الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«اللغة العربية» في المدارس تدخل غرفة الإنعاش!

«اللغة العربية» في المدارس تدخل غرفة الإنعاش!
21 فبراير 2010 20:25
بادر أحد الزملاء بتحية ومداعبة ابن صديق له عمره دون العاشرة، وقال له: “كيف حالك يا أيها الطفل الوسيم ؟”، فاندهش الطفل كثيراً، وتوجه إلى والده منبهراً، وقال له:”بابي.. عمو بيحكي مكسيكي”! ابتلعت دهشتي وأسفي لاكتشافي أن لغة القرآن أصبحت أمام أجيال المستقبل “مكسيكية” المنبع! ... عدت بالذاكرة إلى عام 2008 عندما قرعت منظمة اليونسكو أجراس الخطر، وحذرت من أن %50‏ من اللغات المحلية في كافة أنحاء العالم‏،‏ والبالغ عددها‏ سبعة آلاف لغة معرضة للاندثار بعد اختفاء 300‏ لغة محلية وانقراضها في القرن العشرين‏ فقط،‏ ونشرت قائمة باللغات المتوقع انقراضها في القرن الحادي والعشرين، ومن بينها اللغة العربية !‏ ... صدمت ثانية عندما عرفت أن جميع معلمي المراحل والمواد الدراسية ممن يقومون بتدريس المواد الدراسية المختلفة باللغة العربية “ما عدا الإنجليزية” لم يجتازوا اختبار الكفاءة في اللغة العربية الذي استحدث مؤخراً وفق معايير علمية أعدتها سلفاً جامعة الإمارات، بهدف الوقوف على مستواهم الحقيقي في اللغة العربية، تمهيداً لإلحاق المحتاجين منهم “ذوي المستويات الضعيفة” بدورات تدريبية لرفع كفاءتهم الذاتية. ترحمت على عميد الفكر العربي عباس محمود العقاد عندما قال في كتابه “اللغة الشاعرة”: “ومن واجب القارئ العربي- إلى جانب غيرته على لغته- أن يذكر أنه لا يُطالب بحماية لسانه ولا مزيد على ذلك، لكنه مطالب بحماية العالم من خسارة فادحة تصيبه بما يصيب هذه الأداة العالمية من أدوات المنطق الإنساني، بعد أن بلغت مبلغها الرفيع من التطور والكمال، وإن بيت القصيد هنا أعظم من القصيد كله، لأن السهم في هذه الرمية يسدد إلى القلب ولا يقف عند الفم واللسان”. ..احتفظت بحيادي، وحملت تساؤلاتي، وحاولت أن أتجرد من مشاعر الإحباط والأسي، واجتهدت لمواساة نفسي وترديد الآية الكريمة “إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون...”. في استطلاع للرأي”للاتحاد”، أكد 96% من أولياء أمور الطلاب من عينة عشوائية قوامها “مائة حالة” غير راضين عن واقع حال تعليم اللغة العربية، ووصفوه بعدة صفات سلبية تتضمن: “سيئ - ورديء - ومتدن - وضعيف - مؤسف - في أزمة حقيقية- تحتضر- خطير جداً”، كما وردت هذه العبارات «لفظاً» في إجاباتهم المباشرة، وأعربوا عن استيائهم الشديد لتراجع مستوى أبنائهم الدراسي. بينما أجاب 4% المتبقية بأنه “دون المستوى”! وعزا 66% منهم إلى أن السبب يرجع إلى محتوى ومضمون المناهج الدراسية “كسبب أول”، بينما أشار20% منهم إلى أن السبب الأول “ضعف مستوى معلمي اللغة العربية”، بينما أرجع 14% منهم السبب الأول إلى آنه يكمن في أن اهتمام الأبناء باللغة العربية اهتماماً ثانوياً، ولمصلحة اللغة الإنجليزية لعوامل وأسباب متعددة. بينما أشار 37% منهم إلى عدم الاهتمام والمتابعة الأسرية الفاعلة، نظراً لعدم إمكانية الأب أو الأم من تقديم الدعم اللازم لأسباب متعددة. لكن لوحظ أن العامل الأسري لم يرد كسبب أول رئيسي على الإطلاق من بين أفراد العينة. وأشار 48% من أولياء الأمور أن أبناءهم أضطروا إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية في مراحل تعليمية مختلفة لتحسين مستواهم في مادة اللغة العربية. بينما أشار “جميع” أولياء الأمور “22 حالة” ضمن العينة المختارة” ممن يتلقى أبناؤهم تعليمهم في مدارس يعتمد التدريس فيها باللغة الإنجليزية أن هؤلاء الأبناء يستعينون بالدروس الخصوصية في مادة اللغة العربية!. وطالب أولياء أمور الطلاب ضرورة إعادة النظر في المناهج المدرسية للغة العربية، بدءاً من رياض الأطفال والمرحلة التأسيسية، وتطوير وتحديث هذه المناهج، وزيادة الحصص المقررة في المدارس الأجنبية، ورفع كفاءة معلمي اللغة العربية، وتطوير وتفعيل الأنشطة المدرسية اللاصفية، وإيجاد سبل وطرق أكثر إيجابية لتفعيل التواصل والمتابعة بين المدرسة والأسرة. آراء وانطباعات يصف أحمد السويدي “موظف” حال اللغة العربية في مراحل التعليم المختلفة بأنه (سيئ للغاية) ويقول: “تعليم اللغة العربية في المدارس “سيئ للغاية” كجزء من حالة عامة لحالة اللغة العربية في المجتمع، وهذا يرجع إلى أسباب متعددة منها طغيان تأثير الجاليات الأجنبية وفرض ثقافتهم ولغتهم على المجتمع، ونظام التعليم ومناهجه في المدارس الحكومية لا يستطيع التصدي للوضع القائم، بل يساهم في ترديه بتخريج طلاب “ضعاف جداً” في اللغة العربية، إلى جانب شغف الطلاب وأولياء الأمور بتعلم وإتقان الإنجليزية على حساب العربية نظراً لتأثيرات واغراءات سوق العمل، دون أن ننسى ضعف مناهج اللغة العربية في المدارس الأجنبية، ونحن مضطرون إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية لرفع وتحسين مستوى الأبناء في اللغة العربية”. ويضيف سلطان النيادي “موظف” قائلاً: “أعتقد أن “تردي” حال اللغة العربية في مدارسنا نتيجة طبيعية لحالة الإهمال العامة للغة العربية في ظل سيادة وتأثير العولمة ووسائل الإعلام التي تقف عاجزة أمام الثقافات الوافدة، وعجز المجتمع - وأنا فرد فيه - أمام الثقافات الغربية ونضطر إلى مجاراة الخدم في المنازل والتعامل معهم بلغة مشوهة ومكسرة، ونرى كثيرا من أولياء الأمور يتركون أطفالهم يتلقون ويكتسبون هذه اللغة الركيكة على حساب اللغة العربية. متناقضات عجيبة يصف محمد جاسم “رئيس قسم الإعلام بمجلس أبوظبي الرياضي” واقع حال تعليم اللغة العربية في مراحل التعليم المختلفة بأنه: “خطير جداً”، وأن هذه الحالة تعد سبباً رئيسياً في تراجع حالة اللغة العربية في المجتمع، ويقول: “يؤسفني أن أقول بأن تعليم العربية في المدارس وصل إلى حالة “خطيرة جداً”، لأننا نعيش وسط متناقضات ثقافية ومجتمعية متعددة وعجيبة، وغير قادرين على التوافق والتعامل مع التيارات الثقافية الغربية بفعل عوامل متعددة ومؤثرة، فسوق العمل يفرض نفسه، ولا يقبل إلا من يجيد الإنجليزية، بل وأصبح شرطاً ضرورياً للعمل في أكثر من مجال، بل في مجالات كثيرة، ولا يلتفت على الاطلاق إلى تعليم أو إجادة اللغة العربية، بل نجد الكثير من الوظائف وفرص العمل يشغلها غير الناطقين بالعربية دون مبرر، ودون حاجة للعمل إلى ذلك، لكنها ثقافة فرضت نفسها، وأصبح اتجاها سائدا، وهذا بالطبع من شأنه أن يؤثر على توجه الأبناء، واختياراتهم الدراسية، وتحديد مساقاتهم، واختيار نوع التعليم واللغة التي يعتمد عليها. فإذا كان سوق العمل لا يرحب بمن يجيد اللغة العربية، فلماذا يختارها الطالب أو يهتم بها، لذا نجد الآباء يسعون إلى انخراط أبنائهم في المدارس الأجنبية، وكل هذا انعكس بالضرورة على حال التعليم. وينتقد جاسم إصرار وتمسك الدوائر الرسمية الحكومية قبل الخاصة على التعامل والتخاطب باللغة الانجليزية في تعاملاتها رغم وجود قرار سيادي يؤكد وجوب التعامل بالعربية، ويتساءل من جانب آخر: “كم هي عدد الساعات المقررة لدراسة العربية في المدارس الأجنبية؟”. تساؤلات يقول حارب السويدي “إعلامي”: “لن أقرر من وجهة نظري أسباب “سوء” حالة اللغة العربية في مدارسنا، لأن ما نراه لا يحتاج إلى تأكيد، وإنما سأطرح بعض التساؤلات: لماذا يحب أو يختار الأبناء اللغة العربية أو يقدمون على دراستها بحماس إن كان يرى أن أهم المناصب والمراكز القيادية المرموقة، أو الوظائف الجيدة يشغلها غير الناطقين بالعربية؟ ولماذا هذا الاصرار على تجاهل اللغة العربية، ولماذا أصبحت الانجليزية “جواز سفر أو كلمة مرور” إلى نيل الوظائف والمراكز وتحقيق المكاسب على حساب العربية؟ وإذا كان الإعلام ومناهج التربية وثقافة المجتمع قد فرضت على أبنائنا هذا الواقع.. فماذا ننتظر في المستقبل؟ ولماذا أصبحت الإنجليزية، وتعليمها نوعاً من الوجاهة الاجتماعية؟ الماء المسكوب كما يصف محمد الكعبي “موظف” حال اللغة العربية بالقول: “اللغة العربية تمر بحالة احتضار حقيقية، ويمكن تشبيهها بالمريض الذي يرقد في غرفة الإنعاش، ولا يجب أن نبكي على اللبن المسكوب، فاللبن المسكوب لا يمكن إعادته إلى الكوب، والسبب من وجهة نظري يبدأ من نظام التعليم، والمناهج التعليمية، وتراجع الاهتمام باللغة العربية أمام عوامل عديدة فرضتها العولمة، وحاجة سوق العمل، وغزو الثقافة الأجنبية، ولابد من صحوة حقيقية لتصحيح الأوضاع واصلاح ما يمكن إصلاحه، ولنبدأ بالمدارس بتعديل المناهج وتطويرها وتحديثها، وإعادة الهيبة للغة العربية من خلال استراتيجية وطنية شاملة، وفرض اللغة العربية في التعامل الرسمي والحكومي والمؤسسي، وإيجاد حالة من الوعي المجتمعي لعدم الانسياق خلف اللهجات الركيكة المشوهة التي تفرضها فئة معينة أفسدت لغتنا الأم في بيوتنا”. ويضيف خالد بن هويدن “موظف”: “لماذا تتمسك شعوب معينة بالحديث والتعامل بلغتها في بلدانها؟ أعتقد أن اللغة عنوان للهوية الوطنية، وهناك من فرطوا في هويتهم بالانجرار وراء الوجاهة والعولمة دون وعي أو إدراك، فاللغة العربية لغة القرآن الكريم، وهي رمز لهويتنا العربية، ولتحسين الصورة القائمة علينا أن نبدأ من الصفر، وقد يكون الأمر صعباً في البداية، لكن علينا أن نبدأ بالمدارس”. أما حمدان محمد “أخصائي اجتماعي” فيقول: “إن مخرجات التعليم ترتبط بسوق العمل، وهذه الحالة انعكست على نظام التعليم ومناهجه وثقافته، فتراجعت اللغة العربية في المدارس الأجنبية بحكم ثانوية تعليم العربية فيها، وانتقلت الأزمة والعدوى إلى المدارس الحكومية، وتراجع دور مدرس اللغة العربية، والمناهج عاجزة، ونجد الطالب يضطر إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية ليتعلم العربية بشكل سليم، والأسرة تتعامل بلغة أو لهجة مكسرة ومشوهة، والإعلام يكرس نفس الثقافة، ومن ثم نكتشف أننا ندور في حلقة مفرغة، ونستسلم للأزمة، ونجد كثيرا من الناس ينجرف وراء هذا الوضع الخاطئ ويعتبر أن مقياس ثقافة الأسرة هو مدى تعلم أبنائها اللغات الأجنبية على حساب اللغة الأم، بل والتحدث بها واهمال اللغة الأصلية، فلماذا لا نجعل من تركيا وألمانيا وفرنسا قدوة في التمسك بالتحدث بلغتهم الأصلية؟ أما فيصل الخليفة “موظف” فيقول: “حالة تعليم اللغة العربية تستحق الرثاء، فاللغة العربية تنعي نفسها في مدارسنا الحكومية والخاصة، أما المدارس الأجنبية فلا وجود لها، فمن كان يصدق أن الطالب يجد نفسه مضطراً للاستعانة بالدروس الخصوصية في اللغة العربية؟ إن المناهج المدرسية عاجزة تماماً، والمعلمون يعانون من ضعف المستوى، والمجتمع يفرض حالة غريبة تتراجع أمامها اللغة العربية، وتسود لغة هي مزيج بين لهجات مشوهة، بل ونراها أحياناً “موضة” بين الصبية والمراهقين الذين ينجرون وراء التقليد الأعمى لقشور الثقافة الغربية”. كذلك يقول خالد الشحي “موظف”: “للأسف.. اللغة العربية مهملة جداً في مدارسنا، والسبب طغيان اللغة الإنجليزية، وبات الطلاب مقتنعين بأن سوق العمل ونيل الدرجات الأكاديمية العليا لا يحتاج إلى اتقان العربية، وبالتالي نجد الحرص على تعلم الإنجليزية، والانخراط في دورات تعليمية وتدريبية لإتقانها، بينما نجد أن الطلاب أنفسهم لا يدرسون العربية ولا يستعينون بالدروس الخصوصية إلا للنجاح في الامتحانات النهائية، وهم غير مقتنعين تماماً بالحاجة إليها في المستقبل الدراسي أو المهني، لذا نجد أن معظم مستويات الطلاب في اللغة العربية متدنٍ وضعيف للغاية، والأهم أن الطلاب أنفسهم باتوا لا يخجلون من هذا التدني، فالأهم عندهم أن يتميزوا في اللغة الإنجليزية”. ازدواجية اللغة يحاول الدكتور عبدالقادر إسماعيل الزرعوني “استشاري جراحة المسالك البولية” أن يشخص “الأزمة” - كما أطلق عليها - ويقول: “بلا شك أن اللغة العربية تمر بأزمة حقيقية سواء من ناحية التعليم أو المجتمع، فللأسف ليس هناك أي إحساس بأهمية اللغة العربية، فالأسرة تعتبرها مسألة ثانوية، ويتم التركيز في التعامل، وفي اختيار تعليم الأبناء على الإنجليزية، وأصبحت بلا شك نوعاً من الوجاهة والتباهي والتفاخر، وأدرك الناس أن إتقان الإنجليزية هو الطريق الأمثل للتعامل مع ثقافة العصر، ولضمان مكان مناسب في سوق العمل، لذا نجد أن أبناء الأسر الميسورة مادياً يختارون المدارس الأجنبية منذ المرحلة التأسيسية، وفي المراحل الأخرى يعتمد على الدروس الخصوصية أمام عجز المناهج وقلة الساعات المقررة للدراسة، فضلاً عن التأثيرات السلبية لازدواجية التعليم ولاسيما في المراحل التأسيسية، فالطفل ينشأ مشتتاً بين لغة المجتمع الرسمية، ولغة الدراسة، وهذا يفرز حالة من ضعف المستوى في استيعاب “اللغة الأم”، ويضيع الأبناء بين لغة الدراسة، واللهجة العامية، واللغة الهشة الركيكة والمشوهة للسائق والخادمة في ظل فقدان الحوار والتواصل مع الآباء والأمهات لأسباب متعددة”
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©