لبيك، كما أن التهليل هو قول: لا إله إلا الله والتسبيح قول سبحان الله. وتكون التلبية في الحج والعمرة عند الإحرام، فقد روى أحمد وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يا آلَ مُحمد، من حَجَّ منكم فليهلّ في حجه ـ أو في حِجته” ومعنى: يهلّ، أي يرفع صوته بالتلبية، فهي مشروعة بإجماع العلماء. ويبدأ وقت التلبية بالإحرام وينتهي برمي جمْرَة العقبة، فقد روى الجماعة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبِّي حتى بلغ الجمرة، وهذا رأي جمهور العلماء. أما المُعْتَمِر فتنتهي تلبيته حَتَّى يستلم الحَجر الأسود، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم ورواه الترمذي بسند حسن صحيح عن طريق ابن عباس. أما صاحب مختار الصحاح فقال عن معنى “لبى”: يقال لبى بالحج تلبية وربما قالوا لبأ بالحج بالهمزة وأصله غير مهموز وقد سبق في ل ب أ و لباه قال له لبيك قال يونس النحوي: لبيك ليس بمثنى إنما هو مثل عليك وإليك. وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي: هو مثنى وقد سبق في ل ب ب وحكى أبو عبيد عن الخليل أن أصل التلبية الإقامة بالمكان يقال ألب بالمكان و لب به إذا أقام به قال ثم قلبوا الباء الثانية إلى الياء استثقالا كما قالوا تظنني وأصله تظنن. ولقد عرف العرب قبل الإسلام التلبية، وكانوا يهللون ويلبون في الحج إلى بيت الله الحرام، وذلك بقول نلبيه بن الحجاج: إنني والذي يحجّ له شمط أياد وهللوا تهليلا تحوير التلبية... يعدُّ عمرو بن لحي بن حارثة الخزاعي أوّل مَن حوّر تلبية الجاهليين وبدّل فيها، وذلك عندما تمثل له إبليس لعنه الله تعالى في صورة شيخ نجدي مُسِّن في أثناء طوافه على بعير أصهب، فسايره ساعة، ثم لبى إبليس، فقال: لبيك اللهم لبيك، فقال عمرو بن لحي الخزاعي مثله، فقال إبليس: إلاّ شريك هو لك تملكه وما ملك، فقال عمرو مثله، فقال إبليس: ما أرى بهذا بأساً، فما زالت كذلك، أي استمر أهل الجاهلية والكُفر على هذه التلبية المُحوّرة حتى ردّها الإسلام إلى ما كانت عليه شريعة نبي الله إبراهيم عليه السلام. كما نهى النبي الأكرم محمد صلّى الله عليه وسلّم الكفار والمشركين الذين يلبون، ويجعلون مع الله شركاء. فكانوا يقولون: لبيك لا شريك لك، فيقول الرسول عليه الصلاة والسلام: ويلكم قد قد؛ أي يكفي يكفي، فيقولون: إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك. وقالت الدكتورة محجوب أيضاً: كذلك كان لكل قبيلة عربية تلبيتها الخاصة بها، فمثلاً قبيلة عكّ كانت تجعل في مقدمة قافلة الحجيج عبدين أسودين من عبيدها، وتُوْكِل إليهما مهمة التلبية والتهلل، فيبدآن التلبية قائلين: نحنُ غرابا عكّ وهنا يردد وفد الحجيج من خلفهم قائلين: عكّ إليك عانية عبادك اليمانية وكانت قبيلة بكر بن وائل تظهر حُسن النيّة، وأنّهم قصدوا بيت الله الحرام لأداء نسكهم للتقرب من الخالق تعالى؛ لينالوا رضاه ومغفرته، ولم يكن همهم التجارة والأموال. في حين كان من العرب مَن يأتي إلى مكة المكرمة أيام الموسم لغرض التجارة، أو مِن يقصدها لإحياء هذه الشَعِيرة التي توارثوها منذ عهد جدهم النبي إبراهيم الخليل عليه السلام، لذا حاول بنو بكر بن وائل أن يبفوا الأغراض الدنيوية، فكانوا يلبون في طوافهم بقولهم: لبيك حقاً حقاً تعبُداً ورقّا جئناك للنّصاحة لم نأت للرقاحة الطواف بالبيت العتيق عرف العرب قبل الإسلام الطواف حول الكعبة المشرفة بمكة المكرمة حينما كانوا يحجون إلى البيت الحرام يقيناً منهم من أنّ هذا هو حرم الله في أرضه، وبيته الحرام الذي أختاره في البقعة التي فضلها على الأرضين، فكان هؤلاء العرب الجاهليون يأتون إلى البيت الحرام حيث يتم نسكهم، وتُقضى حوائجهم، فكان يأتي إليه المُستجير والمُستغيث والمُستعيذ والخائف والراجي رحمة ربه، وكان أول مَن استعاذ بالبيت الحرام حوت صغير خوفاً من حوت كبير، وكان ذلك زمن الطوفان. وللطواف اشتقاقات كثيرة ودلالات لمعناه اللغوي. فالطواف يعني: قطع المسافة التي تحيط بالكعبة المشرفة سبعة أشواط، أو سبع مرات، وتسمى أسبوعاً. عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّه كان يطوف بالبيت سبعة أسابيع بالليل وخمسة بالنهار. قال: “إنّ آدم عليه السلام كان يطوف كذلك”، وعنه أيضاً: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: “مَن طافَ بالبيتِ خمسين أسبوعاً خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”. وذكر الشاعر الصرصري كيفية الطواف، وعدد أشواطه بقوله: ويطوفُ مضطبعاً طواف قدومه سبعاً ببيت عُظِّمتْ أستاره بينما قال مضاض الجرهمي، واصفاً الكيفية التي كان الجاهليون يمارسون بها هذه الشعيرة المقدسة: ونحن ولينا البيت مِن بعد نابت نطوف بذاك البيت والخير حاضر ووصف الشاعر حسان بن ثابت الأنصاري طوافهم أيضاً، وعدد المرات، وكيف كان سجودهم عند مقام إبراهيم عليه السلام قائلاً: ثم طفنا بالبيتِ سَبعاً وسَبعاً وسَجدنا عِندَ المَقامِ سجودا ونجد الدوران حول الشيء هو خاص بالطواف حول الكعبة المشرفة في مكة المكرمة وقد أشار إليه القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وذكره العرب في لغتهم الجميلة. يقال رجلٌ طافٌ: كثير الطَّواف. وتَطَوَّفَ الرجلُ أي طافَ، وطَوَّف أي أكثر الطَّوافَ، وطاف بالبيتِ وأطافَ عليه: دار حوْلَهُ ؛ قال أبو خراش: تُطِيفُ عليه الطَّيرُ، وهو مُلَحَّبٌ ، خِلافَ البُيوتِ عندَ مُحْتضملِ الصُّرْمِ وقوله عزّ وجل: “ولْيَطَّوَّفُوا بالبيت العتيق”، هو دليل على أن الطَّوافَ بالبيت يوم النْحر فَرْض. واسْتَطَافَهُ: طافَ به. ويُقالُ: طافَ بالبيت طَوافاً وأطَّوَّفَ اطّوَّافاً، والأصل تَطَوَّفَ تَطَوُّفاً وطَوَفَاناً. وأما المُطَافُ فهو: موضِعُ المَطافِ حول الكعبة المُشرفَة. وفي الحديثِ ذكر الطَّواف بالبيت، وهو الدَّوَرانُ حوله، تقول: طُفْتُ أطوفُ طَوْفاً وطَوافاً، والجمعُ الأطواف. وفي الحديث: كانت المرأةُ تَطُوفُ بالبيت وهي عريانة ٌ تقول: مَنْ يُعِيرُني تَطْوافاً؟ وهو الثوب الذي يُطاف به. إقرار الطواف وكانت كلّ شريعة جديدة قد تستمد مما سبقها من الشرائع، فتذهب بعض التعاليم، وتُشذب بعضها، وقد تُسقط بعضها، وهذا ما فعله خليل الرحمن النبي إبراهيم عليه السلام فأقرّ الطواف، وجعله خالصاً لوجه الله تعالى وحده، حول بيته المُحرم. والكعبة المُشرفة هي البقعة الوحيدة على وجه الإطلاق الذي شرع الله تعالى الطواف حولها، فليس هناك أيّ مكان على وجه الأرض يُطاف حوله، كما يُطاف بالبيت الحرام. يقول الإمام الحسن البصري رضيّ الله عنه: “وما على وجه الأرض بقعة يُوجد فيها الطواف والسعي والحج والعُمرة إلاّ بمكةَ”. وقد روى ابن بكّار في “شفاء الغرام”: أنّه ما مِن مَلِكٍ بعثه الله تعالى في مهمة إلى الأرض إلاّ نزلَ مُحْرِماً مُلبِياً من تحتِ العرش، ويطوفُ بالبيتِ أسبوعاً، ويُصلي ركعتينِ بداخل البيتِ الحرام، ثم يصعد، وكان أوّل عمل عمله آدم عليه السلام حين أُهبِطَ من السماء الطواف بالبيتِ الحرام، فلقيته الملائكة، فقالوا يا آدم طُفنا بهذا البيتِ قبلكَ بألفي عام. كذلك حجّ جميع الأنبياء والرُسل عليم السلام البيت الحرام، وطافوا به إيماناً واحتساباً، حتى إنّ سفينة النبي نوح عليه السلام عندما جاء وعد الله ووعده بالطوفان، طافت السفينة بالبيت الحرام. وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: “إنّ الله عزّ وجل وجّهَ السفينة إلى مكة المكرمة، فدارت بالبيت بالبيتِ الحرام أربعين يوماً، ثم وجهها إلى الجُودِي، فاستقرّت به”. وكان الطواف حول الكعبة المُشرفة في الماضي مختلطاً بين الرجال والنساء، ولكن حدث ما جعل والي مكة يُفرِّق بينهم في أثناء الطواف، وأورد الأزرقي بأنّ النساء والرجال كانوا يطوفون معاً مُختلطين، حتى وَلِيَ مكة خالد بن عبدالله القسري لعبدالملك بن مروان، ففرق بين الرجال والنساء، وأجلس عند كل ركنٍ حرساً معهم السِياط، يفرقون بين الرجال والنساء... وقد أمر الرسول الكريم أصحابه التزام جانب الأدب في الطواف. روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنّه قال: “الطواف حول البيتِ مثل الصلاةِ، إلاّ أنّكم تتكلمون فيه، فمن تكلمَ فيه فلا يتكلم إلاّ الخَير”. وللطواف حول الكعبة المُشرفة حلاوة لا يشعرُ بها إلاّ مَن أخلص النيّة لله عزّ وجل، وتوجه إليه نقلبٍ سليم، وقد وصف الشاعر ابن الرشيد البغدادي تلكم اللذة الروحية للطائفين حول البيتِ الحرام في قصيدته الذهبية قائلاً: فشدُوا مَطايا إلى أربع ثانياً فإنّ الهَوى عند رَبعِهم ما ثنينَاهُ ففي رَبعِهم للهِ بيتٌ مُباركٌ إليه قلوب الناس تهوِي وتَهْوَاهُ يَطُوفُ بهِ الجَانِي فيُغْفر ذنبهُ ويسقطُ عنهُ جُرمه وخطَاهُ وكَم لذّة أو فَرحةً لطوافِهِ فللّه ما أحلَى الطوافَ وأهنَاهُ نطوفُ كأنا بالجِنَانِ نطُوفها ولاهمَّ لا غمَّ جميعاً نفينَاهُ فيا شوقَنَا نحوَ الطوافِ وطِيْبِهِ فذلكَ طِيبٌ لا يُعبِّرُ معنَاهُ فمَن لَمْ يَذُقْهُ لَمْ يّذُقْ لَذّةً فّذُقْهُ تَذُقْ يا صَاحِ ما نَحْنُ ذُقْنَاهُ المصادر والمراجع 1. ابن منظور: لسان العرب، بيروت، لبنان. 2. الفراهيدي: العين، تحقيق إبراهيم السامرائي ومهدي المخزومي، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1984م. 3. الجوهري: مختار الصحاح، بيروت، لبنان. 4. الأزرقي: أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار؛ تحقيق علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، مصر، 2004م. 5. حمد بن صراي ويوسف محمد الشامسي: المعجم الجامع لما صرح به وأبهم في القرآن الكريم من المواضع، نادي تراث الإمارات، مركز زايد للتراث والتاريخ، العين، دولة الإمارات العربية المتحدة، 2000م. 6. سعاد سيّد محجوب: صورة البيت الحرام في الأدب العربي، المجمع الثقافي، مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، أبوظبي ـ دبي، 2004م. 7. فهد عبدالله السماري: أخبار مكة ومعالمها الأثرية عند الإمام الأزرقي: الشرق الأوسط، لندن، عدد 9 سبتمبر 2004م. الأزرقي وأخبار مكة “أخبار مكة” للإمام الأزرقي المؤرخ الضليع والمحدث الذي يتقنّ الصنعة الحديثية هو فقيه بارع في اصطياد الأحكام من أدلتها، ولاسيما أحكام الحج والمناسك، كما ظهر أنه جغرافي يحسن وصف المكان كما أنه لم يغفل التطورات السياسية في كتابه حيث تحدث عن حالة المسجد الحرام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهود الخلفاء الراشدين ليبين بعد ذلك ما طرأ من تغيرات في العهدين الأموي والعباسي، وقد تناول الأزرقي بنفس طويل الآثار الواردة في مكة المكرمة متناولاً الأحكام الفقهية والأصولية المتعلقة بهذه الآثار، ووصف جغرافيتها وعمرانها وصفاً دقيقاً لا يصدر إلا من ساكنها متحدثاً عن أسماء مكة المكرمة ودورها وآبارها وبركها وحياضها وحوائطها والمشاعر المقدسة وغير ذلك، ولا سيما حديثه عن الكعبة المشرفة والمقام وموضعه وذرعته والحجر الأسود وزمزم وذرعة المسجد الحرام ومناراته وجدرانه وسقفه وشرفاته وأبوابه وطاقاته ومنبره وقناديله وثرياته وبركه وسقاياته وآباره وعيونه ومؤذنيه ومواضيه وظلة المؤذنين فيه، كما لمح إلى بعض الأوليات في الحرم كحديثه عن أول من تسلم الركن الأسود، وأول من أدار الصفوف حول الكعبة، ونحو ذلك. كما أسهب الأزرقي في الحديث عن المساجد والمواضع التي يستحب فيها الصلاة بمكة المكرمة، وحدود المشاعر المقدسة وما ورد فيها من الآثار وصفة المناسك فيها كما تحدث عن رباع مكة وأوديتها، وسيولها من جميع الجهات، وأحيائها ومن كان يسكنها وتناول ما ورد في ذكر أخشبي مكة وموضع الحطيم وما جاء فيهما. وذكر في كتابه في أول من رمى الجمار، قائلاً عنها: لما قال إبراهيم عليه السلام ربنا أرنا مناسكنا أمر أن يرفع القواعد من البيت، ثم أري الصفا والمروة؛ وقيل هذا من شعائر الله، ثم خرج به جبريل فلما مر بجمرة العقبة إذا بابليس، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم ارتفع ابليس إلى الجمرة الثانية، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم ارتفع ابليس إلى الجمرة القصوى، فقال جبريل: كبر وارمه، ثم انطلق إلى المشعر الحرام، ثم أتى به عرفة، فقال له جبريل: هل عرفت ما أريتك ثلاث مرات؟ قال نعم، قال: فأذن في الناس بالحج قال: كيف أقول؟ قال قل: “يأيها الناس أجيبوا ربكم” ثلاث مرات، قالوا: لبيك اللهم لبيك، قال: فمن أجاب إبراهيم يومئذ فهو حاج، قال خصيف قال لي مجاهد: حين حدثني بهذا الحديث أهل القدر لا يصدقون بهذا الحديث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©