الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاستعداد للتعلم من الآخر أهم قواعد التفاعل بين الثقافات

الاستعداد للتعلم من الآخر أهم قواعد التفاعل بين الثقافات
25 أكتوبر 2012
الحوار بين الثقافات ليس رغبة وإرادة سياسية فقط ولا هو إطار فكري مجرد، ولكنه يعتمد في المقام الأول على اللغة، أداة التواصل بين أطراف الحوار، حيث تلعب دوراً إيجابياً، وربما يحدث العكس، وقد نقل عن رئيس الوزراء الياباني في جلسة حوار قوله “اليابان بلد الجبابرة” فهاجمته وسائل الإعلام الأميركية متهمة إياه بأنه يشير إلى الماضي الاستعماري المتعصب لبلاده قبل الحرب العالمية الثانية وانتهت الحملة باستقالة رئيس الوزراء الذي اعتبر في الدوائر الغربية داعياً إلى مرحلة كابوسية في القرن العشرين، وبالرجوع إلى نص ما قاله رئيس الوزراء تبين أنه قال “اليابان بلد الآلهة”، وهذا عادي ومقبول بالنسبة لليابان، حيث تعدد الآلهة، لكن ضعف الترجمة وعدم دقتها لعبت دورا في تعثر الحوار بين ثقافتين. تهمة غربية كتاب “البلاغة والتواصل عبر الثقافات” يهتم بدور اللغة في الحوار بين الثقافات، تحديدا لغتنا العربية وبقدر الاعتزاز بهذه اللغة وشعورنا بجمالها، فإن الآخرين في الغرب لا يرون ذلك، بل إن بعضهم يذهب إلى أن اللغة العربية هي العقبة في الحوار العربي - الأوروبي، فهي عندهم لغة تميل إلى أساليب التكرار والاستعارة والتشبيهات والنزعة الخطابية، مما يجعل من الصعب على الغربيين أن يحددوا بالضبط المعنى المقصود بالكلمات والفكرة الأساسية في النصوص العربية ويقولون أيضاً أن العرب يستخدمون العلامات الصوتية غير اللغوية بدرجة أكبر مما هو موجود في اللغات الأوروبية، لا يقف منتقدو اللغة العربية عند هذا الحد، فكلمة نعم وكلمة لا في العربية لا تعني نفس المقصود بها في اللغات الأخرى، حيث لا يحب العرب استعمال كلمة لا.. باعتبارها رداً غير مهذب، ويستعينون بكلمات مثل ربما أو ربنا يسهل، إن شاء الله وغيرها. سوف نلاحظ من هذه الاتهامات مدى التسطيح وغياب التدقيق، فضلاً عن الخلط بين العامية والفصحى من جانب وبين اللغة الفصحى القديمة “الكلاسيكية”، واللغة الفصحى المعاصرة التي تطورت كثيراً، ولكن لا ننكر أن هذا التصور سائد في دوائر عديدة داخل الغرب، ويترتب عليه أن يرى هؤلاء افتقاد الجدوى من أي حوار مع العرب، ذلك أن السياسة والفكر نتاج اللغة ويتم التعبير عنهما باللغة. القاعدة الأولى في حوار الحضارات والثقافات كما حددها روجيه جارودي عام 1977 في أحد كتبه أن يكون كل طرف مقتنعاً بأن ثمة شيئا يمكن أن يتعلمه من الطرف الآخر، يلفت النظر هنا أن التصدي لنظرية صراع الحضارات الذي تحدث عنه صموئيل هانتنتجون اعتمد على مبادرة الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي عام 1998 أمام الأمم المتحدة واعتمد أيضاً على مشروع قدمه جارودي في أحد كتبه وإذا كان خاتمي مسلم فإن جارودي ليس بعيداً عن الدائرة الإسلامية أيضاً، فقد اعتنق الإسلام ولا يجب أن ننسى أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ومن ثم فهي قادرة على التحاور مع الآخرين واستيعاب ما لديهم، وهناك تجارب تاريخية قديمة تثبت ذلك، زمن الحروب الصليبية حدث حوار واستفادة من اللغة العربية. وإذا كان الكثير من الدوائر الغربية لم يتعرف جيدا على اللغة العربية ومن ثم لم يتمكن من استيعابها فالأمر نفسه وارد بالنسبة لنا، حيث أن الذين يقومون بالحوار من جانبنا قد لا يجيدون اللغة الأجنبية، لغة الطرف الآخر وثقافته، والأهم من ذلك أن يشعر كل طرف بأن هناك ما يجب أن يتعلمه ويستفيد منه لدى الطرف الآخر، وبسبب غياب هذه الأبعاد لم يكتمل الحوار بين العرب والغرب ولم يثمر نتائج إيجابية. «مشاريع» الحوار تأسس الحوار العربي - الأوروبي بعد حرب أكتوبر 1973 حيث شعرت أوروبا ودول الغرب بأن العرب أصبحوا قوة اقتصادية مهمة، ويشعر طرفاً الحوار اليوم بأنه لم يقدم النتائج المرجوة، ثم بدأت حوارات أخرى عربية - غربية حتى جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 لتعطل الحوار وتكونت صورة سلبية عن الإسلام والمسلمين في الغرب، وعاد الحوار في السنوات الأخير، لكن الملاحظ انه دار في أروقة رجال الأعمال والاستثمار بين الجانبين، فضلاً عن بعض الحوارات السياسية لتحقيق أغراض براجماتية، لكن حوارات رجال الأعمال والسياسيين هي أقرب إلى مشاريع بيزنس وليست حواراً ثقافياً بالمعنى الحقيقي للكلمة، يلتقي رجال الأعمال، يتحاورون وقد يتعاونون، لكن تبقى الصورة الثقافية لدى كل طرف عن الآخر مشوشة وسلبية هم يروننا مجموعة من المتخلفين عن العصر ونحن نراهم مجموعة من الكارهين لنا، الطامعين فينا، ولذا فإن الفجوة تتسع بين الطرفين كما لاحظ أحد الخبراء الأميركيين، ويقتضي الأمر إعداد كوادر عربية تجيد اللغة الإنجليزية، وكذلك تكون على وعي تام بالثقافة الغربية وقيمها حتى يدرك المحاور العربي طبيعة ونمط التفكير لدى من يحاوره، والأهم من ذلك أن يخرج الحوار من الدوائر الأكاديمية والبحثية الغربية إلى الفضاء الإعلامي الواسع. إن عدداً لا يستهان به من الأكاديميين الذين يتناولون قضايا العرب والمسلمين في الغرب هم من الدوائر الصهيونية والعنصرية المعادية للعرب، ومن المهم الخروج من هذه الدوائر إلى المجال العام عبر الصحف والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، فضلاً عن المسلسلات والأفلام ورسوم الكاريكاتير وغيرها من الوسائط الثقافية والفنية، لقد استثمر العرب كثيراً في العقارات من منازل وفنادق وغيرها من الأصول الثابتة، وآن الأوان أن يستثمروا في الوسائط الإعلامية والثقافية الغربية، فمن يملك وسيط التواصل الإعلامي والثقافي يمكنه السيطرة على الرسالة التي يؤديها ذلك الوسيط، ومن المهم التواصل مع الجاليات العربية في الغرب، خاصة أبناء الجيلين الثاني والثالث منهم، أولئك الذين عاشوا في الغرب وأجادوا لغته وثقافته، هؤلاء يمكنهم أن يقدموا صورة إيجابية للتواصل الثقافي مع الغرب. ويطالب الكاتب بأن تتم الاستفادة من الأقليات المسيحية في العالم العربي، هؤلاء يمكنهم أن ينقلوا صورة إيجابية إلى الغرب المسيحي عن العرب، لغة وثقافة ومجتمعات، لكن ليتحقق ذلك لا بد من حوار داخلي عربي - عربي يعطي الأقليات والأفراد حقوقهم ليكونوا مقتنعين بصدق أن مجتمعاتهم عادلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©