الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مهرجان «تروب فست آرابيا» يبشر بإبداع السينما العربية

مهرجان «تروب فست آرابيا» يبشر بإبداع السينما العربية
6 نوفمبر 2011 01:04
إنها ليلة للمستقبل، أمسية حفلت بكل أسباب الثقة والتفاؤل، احتفالية باذخة في الشكل والمضمون أدخلت في أفئدة مشاهديها الكثير من عوامل الاطمئنان إلى مستقبل الإبداع السينمائي العربي، هي كل ذلك، وهي استطراداً، ليلة النسخة العربية الأولى لمهرجان “تروب فست” السينمائي العالمي، الذي يحتضن إنجازات سينمائية شابة، ويقودها نحو مكانتها المستحقة على خارطة الإنجاز الإنساني الراقي. (أبوظبي) - أمس الأول، وفي إطار فعاليات مهرجان “يا سلام” الذي تستضيفه أبوظبي، محتضنة عبره الكثير من الأحلام والطموحات، أثبت مهرجان “تروب فست آرابيا” مشروعية وجوده، بمثل ما أكد قابليته للاستمرار، مطلقاً آمالاً عريضة لشريحة شبابية واسعة من أبناء الوطن العربي في أن يكون لإنجازاتها الإبداعية نصيبها العادل من الحضور والحفاوة. جدارة الفوز أمسية أينعت فيها هواجس فتية، وسلطت خلالها أضواء مبهرة على جهود استنزفها الظلام طويلاً، وبواسطتها أمكن للمنسيين أن يستعيدوا حقوقهم في الحضور، وقيض لكثيرين ممن كانت دروبهم مملوءة بالعثرات أن يختبروا متعة السير بسلاسة فوق السجاد الأحمر.. هي ليلة نادرة يتاح للهامش خلالها أن يصير متناً، ويصار في سياقها إلى تصويب مسارات الزمن: الفوز ليس صدفة، ولا منحة، بل هو استحقاق يحصَّل بالموهبة والجهد، وبالإصغاء النقي إلى همس القلوب. اثنا عشر فيلماً قصيراً أنجزها مخرجون مبتدئون في أنحاء شتى من العالم العربي استضافتها الليلة المضيئة، التي اتخذت من كورنيش أبوظبي متكئاً جغرافياً لها، ليثمر التقاطع المباغت عن حالة اندماج نادرة بين الزمان والمكان: لحظة بالغة الثراء تعانق أرضاً فائقة الكرم.. نجوم في البداية لم يشأ المنظمون للحفل الاستثنائي أن يقتصر على المجال السينمائي وحده، فطعموا الأفلام المعروضة بحضور غنائي ساحر جسده نجوم البرنامج التلفزيوني “ستار أكاديمي”، مجدداً المستقبل يلتقي ذاته، لتتقاطع الروعة مع الروعة، وتكون المحصلة فورة مشروعة في أوساط الجمهور الذي غصت بأفراده رمال الشاطئ، سارع الناس إلى الترحيب بنجوم قدموا لتوهم إلى عالم الضوء، ولا يزالون يحتفظون بالكثير من عبق الذكرى والطموحات، هم في بداية الدرب نحو النجومية، حيث يمكن لأي تفاعل صادق أن يصنع الكثير من الفروقات الجوهرية، وقد حصل ذلك. منذ البداية كان واضحاً أن مقدمي البرنامج، ريا أبي راشد وقصي خضر، قد أعدا نفسيهما جيداً للمناسبة، الاثنان أبديا تمكناً واضحاً من مفرداتهما، وعرفا كيف يبقيان الجمهور مشدوداً إلى الحدث، استقبلا أعضاء لجنة التحكيم على عتبة السجادة الحمراء، وأظهرا حيالهم الكثير من الود المهني، ليشكل الاستقبال ذاك مدخلاً ملائماً نحو عمق الفعالية، وتمهيداً ضرورياً لتحقيق التواصل والانسجام بين الجمهور وبين الأعمال السينمائية التي سيقدم على مشاهدتها، وهي أعمال قصيرة كما تقتضي سياسة المهرجان. تظاهرة سينمائية بعد الترحيب بأعضاء لجنة التحكيم وصانعي الأفلام المشاركة في المهرجان، وهم: المخرجة المواطنة نايلة الخاجة، المخرجة والممثلة السعودية عهد والمنتج السعودي ممدوح سالم، وأمين درة (مخرج أول مسلسل عربي للإنترنت- “شنكبوت”)، ومحمد حفظي (المخرج وكاتب السيناريو المصري)، وإياد ناصر (الممثل الأردني) ودامون غامو (الرابح بمهرجان تروب فست أستراليا 2011). وانضم إليهم المخرج الإماراتي عبدالله الكعبي، والممثل وصانع الأفلام نواف الجناحي، والشاعرة والمنتجة نجوم الغانم، والشاعر الإماراتي خالد البدور، والمغنية رويدة المحروقي ومحمد العتيبي، رئيس إيمج ناشن أبوظبي. ألقى مدير المهرجان ومؤسسه جون بولسون كلمة معبرة استعرض خلالها تجربته المهنية الخاصة، التي هي عامل حاسم ورئيسي في تشكل “تروب فست” وامتلاكه هذا التمدد العالمي المميز، ومما قاله بولسون: “عندما عرضت فيلمي الأول “تروبيكانا” قبل عشرين عاماً في مقهى بحري بحضور عدد من الأصدقاء والمهتمين لم يتجاوز حينها العشرين شخصاً، لم أكن أعلم أحينها أنه سيأتي هذا اليوم الذي أقف فيه هنا في أبوظبي وسط هذه الحشود، لأعلن إطلاق هذه التظاهرة السينمائية المعبرة. أفلام معبرة الفترة الثانية من الأمسية العامرة خصصت لعرض متواصل شمل نصف الأفلام المشاركة البالغ عددها الإجمالي 12 فيلماً، جرى اختيارها من بين أكثر من مئة فيلم مرشح، وقد تنوعت الأفلام المعروضة بين روائية وأخرى تعتمد الحركة وحدها دون الحوار، إضافة إلى أفلام رسوم متحركة، لا يقتصر مضمونها على الترفيه كما هو الحال عادة في الحالات المشابهة، بل هي هادفة ومعبرة في الكثير من محاورها، والأرجح أن مصاعب الإنتاج وصعوبة تأمين الممثلين، هي الدافع الرئيسي وراء إقدام المخرجين على انتاج أفلام من هذا النوع، وإن كان ذلك لم يمنعهم من تضمينها الكثير من الرؤى والأفكار التي يؤمنون بها، ويسعون لترويجها والدفاع عنها. وقد جاءت لائحة الأفلام المشاركة على النحو التالي: أحمد غزال، من مصر، عن فيلم “بيقولو”، جاسم الجبّوري، من العراق، عن فيلم “سرب النجوم”، شريف مقبل، من مصر، عن فيلم “في المشهد الأول”، عباس البدري، العراق، عن فيلم “انتقال”، فوزية حاسين، من المغرب، عن فيلم “الوقت بدل الضائع”، كريم محمود، من مصر، عن فيلم “بدون إشارة” لبنى سعيد العامودي، من الإمارات، عن فيلم “ابتسامة”، محمد الحارثي، من سلطنة عمان، عن فيلم “النجم”، محمد صبري، من مصر، عن فيلم “الحظ وما أبعد منه”، موني محمود، من مصر، عن فيلم “عيد الحب”، مينا غطّاس، من مصر، عن فيلم “بحث”، ونديم لحّام، لبنان، عن فيلم “الخوف الأول”. أبعد من الهدوء بعد عرض الجزء الأول من لائحة الأفلام المشاركة خصصت استراحة غنائية، تولى الغناء فيها نجوم برنامج “ستار أكاديمي”: جيلبرت سيمون الذي يحمل الجنسيات اللبنانية والفرنسية والأرمنية، كما شاركت المصرية نسمة محجوب التي بدأت التدرب بعمر العاشرة في جوقة الأطفال التابعة لدار الأوبرا المصرية، بقيادة المايسترو سليم سلهب. وانضم إليهم النجم المصري أحمد عزّت، المشهور بصوته العذب وحضوره المميز على خشبة المسرح، والتونسية أميمة طالب، والسورية سارة فرح. إذا كان عرض الأفلام قد فرض الصمت والإصغاء، وصولاً إلى الإنصات الكامل لكل كلمة تقال، أو حركة تجري، فإن الاستراحة الغنائية جعلت السواد الأعظم من الحضور يهب واقفاً، مشاركاً، وهاتفاً لنجومه المفضلين، وبالتأكيد لم يكن ممكناً تفويت الفرصة المتاحة لتصوير النجوم، فتحولت الهواتف النقالة إلى كاميرات ترصد كل تفاصيل الموقف بدقة وإصرار، وحرص على كل شاردة وواردة.. المشاعر أساساً فقرة صاخبة كانت ضرورية قبل الدخول في مرحلة الإصغاء مجدداً لمتابعة الجزء المتبقي من دزينة الأفلام التي اختارها المهرجان، مجدداً اتجهت الأبصار نحو ثلاث شاشات عرض عملاقة ضمتها الصالة الرملية المترامية الحدود، كان الناس بعدها على موعد مع مرحلة إعلان النتائج، وهي تجاوزت الوقت المقرر لها، في سياق النقاش الضروري بين أعضاء لجنة التحكيم في هكذا مناسبة، هذه الفترة المشحونة بالخوف والترقب، والتي كان المخرجون المشاركون خلالها يقفون بقلق واضح على خشبة المسرح، أمكن للنجم المصري أحمد حلمي، وهو مدير مشارك للمهرجان، أن يساهم في التخفيف من حدتها عبر كلامه المؤنس الذي يعكس شخصية فنان حقيقي، يمارس فنه على امتداد الوقت، وليس أمام الكاميرا فقط، تحدث حلمي بمحبة وفرح عن الأفلام المشاركة، اعتبر، وهو محق، أن كل المخرجين المشاركين، هم أصحاب مواهب حقيقية، وأن فوز بعضهم لا يعني فشل الآخرين، مشدداً على كون الأفلام المشاركة قد استوفت المعايير الفنية المطلوبة، أما الاختيارات التي تمارسها لجنة التحكيم فهي تستند إلى عامل المشاعر وحدها، بمعنى أن عنصر الحسم في الاختيار يعتمد على درجة تفاعل المحكم مع الفيلم، بعيداً عن المقاييس الأساسية. اللحظة الحاسمة لحظات إعلان النتائج كانت حاسمة: فيلم “سرب النجوم” للمخرج العراقي جاسم الجبوري، وهو فيلم رسوم متحركة، يعتمد على تقنيات فائقة الدقة، يحوز على الجائزة الأولى. فيما فازت المخرجة الإماراتية لبنى سعيد العامودي في المرتبة الثانية بالمهرجان عن فيلم “الإبتسامة” حيث حصلت على مبلغ نقدي قدره 7,500 دولار مع فترة تدريب داخلي في مجموعة MBC. وفاز بالمرتبة الثالثة أحمد غزال من مصر، عن فيلم “بيقولو”، وحصل على مبلغ نقدي قيمته 5 ألاف دولار أميركي مع إمكانية تعديل ألوان فيلمه القصير في twofour54 إنتاج. كما تضمن المهرجان جائزتي أفضل ممثل وممثلة وفاز بهما علي سلوم ودانا دجّاني. حدث استثنائي تعليقاً على فوزه بالجائزة قال الجبوري: “لقد فرحت كثيراً عندما عرفت أنني الفائز بالجائزة الأولى لمهرجان تروب فست أرابيا 2011. كان فوزي بالجائزة حدث استثنائي وهو أهم إنجاز في حياتي ودافع قوي لتطوير مستقبلي المهني في صناعة وإخراج الأفلام”. بدوره قال جون بولسون، مؤسس مهرجان تروب فست ومديره: “إنها لليلة عظيمة وحضور مميز في مكان مدهش ومع رابح كبير فاز بجدارة... أنتظر بفارغ الصبر مهرجان تروب فست أرابيا القادم”. إضافة إلى القيمة المعنوية والعالمية التي فاز بها الرابح بمهرجان تروب فست أرابيا، فإن جاسم الجبوري سيربح أيضاً 12,500 دولار أميركي، ورحلة إلى لوس إنجيلس للقاء صنّاع أفلام مهمين، إضافة إلى ذلك سيشارك في لجنة تحكيم مهرجان تروب فست أستراليا في فبراير 2012. بحث بين الأفلام المعروضة ما يستحق التوقف عنده من زاوية درامية، لجهة تضمنه مواقف إنسانية مؤثرة. فيلم “بحث” مثلاً للمخرج المصري مينا غطاس يقدم رؤية متميزة لتجربة عاطفية جديرة بالإشارة لها، وذلك ارتباطاً بقدرة الفيلم على التعبير بالرغم من قصر مدته الزمنية. يحكي الفيلم بطريقة صامتة، أي اعتماد على الحركات وحدها، قصة فتاة معجبة بشاب دائم الجلوس في مقهى ترتاده هي أيضاً بصورة مستمرة، تحاول إثارة اهتمامه بطرق شتى، لكنها تفشل في ذلك، بالمقابل ثمة نادل في المقهى يتملكه شعور بالإعجاب حيال الفتاة نفسها، وهو أيضا يسعى لتذكيرها بوجوده لكنه لا يوفق، هكذا تنتهي الحكاية قبل أن تبدأ: يذهب الشاب الأول منشغلاً بما يمكن اعتباره شأناً عاطفياً شخصياً، ثم تغادر الفتاة حانقة لخسارتها، فيما يلملم النادل بقايا الطلبات، ومعها علامات الخيبة المرتسمة فوق ملامحه. عيد الحب أيضاً ثمة فيلم آخر من مصر بعنوان “عيد الحب” إخراج موني محمود يحمل الكثير من العلامات الفارقة، هو يصور حالة مستنسخة لشاب وفتاة يحملان الزهو في عيد الحب، يذهب كل منهما إلى المقهى، يضع الزهور أمامه على الطاولة، ثم يبدو كما لو أنه ينتظر أحداً ما، لكن الوقت لا يطول بنا كمشاهدين قبل أن نستنتج أن من ينتظرانه لن يأتي، وبالأصح هما لا ينتظران أحداً، بل يفتعلان الموقف افتعالاً، عندما تتلاقى النظرات لا يكون صعباً على أحدهما أن يكتشف كذبة الآخر، ثم يقفل المشهد على سؤال: هل يكملان الدرب معاً؟!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©